هيومن رايتس ووتش عزل القضاة يترافق مع حملة تشويه يقودها الرئيس قيس سعيّد
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ تشهير الرئيس التونسي “قيس سعيّد” بقضاة وقاضيات قبل عزلهم من مناصبهم تصرف غير مسؤول.
وأكد المرصد أن هذا التصرف يستدعي مراجعة شاملة لخطاب التحريض والتخوين والتهديد الذي ينتهجه ضد الشخصيات والمؤسسات العامة والحزبية منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في يوليو/ تموز العام الماضي.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي أنّه تابع كلمة الرئيس التونسي “قيس سعيّد” مطلع الشهر الجاري أمام اجتماع الحكومة التي عيّنها العام الماضي.
إذ خصّص “سعيّد” كلمته للهجوم على القضاة،. وتلا التهم التي قرر بموجبها عزل 57 قاضيًا من مناصبهم ومن بينها ما وصفها بتهمة “الزنا”.
وألمح الرئيس التونسي في بعض التهم من خلال إشارات محددة إلى أسماء القضاة المتهمين لكنه لم يذكرها.
وعقب كلمة “سعيّد” التي هاجم فيها القضاة، نشرت حسابات مؤيدة له على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق من ملفي تحقيق مع قاضيتين من الذين شملهم قرار العزل.
تضمن أحد هذه الوثائق شهادة طبية ومحضرًا من فرقة الشرطة العدلية بإدارة أمن إقليم “قابس” بخصوص ارتكاب إحدى القاضيات لـ”جريمة الزنا” التي ذكرها سعيّد في خطابه.
وبالمثل، نشرت ذات الحسابات محضرًا أمنيًا آخر صدر عن الفرقة الخاصة للحرس الوطني بإقليم “سوسة”، ويروّج لاتهام قاضية ثانية بذات التهمة.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّه على الرغم من أنّ تلك الوثائق ما تزال تحت نظر القضاء ولم يصدر حكم نهائي بات فيها.
إلّا أنّ جهات رسمية تعمدت على ما يبدو تسريبها ونشرها على العلن، للتشهير بالقاضيتين واغتيالهما معنويًا، وتبرير قرار عزلهما إلى جانب عشرات القضاة الآخرين.
ولفت إلى أنّ تشهير الرئيس التونسي بالقضاة والقاضيات وعزلهم من مناصبهم بناءً على محاضر أو أحكام قضائية غير قطعية، يعد انتهاكًا جسيمًا لحقهم في الخصوصية.
وأشار المرصد إلى أن في ذلك محاولة مباشرة للإضرار البالغ بسمعة القضاة، وإقحامًا سافرًا لحياتهم الخاصة في الشأن العام.
ينعكس ذلك على نحو مضاعف على القاضيات بالنظر إلى الطبيعة المحافظة للمجتمع التونسي، والآثار المجتمعية السلبية التي يُمكن أن تتركها مثل هذه التهم عليهن.
وأكّد المرصد الحقوقي أنّ فعل التشهير بحق القاضيتين يعد من أوجه العنف ضد المرأة.
حيث عرّف القانون رقم (58) لعام 2017 العنف ضد المرأة أنه: “كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.
“ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة”.
وبيّن أنّ الوثائق الرسمية يجب أن تحظى بحماية كاملة من الدولة. إذ لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يتم تسريبها واستخدامها لتوجيه الرأي العام وخلق ذرائع للمراسيم الرئاسية، وخصوصًا في قضية تتعلق بقاضيتين تمثلان سلطة مستقلة.
كما يقع على عاتق الجهات المختصة حظر تداول تلك الوثائق ومحاسبة جميع المتورطين في تسريبها والتشهير بالأشخاص المعنيين فيها.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ الأساس الدستوري الذي استند إليه الرئيس التونسي في الأمر الرئاسي عدد (516) لسنة 2022 الخاص بعزل القضاة لا يمكن الاعتداد به.
إذ اعتمد في إصدار الأمر على أوامر سابقة أصدرها بموجب التدابير الاستثنائية المخالفة بالأساس للدستور التونسي، مثل الأمر رقم 117/2021 الذي شرعن فيه تعطيل مؤسسات الدولة وفرض الوصاية الرئاسية عليها.
وجدّد المرصد الأورومتوسطي رفضه الكامل للمسار الذي ينتهجه الرئيس “قيس سعيّد” منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021.
بما في ذلك المراسيم والقرارات التي سعى من خلالها إلى السيطرة على جميع السلطات ومنها السلطتين التشريعية والقضائية.
بالإضافة إلى الإجراءات الاقصائية والأحادية التي اتخذها مثل تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد وتحديد موعد للاستفتاء عليه، والدعوة إلى حوار وطني استبعد منه الأحزاب السياسية بعد تشويهها وتخوينها.
وفي فبراير/ شباط الماضي، نبّه المرصد الأورومتوسطي إلى خطورة المرسوم رقم 11/2022 الذي أصدره الرئيس التونسي حينها.
وقرّر بموجب هذا المرسوم حل مجلس القضاء الأعلى وإحداث مجلس آخر مؤقت بصلاحيات جزئية بزعم وجود شبهات فساد.
إذ يجعل المرسوم من الرئيس مرجعًا أساسيًا لاتخاذ القرارات الخاصة بمجلس القضاء، كالتعيين والإعفاء، ويُلغي بعض الحقوق الدستورية والنقابية للقضاة، كالإضرابات.
ودعا المرصد الأورومتوسطي الرئيس التونسي “قيس سعيّد” إلى التصرف بمسؤولية، والتوقف عن جميع الممارسات غير القانونية التي ينتهجها ضد خصومه ومعارضيه.
وطالب المرصد الحقوقي إلى احترام خصوصيات القضاة وعدم التعدي عليها، والكف عن استخدام الدستور والقانون على نحو تعسفي للانتقام من الخصوم السياسيين.
وحث المرصد الأورومتوسطي السلطات التونسية المعنية على فتح تحقيق فوري وشفاف في تسريب الوثائق الرسمية الخاصة بملفي التحقيق مع القاضيتين المعنيتين.
هذا وناشد المرصد إلى تحديد ومحاسبة جميع المتورطين في العملية، وردّ الاعتبار لأولئك الذين تضرروا من هذا الفعل غير القانوني، واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لعدم تكراره.