تقرير أممي: حان الوقت للتصالح مع الطبيعة” ومعالجة أزمات المناخ
أظهر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الاقتصاد العالمي نما خمسة أضعاف تقريبا في العقود الخمسة الماضية، لكن بتكلفة هائلة على البيئة العالمية وبالتالي على صحة وحياة البشر.
أُطلق التقرير في مؤتمر صحفي، عُقد عبر تقنية الاتصال المرئي بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وإنغر أندرسون المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وقالت أندرسون: “تنبع جميع حالات الطوارئ البيئية التي تم تحديدها في التقرير مباشرة من استهلاك البشر المفرط للموارد والإفراط في إصدار النفايات وإعطاء الأولوية للمكاسب قصيرة الأمد مع التسبب بالمشاكل على المدى الطويل”.
ويستند التقرير الصادر تحت عنوان “التصالح مع الطبيعة: مخطط علمي لمعالجة حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والتلوث” إلى أدلة من التقييمات البيئية العالمية.
وأوضحت إنغر أندرسون أن براعة الإنسان أدّت إلى زيادة إنتاج المحاصيل بنسبة 300% منذ عام 1970، ولكن الأسمدة التي دخلت النظم البيئية الساحلية تسببت في مشاكل هائلة للبشر وما وصفتها بمناطق الموت التي تزيد عن مساحة المملكة المتحدة على سبيل المثال.
ويقدم التقرير تشخيصاً للتغير البيئي الحالي والمتوقع بفعل الإنسان، ويحدد التحولات اللازمة لسد الفجوات بين الإجراءات الحالية وتلك اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، ويقدّم توصيات عملية حول كيفية معالجة أزمات تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.
وفي كلمته في المؤتمر الصحفي لعرض التقرير في المقرّ الدائم للأمم المتحدة بنيويورك، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش: “بدون مساعدة الطبيعة، لن نزدهر أو حتى نبقى على قيد الحياة. إننا نخوض منذ فترة طويلة حربا انتحارية عقيمة على الطبيعة. والنتيجة ثلاث أزمات بيئية مترابطة”.
تتمثل هذه الأزمات في اضطرابات المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث الناتج عن الإنتاج والاستهلاك غير المستدامين، بحسب الخبراء. وأشار الأمين العام إلى أن الغلاف الجوي والمحيطات أصبحوا مكبّا لنفايات البشر، فيما تدفع الحكومات لاستغلال الطبيعة أكثر مما تدفع لحمايتها.
وتابع الأمين العام يقول: “حان الوقت لأن نتعلم النظر إلى الطبيعة كحليف يساعدنا في تحقيق أهـداف التنمية المستدامة”.
تتجه حرارة الأرض إلى الارتفاع بأكثر من 3 درجات مئوية هذا القرن، مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، بسبب الاحتباس الحراري.
ويشير الأمين العام إلى أن العبء يقع على عاتق النساء بشكل غير متناسب، حيث يمثلن 80% من النازحين بسبب اضطرابات المناخ.
ويتعرّض أكثر من مليون نوع من أنواع النباتات والحيوانات، والمقدر عددها بثمانية ملايين نوع على كوكب الأرض، لخطر الانقراض. وتتسبب الأمراض التي يسببها تلوث الهواء بحوالي 6.5 مليون حالة وفاة مبكرة كل عام، فيما تقتل المياه الملوثة 1.8 مليون شخص، معظمهم من الأطفال.
وأضاف الأمين العام قائلا: “في الوقت نفسه، لا يزال 1.3 مليار شخص فقراء، ونحو 700 مليون يعانون من الجوع. الجواب الوحيد هو التنمية المستدامة التي ترتقي برفاهية الناس والكوكب”.
على الصعيد العالمي، تنفق البلدان ما بين 4 و6 تريليون دولار في السنة على الإعانات التي تضرّ بالبيئة. وتتطلب أزمات المناخ والتنوع البيولوجي والتلوث – المترابطة – اتخاذ إجراءات عاجلة من المجتمع بأسره، ومن الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والأفراد.
وقال الأمين العام: “اختيارات الناس مهمة. على سبيل المثال، نحو ثلثي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالمنزل”.
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه يمكن للأفراد القيام بدورهم “عبر تغيير نظامهم الغذائي وعادات السفر وتخفيض استهلاك المياه والطاقة وعبر ممارسة حقوقهم المدنية (عبر الانتخابات على سبيل المثال)”.
يشير التقرير إلى طرق عديدة يمكن من خلالها رسم مسار نحو مستقبل مستدام، إذ يمكن للحكومات تضمين رأس المال الطبيعي في مقاييس الأداء الاقتصادي وتعزيز اقتصاد محدد. ويمكنها الاتفاق على عدم دعم الزراعة التي تدمر أو تلوّث البيئة، ووضع سعر للكربون، وتحويل الدعم من الوقود الأحفوري إلى حلول منخفضة الكربون وصديقة للبيئة.
ودعا السيّد غوتيريش إلى الاستثمار في السياسات والأنشطة التي تحمي الطبيعة: “خلاصة القول هي أننا بحاجة إلى تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الطبيعة ونقدّرها”.
وحذر من أن الوقت يداهمنا للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية والصمود في مواجهة التأثيرات المقبلة.
من جهة أخرى، رحب السيّد أنطونيو غوتيريش بعودة الولايات المتحدة إلى اتـفاق باريس بشأن تغيّر المناخ رسميا يوم غد الجمعة، مشيرا إلى أن ذلك يعزز العمل العالمي.
وقال: “إن التزام الرئيس (جو) بايدن بصافي انبعاثات صفرية يعني أن البلدان التي تنتج ثلثي التلوث الكربوني العالمي تسعى إلى تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050”.
وردّا على أسئلة الصحفيين، قال السيّد غوتيريش إنه رغم توقف مساهمة الحكومة الأميركية في السنوات الماضية، “رأينا حشدا رائعا في الولايات المتحدة للقطاع الخاص والمدن وبعض الولايات ومنظمات المجتمع المدني، وهذا ما يشير إلى أن الوقت متاح لتعود الولايات المتحدة إلى المسار للوصول إلى انبعاثات صفرية في 2050 ولتكون جزءا من الجهود العالمية لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية في نهاية القرن”.
يأتي تقرير التصالح مع البيئة استباقا لعقد الاجتماع الخامس لجمعية الأمم المتحدة للبيئة الأسبوع المقبل (22-23 شباط/فبراير)، وهذا العام تُعقد مؤتمرات بيئية عالمية مهمة لبحث تغير المناخ والمواد الكيميائية والتنوّع البيولوجي والتصّحر والمحيطات.
وأوضح السيّد غوتيريش أن 2021 هو عام حاسم: “لسنا متأخرين، ولكن علينا أن نضمن أننا قادرون على خلق الظروف لتخفيض الانبعاثات بشكل كبير للعقد المقبل، والوصول إلى الحد المتمثل بـ 1.5 درجة مئوية، هذه هي السنة التي نحتاج فيها إلى إطار جديد للحفاظ على التنوع البيولوجي، واتخاذ عدد من الإجراءات المهمة لتخفيض التلوث.. ولكن هذا يتطلب تغيير طريقة التفكير”.
ودعا إلى إعادة تقييم علاقتنا مع الطبيعة وإعادة ضبطها.
اقرأ أيضاً: المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: حرائق القطب الشمالي وذوبان الجليد تذكير بضرورة اتخاذ إجراءات بشأن المناخ