منظمة حقوقية: ألمانيا تتقاعس عن ردع العنصرية المعادية للمسلمين
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن الحكومة الألمانية تتقاعس عن حماية المسلمين والأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون من العنصرية وسط تصاعد حوادث الكراهية والتمييز.
وذكرت المنظمة أن من ضمن العراقيل التي تحول دون الاستجابة الفعالة غياب التعريف العملي للعنصرية المعادية للمسلمين، ونقص البيانات الرسمية حول الحوادث والاستثمارات في الدعم المؤسسي للضحايا.
قالت ألماز تيفيرا، باحثة شؤون العنصرية في أوروبا في هيومن رايتس ووتش: “ينشأ تقصير الحكومة الألمانية في حماية المسلمين من الكراهية والتمييز من عدم الفهم أن المسلمين يعانون من العنصرية، وليس مجرد العداء على أساس الدين”.
وتابعت “بدون فهم واضح للكراهية والتمييز ضد المسلمين في ألمانيا، وبدون بيانات يُعتمد عليها بشأن الحوادث والتواصل المجتمعي، لن تكون أي استجابة من السلطات الألمانية فعالة”.
بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2023، كانت الإحصاءات الأولية لجرائم الكراهية التي أصدرتها الحكومة لذلك العام تضم 686 جريمة “معادية للإسلام”، متجاوزة الـ 610 جرائم المسجلة في 2022 بأكمله.
وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2024، أبلغت وزارة الداخلية هيومن رايتس ووتش أن ليس بإمكانها بعد أن تقدم أي بيانات متعلقة بالفترة بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول.
إلا أن منظمات المجتمع المدني الألمانية قد حذّرت من تزايد الحوادث المعادية للمسلمين منذ أكتوبر/تشرين الأول، في أعقاب اندلاع القتال بين إسرائيل وفلسطين.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، انضمت المفوضة الاتحادية الألمانية لمكافحة العنصرية، ريم العبالي رادوفان، إلى التعبير الأول من نوعه على مستوى الاتحاد الأوروبي عن القلق من تزايد هذه الحوادث.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه خطوة إيجابية، تسلط الضوء على العمل اللازم لتحسين حماية المسلمين في ألمانيا وأماكن أخرى في أوروبا.
فيما قالت ريما هنانو، رئيسة “التحالف ضد رهاب الإسلام والكراهية ضد المسلمين” (التحالف) وهي شبكة للمنظمات غير الحكومية الألمانية، لـ هيومن رايتس ووتش إن 2023 شهد ارتفاعا مخيفا في حوادث معاداة المسلمين.
في نوفمبر/تشرين الثاني، وثّق التحالف ثلاث جرائم ضد المسلمين كمعدل يومي. في إحدى الحالات، نُعت رجل يُنظر إليه على أنه مسلم بـ “الإرهابي” واعتُدي عليه عند ترجّله من حافلة عامة، ونُقل إلى المستشفى بسبب جروحه.
في حين أن منظمات المجتمع المدني، مثل التحالف، تجمع البيانات حول هذه الحوادث، لم تطور الحكومة الألمانية بنية تحتية لرصد وتجميع البيانات في جميع أنحاء البلاد، بناء على مؤشرات واضحة من شأنها تجهيز السلطات بالمعرفة والأدوات اللازمة لمعالجة المشكلة.
منذ 2017، يدرج نظام الحكومة الألمانية بشأن جرائم الكراهية حوادث الكراهية ضد المسلمين والأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون في خانة الدوافع “المعادية للإسلام”.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا التصنيف يرى أن الإجحاف قائم على هوياتهم الدينية، منفصلا عن العدائية القائمة على هوياتهم الإثنية.
توصلت دراسة (“Bericht des Unabhängigen Expert*innenkreis Muslimfeindlichkeit”) أُجريت على مدى ثلاث سنوات بتكليف من الحكومة ونُشرت في 2023 حول العداء ضد المسلمين في ألمانيا، إلى أن المشاعر المعادية للمسلمين منتشرة في ألمانيا، وأوصت بأن تتوقف الحكومة الألمانية عن فصل الكراهية ضد المسلمين عن العنصرية والاعتراف بالصلة بينهما.
ومما أثار استياء أحد منفذي الدراسة أن وزارة الداخلية لم تتصل بالخبراء الذين صاغوا التقرير ولم تعمل بتوصياتهم. قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إنها لا توافق على كل ما ورد في التقرير.
في رد على رسالة من هيومن رايتس ووتش في منتصف ديسمبر/كانون الأول للاستفسار عن استجابة الحكومة لتزايد الكراهية المعادية للمسلمين والمعادية للسامية، أشارت وزيرة الخارجية إلى الدراسة، وأقرّت بشكل مبهم إلى غياب الزاوية العرقية من فئة الجرائم المعادية للإسلام. غير أن الوزارة لم تقدم أي تفاصيل حول كيف تنوي مراجعة مقاربتها.
قالت هيومن رايتس ووتش إن أي محاولة تركيز على الكراهية والتمييز ضد المسلمين لا تأخذ العنصرية في الاعتبار أو تعترف بالطبيعة التقاطعية لهذه الاعتداءات لن تتمكن من رؤية الصورة كاملة أو توجيه الاستجابات الفعالة على مستوى السياسات.
في 2017، وفي إطار المسح الثاني المتعلق بالتمييز ضد المسلمين، الذي أجرته “وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية” في 15 دولة عضو في الاتحاد، ألمانيا ضمنا، قال شخص من كل 10 أشخاص أُجريت معهم مقابلات إنهم أبلغوا عن آخر حادث معادٍ للمسلمين تعرضوا له. أولئك الذين لم يبلغوا شعروا بأن “لن يحدث أو يتغير شيء عبر الإبلاغ”. 81% من أولئك الذين أبلغوا عن الحوادث شعروا بـ “عدم الرضا إلى حد ما من تعامل الشرطة مع القضية”.
العنف ضد المسلمين في ألمانيا، التي تضم أحد أكبر التجمعات السكانية المسلمة في أوروبا، ليس ظاهرة جديدة، ولم يأتِ من فراغ. في 2020، أودى اعتداء يميني متطرف عنصري في بلدة هاناو الألمانية بحياة تسعة أشخاص، معظمهم من خلفيات مسلمة: فرحات أنور، حمزة كرتوفيتش، سعيد نصار هاشمي، فيلي فيوريل باون، مرسيدس كييرباكش، كالويان فيلكوف، فاتح ساراتشوغلو، سادات غربز، وغوكهان غولتكين. وصف وزير الداخلية في حينها هورست زيهوفر الحادث بأنه “اعتداء عنصري لا لبس فيه”.
شددت “المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب” في توصيتها السياسية العامة رقم 5 “بشأن منع العنصرية والتمييز بحق المسلمين ومكافحتهما” على الحاجة إلى بنى مراقبة مستقلة، وجهود قوية لبناء قدرات من قبل السلطات لمكافحة العنصرية ضد المسلمين، وتعزيز التعرف على الحوادث المماثلة وتسجيلها.
الحكومة الألمانية ملزَمة بموجب “الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” بحماية السكان المسلمين. اللجنة المعنية بمراقبة التزام الدول بالاتفاقية ذكّرت ألمانيا، في مراجعتها لالتزامها لعام 2023، بواجبها بالتحقيق في جميع جرائم الكراهية العنصرية، ومقاضاتها، ومعاقبتها بشكل فعال.
قالت تيفيرا: “المسلمون في ألمانيا ليسوا كتلة دينية واحدة، بل مجموعة من إثنيات متنوعة تتعرض للكراهية والتمييز، اللذين لا يمكن اختزالهما بالانتماء الديني. على ألمانيا أن تستثمر في حماية المسلمين، وجميع الأقليات في ألمانيا، لأنه سيكون استثمارا في حماية المجتمع الألماني بأكمله”.