هيومن رايتس ووتش: مراقبة وحملات تشهير وترهيب وسجن بعد محاكمات جائرة في المغرب
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نُشر اليوم إن السلطات المغربية تستخدم تكتيكات احتيالية وملتوية لإسكات النشطاء والصحفيين الناقدين.
تهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على الصورة التي يتمسك بها المغرب كدولة “معتدلة” تحترم الحقوق بينما يزداد قمعها أكثر من أي وقت مضى.
في التقرير الصادر في 99 صفحة، بعنوان “’فيك فيك‘ (’سينالون منك مهما كان‘) – دليل أدوات قمع المعارضة في المغرب”، وثّقت هيومن رايتس ووتش مجموعة من التكتيكات التي تُستخدم مجتمعة لتشكل منظومة قمعية.
وقالت ووتش إن هدف هذه التكتيكات ليس إسكات الأصوات المعارضة فحسب، بل أيضا ترهيب كل المنتقدين المحتملين.
تشمل التكتيكات محاكمات جائرة وأحكام سجن طويلة بتهم جنائية لا علاقة لها بالتعبير، وحملات مضايقة وتشهير في وسائل الإعلام الموالية للدولة، واستهداف أقارب المعارضين.
تعرّض منتقدو الدولة أيضا للمراقبة الرقمية والتصوير السري، وفي بعض الحالات لترهيب جسدي واعتداءات لم تحقق فيها الشرطة بشكل جدي.
قالت هيومن رايتس ووتش: “تستخدم السلطات المغربية منظومة من التكتيكات الاحتيالية لقمع المعارضين بينما تسعى جاهدة للحفاظ على صورة المغرب كدولة تحترم الحقوق”.
وأضافت المنظمة: “على المجتمع الدولي أن يفتح أعينه، وأن يرى القمع على ما هو عليه، وأن يطالب بوقفه”.
وثقت هيومن رايتس ووتش ثماني حالات قمع متعددة الأوجه لأفراد وحالتين لمؤسسات إعلامية، شملت 12 محاكمة وعدة أشخاص مستهدفين آخرين ذوي الصلة.
قابلت هيومن رايتس ووتش لتهيئة التقرير 89 شخصا داخل المغرب وخارجه، منهم أشخاص تعرضوا لمضايقات الشرطة أو القضاء، وأقارب لهم وأصدقاء مقربون.
وقابلت المنظمة أيضاً مدافعون حقوقيون، ونشطاء اجتماعيون وسياسيون، ومحامون، وصحفيون، وشهود في المحاكمات.
حضرت هيومن رايتس ووتش 19 جلسة محاكمة لمعارضين مختلفين في الدار البيضاء والرباط، وراجعت مئات الصفحات من ملفات القضايا ووثائق رسمية أخرى، وراقبت وسائل الإعلام الموالية للدولة عن كثب لأكثر من عامين.
منذ أن تولى الملك محمد السادس عرش المغرب عام 1999، وثّقت هيومن رايتس ووتش عشرات الإدانات التي طالت صحفيين ونشطاء بتهم تتعلق بالتعبير، في انتهاك لحقهم في حرية التعبير.
تستمر مثل هذه المحاكمات. لكن بموازاتها، صقلت السلطات نهجا مختلفا للتعامل مع المنتقدين البارزين، حيث تابعتهم على جرائم لا تتعلق بالتعبير، مثل غسل الأموال، والتجسس، والاغتصاب، والاعتداء الجنسي، وحتى الاتجار بالبشر.
طالبت هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في مثل هذه المزاعم الجنائية الخطيرة دون تمييز، وطالبت بتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة في محاكمات تحترم الإجراءات القضائية الواجبة وتنصف جميع الأطراف.
يقيِّم التقرير ما إذا كانت إجراءات المحاكمة في مثل هذه القضايا تحترم المعايير الدولية التي تحكم الحق في محاكمة عادلة.
وجدت هيومن رايتس ووتش في المحاكمات التي فحصتها أن المعارضين أو أقاربهم أو شركاءهم أدينوا إما بناء على تهم تنتهك في حد ذاتها حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، أو، عندما تكون التهم مشروعة، على أساس إجراءات غير عادلة انتهكت العديد من ضمانات المحاكمة العادلة.
تضمنت العيوب الإجرائية الاحتجاز الاحياطي المطول دون مبرر مشخصن، وحرمان المتهمين من الاطلاع على ملفات قضاياهم لفترات طويلة، ورفض طلبات الدفاع الاستماع إلى الشهود واستجوابهم، وإصدار الأحكام غيابيا على المتهمين المسجونين، بعد أن تخلّفت الشرطة عن إحضارهم إلى قاعة المحكمة.
في إطار الملاحقة الشرسة للمعارضين لتُهم بعضها خطير، انتهكت السلطات حقوق معارفهم وشركائهم وعائلاتهم، وحتى من تزعم السلطات أنهم ضحاياهم.
في إحدى القضايا، أدانت المحكمة عفاف برناني بتهمة “التشهير بالشرطة”، بعد أن اتهمت برناني الشرطة بتزوير محضر لأقوالها، يبدو أنها تؤكد فيه تعرضها لاعتداء جنسي من قبل مديرها السابق توفيق بوعشرين، مؤسس آخر صحيفة يومية ناقدة مطبوعة في المغرب.
نفت برناني بشدة أنها وجّهت مثل هذا الاتهام. حُكم على بوعشرين لاحقا بالسجن 15 عاما في 2019 بعدة تهم بالاعتداء الجنسي، بينما فرّت برناني إلى المنفى.
توصلت التحقيقات التي أجرتها “منظمة العفو الدولية” وكونسورتيوم “فوربيدن ستوريز” الصحفي إلى أن السلطات المغربية كانت وراء قرصنة الهواتف الذكية للعديد من الصحفيين والحقوقيين، إضافة إلى آخرين قد يكونون بالآلاف، باستخدام برمجية التجسس “بيغاسوس”، بين 2019 و2021.
بمجرد اختراقها الهاتف الذكي، تمنح بيغاسوس جهات مرتبطة بالدولة وصولا غير مقيّد إلى جميع محتويات الجهاز.
تعرّض أحد المستهدفين بواسطة بيغاسوس الذين فحصت هيومن رايتس ووتش قضيتهم، وهو الخبير الاقتصادي والناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، للتصوير السري بالفيديو.
تلقى عبد المومني تهديدات من جهات مجهولة ليخفف من حدة انتقاداته للسلطات، وعندما واجهها بالتحدي، أُرسِلت مقاطع فيديو صُوّرته سرا في وضعيات حميمة مع خطيبته آنذاك إلى أسرتها.
في المغرب، يُعتبر الجنس خارج إطار الزواج جريمة يعاقب عليها بالسجن وسببا للوصم الاجتماعي، خاصة بالنسبة إلى النساء.
تعرّض جميع الأشخاص الذين فحصت هيومن رايتس ووتش قضاياهم، سواء حوكموا أو سُجنوا أو غير ذلك، لحملات تشهير واسعة من قبل مجموعة من المواقع الإلكترونية تشير إليها مجموعة من 110 صحفيين مغاربة مستقلين على أنها “صحافة التشهير”، ويُزعم أن لها علاقات مع الشرطة وأجهزة المخابرات المغربية.
غالبا ما تنشر تلك المواقع مقالات عن منتقدي الدولة تتضمن إهانات ومعلومات شخصية بما في ذلك السجلات المصرفية والعقارية، ولقطات شاشة لمحادثات إلكترونية خاصة، وادعاءات حول العلاقات الجنسية أو تهديدات بكشفها، إلى جانب تفاصيل شخصية عن حياة أقارب المستهدفين وأصدقائهم ومن يؤيدهم.
قال معارضون قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن مجرد احتمال استهدافهم من قبل تلك المواقع يثنيهم عن التحدث علنا.
قال الصحفي هشام المنصوري، الذي حصل على حق اللجوء في فرنسا بعد أن أمضى عشرة أشهر في السجن بتهمة الزنا: “البيئة أشبه ما تكون بمحاكم التفتيش… العلاقات الجنسية، المخدرات، الكحول… إذا لم يجدوا شيئا لفّقوا [لك] التهم”.
تشمل التكتيكات الموثقة الأخرى المراقبة الجسدية واستهداف الأقارب. قالت هاجر الريسوني، الصحفية التي أدينت بممارسة الجنس مع خطيبها خارج إطار الزواج وبالإجهاض غير القانوني، إن الشرطة استجوبتها حول اثنين من أعمامها وهم من المعارضين المعروفين. قدّم لها رجال الشرطة تفاصيل عن علاقتها بخطيبها آنذاك.
كانت التفاصيل محددة مثل التواريخ والساعات التي جاءت فيها الريسوني إلى شقة خطيبها لأخذ كلبه في جولة، بالإضافة إلى اسم الكلب.
هذه الأساليب التي وثقتها هيومن رايتس ووتش تنتهك التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الخصوصية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات وحق المتهمين في الإجراءات القضائية الواجبة والمحاكمة العادلة.
قالت هيومن رايتس ووتش: “يبدو للوهلة الأولى أنها قضايا إنفاذ قانون عادية وحالات متفرقة من المضايقات والتشهير الإعلامي، لكن عندما تمعن النظر، تتضح لك قواعد لعبة مكتملة لسحق المعارضة”.
وأضافت: “على شركاء المغرب الدوليين إدراك حقيقة هذا القمع، وأن يطالبوا بوقفه، وأن يشجبوا المغرب لارتكابه شجبا مسموعا وواضحا”.