تفاقم حالة حقوق الانسان عالميًا

قالت مواطنة لحقوق الإنسان في إحاطة لها اليوم بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي يوافق العاشر من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، إن حالة حقوق الإنسان على المستوى العالمي تمر بأسوأ حالاتها في خضم استمرار النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية في عدد من البلدان، والتي ترتكب فيها الأطراف المتنازعة من الدول والأنظمة السياسية والجماعات المسلحة طيفًا واسعًا من الانتهاكات والفظائع والجرائم الدولية، دون رادع.

 

وأضافت “مواطنة” أن استمرار الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في كل من فلسطين المحتلة، واليمن، والسودان، وسوريا، ولبنان، وليبيا، وأوكرانيا وغيرها من البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة ممتدة، تسبب بتدهور غير مسبوق لحالة حقوق الإنسان في هذه البلدان خصوصًا، وعلى المستوى العالمي بشكل عام، في ظل إفلات تام من العقاب وتقاعس المجتمع الدولي المستمر عن النهوض بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلم الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته، وتعزيز العدالة الدولية.

 

وقالت “مواطنة” إن الأطراف المتنازعة من الدول والأنظمة السياسية والجماعات المسلحة ترتكب وبشكل مستمر أنماطًا مختلفة من الانتهاكات، على رأسها القتل والتشويه بوسائل وطرق متنوعة، والاحتجازات التعسفية، والاختفاءات القسرية، والتعذيب، والتجويع، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتهجير القسري، وغير ذلك من الانتهاكات.

 

وأضافت “مواطنة” أن النزاعات المسلحة الراهنة ألحقت دمارًا واسع النطاق في البنى التحتية للبلدان التي تشهد نزاعات مسلحة، حيث تم استهداف الأعيان المدنية والمنشآت الضرورية المحمية المختلفة، وعلى رأسها المستشفيات والمنشآت الصحية والطواقم الطبية، والمدارس والمنشآت التعليمية، والجسور والطرقات والأحياء السكنية، والمنشآت الخدمية بأنواعها، وبشكل عشوائي ودون مراعاة لمبادئ وقواعد القانون الإنساني الدولي. وأدّت هذه الهجمات والعمليات العسكرية في هذه البلدان إلى مقتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين، وعلى رأسهم الأطفال والنساء وكبار السن، كما تسببت بأزمات حادة في الأمن الغذائي، وارتفاع نسب الفقر، ومستويات سوء التغذية والمجاعة، وتفشّي الأمراض والأوبئة، بما فيها الأمراض المعدية أو تلك التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، كما هو الحال في اليمن، وفلسطين المحتلة، وسوريا، ومناطق أخرى. كذلك، حدّت من وصول ملايين السكان المدنيين في هذه البلدان إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليمية.

 

في فلسطين، وعلى مدى ما يزيد عن سبعة عقود، يتعرض الشعب الفلسطيني لاحتلال غير شرعي يمارس فيه الاحتلال سلوكًا استيطانيًا جائرًا وغير قانوني. وتقوم سياساته على نظامي الفصل والتمييز العنصري، وسط مرأى ومسمع العالم، ودون بذل أدنى الجهود لوضع حد لكل ذلك، وفي ظل تجاهل مستمر من قبل إسرائيل للقرارات الدولية المختلفة.

 

وتشهد فلسطين المحتلة اليوم، وقطاع غزة على وجه الخصوص، واحدة من أشد المجازر وحشية، حيث قُتل الآلاف من سكان القطاع، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وشُرّد ما يقارب مليوني فلسطيني. ولا تزال الإبادة الجماعية تُرتكب في القطاع بصورة متكررة، ولا يزال التجويع أحد أساليب هذه الحرب. كما تتعرض المنازل والممتلكات والبنى التحتية لتدمير ممنهج، فضلًا عن الاعتقالات التعسفية والهجمات المتواصلة على المدنيين في الضفة الغربية ومناطق أخرى.

 

في اليمن وسوريا، وعلى مدى ما يزيد عن عشر سنوات من النزاع، ارتكبت أطراف النزاع في البلدين والقوى الدولية المنخرطة فيه جملة من الفظائع والانتهاكات والجرائم الدولية. وتسببت في مآسٍ إنسانية وأزمات حادة، وسقط على إثرها آلاف القتلى والجرحى، وشُرّد الملايين من السكان.

 

في أوكرانيا، تسببت الحرب الروسية/الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير/شباط 2022، في مأساة إنسانية متعددة الأوجه. قُتل آلاف المدنيين، وشُرّد الملايين، ولا يزالون حتى اللحظة غير قادرين على العودة بأمان إلى مناطقهم ومنازلهم. ولا تزال الفظائع تُرتكب في أوكرانيا بشكل يومي.

 

في السودان، صاحب النزاع الذي اندلع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023 أعمال عنف واسعة النطاق، سقط على إثرها المدنيون بين قتلى وجرحى، ونزح الملايين منهم. وتهدد أعمال العنف المستمرة في السودان والتجاهل المستمر لقواعد القانون الدولي الإنساني من قبل طرفي النزاع بتقويض الحياة في السودان.

 

ليبيا، ولبنان، ومناطق أخرى حول العالم تعاني جراء النزاعات الدائرة فيها والانتهاكات والجرائم الوحشية التي تصاحبها. وتشهد مآسٍ إنسانية وصورًا متنوعة من المعاناة، ما يجعل حالة حقوق الإنسان اليوم هي الأكثر تدهورًا، والمآسي الإنسانية أوسع انتشارًا على مدى عقود من التاريخ المعاصر.

 

وذكرت “مواطنة” أن سياسة الإفلات من العقاب السائدة وازدواجية المعايير التي تحكم تعاطي المجتمع الدولي مع العديد من هذه الملفات ساهمت بشكل كبير في توسيع دائرة النزاعات، ووفرت بيئة خصبة لارتكاب المزيد من الانتهاكات والفظائع، وجعلت المنتهكين في مأمن من المساءلة والمحاسبة. وأكدت أن السبيل الوحيد لوضع حد لمختلف الانتهاكات والفظائع، والحد من انتشار النزاعات، يتمثل بتعزيز جهود المساءلة والعدالة الدولية، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، والتعاطي بشكل منصف وفعّال مع مختلف الملفات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان.

 

وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، إن الفشل في تحقيق العدالة ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في بلدان النزاع المسلح، وعلى رأسها اليمن، وفلسطين المحتلة، وسوريا، ولبنان، والسودان، وأوكرانيا وغيرها، ساهم في التمادي في ارتكاب الانتهاكات والفظائع في هذه الدول.

 

وأضافت المتوكل أن مسؤولية إنهاء سياسة الإفلات من العقاب السائدة تقع على عاتق المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الفاعلة على المستوى الدولي، التي أعاقت وعلى مدى عقود إحالة المنتهكين ومرتكبي الفظائع والجرائم الدولية للمساءلة، ووفرت لهم الحماية والدعم في الكثير من الحالات. وأكدت أنه قد حان الوقت لإنهاء كل ذلك والعمل من أجل الإنسان وحقوقه وحرياته.

 

يذكر أن “مواطنة لحقوق الإنسان” كانت قد أطلقت، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وفي إطار فعالية رفيعة المستوى أقيمت في العاصمة الهولندية لاهاي، إعلان صنعاء-لاهاي، الذي مثّل جملة من المطالبات المتعلقة بتحقيق المساءلة وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب وتعزيز العدالة الدولية، تم توجيهها للمجتمع الدولي والهيئات الحقوقية طبقًا لصلاحيات وأدوار هذه الهيئات في تعزيز المساءلة والعدالة الدولية، ووضع حدٍ لسياسة الإفلات من العقاب.

 

وجددت “مواطنة” دعوتها للمجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والدول الفاعلة على المستوى الدولي، إلى العمل على تشكيل آليات دولية مستقلة ذات طابع جنائي لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والتحقق منها، وجمع الأدلة بشأنها لضمان مساءلة المسؤولين عنها من الدول والأنظمة والجماعات، والانتصاف للضحايا. وشددت على دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وتعزيز أدوارهما الرامية لتحقيق المساءلة والعدالة الدولية، والامتثال للقوانين الدولية، والالتزام بالقرارات الصادرة عنهما، واتخاذ تدابير حقيقية وفورية لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب ووضع حد للانتهاكات والفظائع التي تُرتكب حول العالم.

 

كما دعت محكمتا العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق المساءلة وتعزيز العدالة الدولية في القضايا المنظورة أمامهما، أو تلك التي تقع ضمن ولايتهما، والعمل على ضمان شفافية الإجراءات من خلال نشر المعلومات والتحديثات المرتبطة بالقضايا المنظورة أمام المحكمتين بانتظام، وتطوير آليات للتعاون بينهما وبين المحاكم الإقليمية والوطنية لتبادل المعلومات والتنسيق بهدف تسريع إجراءات التقاضي.

 

وأكدت “مواطنة” أهمية العمل على توفير منصات تفاعلية للدول والمجتمع المدني لمناقشة القضايا المهمة على المستوى الدولي المنظورة أمام هذه المحاكم، وجددت دعوتها للمحكمة الجنائية الدولية لتوسيع نطاق إصدار طلبات مذكرات الاعتقال لتشمل عددًا أكبر من كبار المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية الأشد خطورة.

قد يعجبك ايضا