مركز الخليج: تأثير سياسات مكافحة الإرهاب على حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – في 15 يونيو/حزيران 2023، نظَّم مركز الخليج لحقوق الإنسان، ندوةً في نيويورك لبحث “تأثير سياسات مكافحة الإرهاب على حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
وقد تم تنظيم الندوة بالتعاون مع هيومن رايتس ووتش، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وتحالف المجتمع المدني لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب
تولى خالد إبراهيم، المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان، إدارة الندوة. واستهل حديثه بالقول، “إنَّ كون المرء مدافعاً عن حقوق الإنسان، أو صحفياً، أو حتى مواطناً يعبر عن آرائه أو يدعو إلى حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ قد أصبح أمراً محفوفاً بالمخاطر على نحو متزايد”.
وأضاف: “إنَّ الحكومات والسلطات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمتلك موارد وأدوات هائلة، بما في ذلك السلطة القضائية ذاتها، لترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل كامل وإثنائهم عما يقومون به من أعمال المناصرة وجهود حماية حقوق الإنسان”.
وتابع بقوله: “تستخدم الدول في جميع أنحاء المنطقة مكافحة الإرهاب ذريعةً لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان واستيراد معدَّات المراقبة والطائرات المُسيَّرة وغيرها من التقنيات المتطورة لمراقبة النشاط الحقوقي عبر الإنترنت”.
وأردف قائلاً: “كما تم استخدام سياسات وقوانين مكافحة الإرهاب التي أقرَّتها حكومات المنطقة على نطاق واسع بطرق تقوض سيادة القانون وتقيد الحقوق والحريات الأساسية”.
وأكد إبراهيم: “بدعوى حماية الأمن القومي ومحاربة الإرهاب، عمدت تلك الحكومات إلى استهداف المجتمع المدني بشكل مباشر. وقد تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان، بمن فيهم المدافعات، وكذلك الجماعات الدينية والصحفيون والمعارضون السياسيون وغيرهم، إلى صنوف من الإيذاء، كالاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب والأحكام القاضية بالسجن استناداً إلى اتهامات ملفقة”
واستطرد قائلاً: “كما فُرض عليهم حظر السفر، وحُرموا حقوقهم في حرية التعبير، وتعرَّضوا إلى أعمال انتقامية بسبب عملهم، بما في ذلك تعاملهم مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى”.
وتابع إبراهيم بالقول: “ليس ثمة شك في أن العديد من الحكومات في الغرب ما زالت تقدم دعماً غير مشروط إلى الحكومات القمعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
وأضاف: “هذا أحد الأسباب الرئيسية التي تبقي رفاقنا قابعين في السجون، بالإضافة إلى حقيقة أن الشركات في الديمقراطيات ما انفكت تزود الحكومات القمعية بتقنيات المراقبة التي تسهل ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وتعرض النشاط الحقوقي على الإنترنت إلى الخطر”.
تقول مجموعة إن إس أو إنها طوَّرت برنامج بيغاسوس التجسسي للحكومات ليتم استخدامها فقط في مجال مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون، غير أنَّ العديد من زملائي كانوا ضحايا لبرمجيات بيغاسوس المستخدمة في التجسس.
وذكر إبراهيم قضية عضو مجلس إدارة مركز الخليج لحقوق الإنسان أحمد منصور، الذي اعتُقل في 20 مارس/ آذار 2017، وتعرض إلى ضروب التعذيب، وصدر بحقه حكم بالسجن عشر سنوات، وما يزال في الحبس الانفرادي منذ اعتقاله.
لقد كان أحمد أول ضحية لبرنامج بيغاسوس التجسسي في عام 2015. “لقد دفع هو وعائلته وأصدقاؤه وزملاؤه ثمناً باهظاً لاستخدام تقنيات المراقبة ضده. وما زلنا نقاسي الألم”، قال لا.
لم يتم إجراء بحث وافٍ لتقييم الضرر النفسي الذي يلحق بالمواطنين والناشطين نتيجة تبني الحكومات سياسات مكافحة الإرهاب.
أضاف إبراهيم: “يواجه المرء إجراءات استثنائية في المطار، ويُرفض طلبه الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة إذا كان من مواطني دول معينة مثل، العراق، اليمن، ليبيا، إيران، أو سوريا، ولا يُسمح له بإرسال الأموال إلى عائلته، ويتم إقصاؤه عن العديد من فرص التمويل أو إجراء البحوث بصفته مدافعاً”.
وتابع إبراهيم بالقول: “ليست هناك أي تدابير تصحيحية محلية متاحة لنا، ولذا فإننا نعتمد بشكل أساسي على المناصرة الدولية. لقد رزحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت حكم الأنظمة الاستبادية أمداً طويلاً للغاية، حتى لقد غدى هذا سمة مميِّزةً لها”.
وقال أيضاً: “إننا نبذل قصارى جهدنا لتغيير ذلك من خلال ما نبذله من جهود المناصرة هنا وفي عواصم أخرى مثل جنيف وبروكسل”.
وانتهى إلى القول: “لقد تمكنا من إحراز نجاحات كثيرة على الرغم من الطبيعة القمعية للحكومات في المنطقة”.
وأضاف: “إنَّ التغيير السلمي مقبل، غير أنه سيستغرق زمناً طويلاً بالاعتماد على عملنا وما يقوم به آخرون من مثل تحالف منظمات المجتمع المدني”.
وذكر على سبيل المثال أن أعضاء التحالف سيشاركون بشكل معمَّق في المراجعة الثامنة للاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وتطوير المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن مكافحة استخدام التقنيات الجديدة والناشئة لأغراض إرهابية.
وتعتبر حماية حقوق الإنسان في هذه الوثائق مسألة بالغة الأهمية، حيث تستخدم الدول الأعضاء هذه الأدوات لدفع جهودها لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك تقديم الدعم إلى سواها من الدول الأعضاء.
قالت المتحدثة الأولى، الدكتورة هالة الدوسري، وهي مدافعة سعودية عن حقوق الإنسان وباحثة في مجال النوع الاجتماعي، إن ثمة أوجه تشابه في مختلف بلدان المنطقة من وجهة كيفية إنفاذ الأنظمة قوانين مكافحة الإرهاب.
يهدف قانون مكافحة الإرهاب في السعودية إلى منع انتفاضات مماثلة لتلك التي شهدتها دول أخرى في عام 2011.
اضافت الدكتورة الدوسري بقولها: “لقد تم وضع آليات جديدة لحماية سلطة الدولة، مثل رئاسة أمن الدولة التي لا تخضع في عملها إلى القانون”.
وتابعت: “إن لديهم من الوسائل ما يمكنهم من مراقبة أي شخص داخل الدولة أو خارجها، ويستهدفون الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير، وبخاصة على تويتر”.
وبينت الدكتورة الدوسري: “لقد كان أول شخص يصدر حكم بحقه بموجب قانون مكافحة الإرهاب محامي حقوق الإنسان المعروف وليد أبو الخير في عام 2014”.
وأشارت الدكتورة الدوسري إلى أن سلمى الشهاب اعتقلت وحكم عليها عام 2022 بالسجن سبعة وعشرين عاماً (خفضت من أربعة وثلاثين عاماً) لقيامها بتقديم الدعم عبر الإنترنت إلى ناشطات على تويتر.
كذلك، صدرت بحق نورة القحطاني حكماً قضى بسجنها لمدة خمسة وأربعين عاماً بسبب نشاطها الحقوقي على الإنترنت.
قال نيل هيكس من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “إن الحاجة إلى مكافحة الإرهاب قد أصبحت أولوية عالمية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر/ايلول، وقد كان هذا عاملاً رئيسياً في تفاقم أزمة حقوق الإنسان التي تعمُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الآن”.
وأضاف بالقول: “سيكون للإرهاب والجهود الدولية لمحاربته تأثير كبير على أوضاع حقوق الإنسان في كل مكان”.
وتابع: “لقد أشار إلى خمسة نـزاعات ضارة هي، اعتبار المدافعين عن حقوق الإنسان مساوين للإرهابيين، والنـزوع إلى أمننة وعسكرة الاستجابات في معرض مكافحة الإرهاب، والضعف الذي طرأ على الضغط الذي تمارسه الدول بعضها على بعض، وشيوع سنِّ التشريعات الاستثنائية لمكافحة الإرهاب، والتأثير السلبي الذي تمارسه الولايات المتحدة، التي قادت “الحرب على الإرهاب”.
تحدث جوشوا كولانجيلو-بريان، وهو محام ٍ عامل في مجال حقوق الإنسان بقوله: “إنَّ ثمة فيضاً من الإشكالات التي اعتورت طريقة إدارة الولايات المتحدة جهود مكافحة الإرهاب على مدى العقدين الماضيين”.
يشمل ذلك الانتهاكات المتعلقة بسجن خليج غوانتانامو والمواقع الأخرى الواقعة خارج حدود الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عمليات التصفية في الخارج.
إن هناك فئتان من السياسات كانت ذات تأثير ضار غير مباشر على المدافعين عن حقوق الإنسان.
وقال في هذا الصدد: “إنَّ الدول التي تمارس القمع تتذرَّع بما ترتكبه الولايات المتحدة من انتهاكات لحقوق الإنسان،” مثل تلك التي ارتكبت في غوانتانامو. وثانياً، فقد منعت العقوبات الأمريكية وتعليمات منح التأشيرات المدافعين عن حقوق الإنسان من دول مثل سوريا أو إيران من زيارة الولايات المتحدة للتعامل مع الأمم المتحدة ضمن جهودهم لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانهم.
روت سلافة مجدي، وهي صحفية مصرية ومدافعة عن حقوق الإنسان، تجربتها في السجن في ظروف غير إنسانية من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى أبريل/ نيسان 2021، بعد اتهامها “بدعم الإرهاب”.
ما زالت مجدي تواجه اتهامات ضدها. لقد تحدثت عن كيفية استخدام إجراءات مكافحة الإرهاب لانتهاك حقوق الإنسان في مصر من خلال حظر التطرُّق إلى شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية.
وأضافت بالقول إن ثمة آلافاً من المعتقلين السياسيين بينهم صحفيون ونساء، هم حبيسو ثمانين سجناً بمصر.
وقالت: “من خلال تركيز الحكومة على مكافحة الإرهاب، فإنها تتمكن من صرف الانتباه عن انعدام المساواة الاقتصادية والفساد والظلم الاجتماعي”.
قالت ليتا تايلر من منظمة هيومن رايتس ووتش إن ثمة نساء محتجزات في السجون بمصر من أفراد عائلات المشتبه في كونهم إرهابيين من أجل إجبارهم على الخروج من مخابئهم، أو من بين النساء والفتيات اللائي كُنَّ في حقيقة الأمر ضحايا للجماعات الإرهابية.
كما استخدم الرئيس التونسي “سلطات دنيئة لاعتقال منتقدين بارزين.” أشادت تايلر بجهود منظمات المجتمع المدني التي حضرت أسبوع الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، حيث حضر ممثلون من بعض الدول المذكورة أعلاه وقاموا بقيادة الجهود في الأمم المتحدة.
وأشارت إلى إخفاق الأمم المتحدة في محاسبة الدول الأعضاء وتمكين دول مثل مصر والإمارات العربية المتحدة من استضافة فعاليات بارزة، مثل قمة المناخ السابعة والعشرين والثامنة والعشرين.
ودعت الأمم المتحدة إلى “التوقف عن مكافأة المسلك السيئ” وإلى ربط التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة بما يتم إحرازه من تقدم في مجال حقوق الإنسان.
أعقبت المناقشة جلسة أسئلة وأجوبة اتسمت بالتفاعليه بين المتحدثين والجمهور. وقد حضر الندوة ممثلو العديد من الدول الأعضاء وممثلون عن آليات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني.