تقرير حقوق الإنسان الأمريكي لعام 2025 يثير جدلاً واسعاً بسبب التلاعب والإغفال المتعمد
أثار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 2025، الصادر في 12 أغسطس، انتقادات حادة من منظمات حقوقية بارزة، على رأسها “هيومن رايتس ووتش”، التي اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتسييس الوثيقة، وإغفال أقسام جوهرية من الانتهاكات، وتبييض سجل حكومات حليفة للولايات المتحدة.
التقرير، الذي يُفترض أن يُقدَّم سنوياً إلى الكونغرس لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في العالم، أغفل بالكامل تقريباً انتهاكات كانت ثابتة في الإصدارات السابقة، مثل الاعتداءات على حقوق المرأة، ومجتمع الميم، والأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى قضايا الفساد الحكومي وحرية التجمع السلمي. كما اتُّهمت الإدارة بالتقليل المتعمد من خطورة الانتهاكات في دول ترتبط بها واشنطن بعلاقات سياسية أو اقتصادية وثيقة.
وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب المنظمة في واشنطن، إن “التقرير الجديد تحول في كثير من الأحيان إلى أداة للتمويه والخداع، إذ تم طمس فئات كاملة من الانتهاكات والتستر على جرائم جسيمة ارتكبتها حكومات حليفة”. وحذرت من أن هذا النهج يُقوض مصداقية الولايات المتحدة ويعرض المدافعين عن حقوق الإنسان وطالبي اللجوء للخطر.
إسرائيل وفلسطين: تغييب للجرائم الموثقة
أحد أبرز أوجه الانتقاد كان تغييب التقرير لانتهاكات السلطات الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك النزوح القسري الجماعي للفلسطينيين، واستخدام التجويع كسلاح حرب، وحرمان السكان من المياه والكهرباء والمساعدات الطبية، وهي أفعال وصفتها منظمات حقوقية بأنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية. كما أغفل التقرير الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية والمنازل والمدارس والمستشفيات في القطاع.
تحريف الأوضاع في دول الترحيل
اتهمت المنظمة التقرير بتضليل الحقائق في دول تعيد الولايات المتحدة ترحيل أشخاص إليها، مثل السلفادور، حيث تجاهل وقائع الإعدامات خارج نطاق القانون والاختفاء القسري وسوء المعاملة في السجون. كما انتقدت إغفال الانتهاكات في المجر، بما في ذلك القيود على المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، والانتهاكات بحق مجتمع الميم والمهاجرين، إضافة إلى التقليل من خطورة استخدام روسيا السجن بدوافع سياسية كأداة لقمع المعارضة.
تعارض بين محتوى التقرير والسياسات الفعلية
ورغم أن التقرير أشار إلى انتهاكات جسيمة في دول مثل جنوب السودان ورواندا وهايتي وفنزويلا، إلا أن سياسات الإدارة الأمريكية تناقض ذلك، إذ رحّلت أشخاصاً إلى هذه البلدان رغم المخاطر الموثقة. كما ألغت وضع الحماية المؤقتة (TPS) عن مواطني دول تعاني من أوضاع أمنية وإنسانية متدهورة، مثل أفغانستان ونيكاراغوا ونيبال.
تاريخ وأهمية التقرير
منذ سبعينيات القرن الماضي، كان التقرير السنوي لحقوق الإنسان أداة مرجعية مهمة للمشرعين وصانعي السياسات والأكاديميين، ويُستشهد به في تقييمات المساعدات الخارجية ومبيعات الأسلحة والاتفاقيات التجارية، إضافة إلى استخدامه كدليل في قضايا اللجوء أمام المحاكم الأمريكية. وقد ساعد في تسليط الضوء على قضايا ضحايا الانتهاكات ومنحهم دعماً دولياً، كما وفر غطاءً سياسياً لحملات الضغط على الحكومات القمعية.
لكن الانتقادات الجديدة تشير إلى أن الوثيقة، بدلاً من أن تكون مرجعاً مستقلاً وموثوقاً، باتت أداة سياسية لخدمة تحالفات الإدارة الأمريكية، ما قد يضع حياة طالبي اللجوء في خطر ويقوض الجهود العالمية لمكافحة الاستبداد.
هيومن رايتس ووتش تحذر من عواقب سياسية وإنسانية
أكدت ياغر أن “التقرير كان يمثل على مدى عقود أساساً متيناً لدعم حركة حقوق الإنسان العالمية، لكن الإدارة الحالية حوّلته إلى أداة لتسهيل التعامل مع المستبدين والتقليل من شأن الانتهاكات”. وحذرت من أن إضعاف هذا التقرير سيؤدي إلى تراجع قدرة الولايات المتحدة على الضغط من أجل الإصلاحات، ويُفقد حلفاء الديمقراطية مصدراً مهماً للشرعية والدعم الدولي.
ومع تصاعد الانتقادات، يواجه التقرير اختباراً حقيقياً في الكونغرس، حيث قد يدفع الجدل الدائر حوله بعض المشرعين إلى المطالبة بمراجعة شاملة لآليات إعداده، وضمان استقلاليته بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة.