بعد عقد من احالة الوضع في ليبيا إلى “المحكمة الجنائية الدولية” مازالت العدالة غائبة
قالت “هيومن رايتس ووتش” إنه وبعد عقد من إحالة مجلس الأمن الدولي الوضع في ليبيا إلى ادعاء “المحكمة الجنائية الدولية”، ما زالت العدالة بعيدة المنال والإفلات من العقاب متفشيا.
منذ 2011، أدت النزاعات المسلحة المتعددة والاقتتال السياسي إلى تدمير الاقتصاد والخدمات العامة وتعطيل القضاء.
ارتكبت جماعات مسلحة عدة، مدعومة من قبل أطراف أجنبية، القتل، والإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي بحق مئات الآلاف.
قالت “حنان صلاح”، باحثة أولى في الشؤون الليبية في هيومن رايتس ووتش: “بعد عقد من الإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة، يبدو أن مسار العدالة الذي حرّكه مجلس الأمن بإحالة ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية قد جُمِّد تماما”.
وأضافت “صلاح”: “على أعضاء المجلس ضمان تمتع المحكمة بما يكفي من الوسائل والدعم السياسي للقيام بعملها الحيوي نيابة عن ضحايا الانتهاكات الجسيمة في ليبيا”.
في 26 فبراير/شباط 2011، بعد أيام من اندلاع الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي، تبنى مجلس الأمن بالإجماع القرار 1970، الذي يمنح المحكمة تفويضا في الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق خمسة أشخاص خلال تفويضها الممتد لعقد من الزمن.
تواجه المحكمة تحديات كبيرة في تنفيذ ولايتها في ليبيا. قالت هيومن رايتس ووتش إن المحكمة، بدون قوة شرطة، تعتمد في سعيها إلى توقيف المشتبه بهم على تعاون حكومات الدول التي يتواجد فيها هؤلاء الأشخاص. أضافت هيومن رايتس ووتش أن هذا التعاون غير كاف.
المشتبه بهم الثلاثة المتورطون في القضايا التي يعمل عليها حاليا مكتب الادعاء ما زالوا طلقاء. من بين هؤلاء سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، لدوره المزعوم في الهجمات على المدنيين خلال انتفاضة 2011 في البلاد، ومحمود الورفلي، قائد وحدة قوات خاصة تابعة للجماعة المسلحة المعروفة بـ “القوات المسلحة العربية الليبية”.
الورفلي مطلوب لقتله 33 شخصا في سبع حوادث بين 2016 و2017 وحادثة أخرى في 2018 عندما أطلق النار على عشرة أشخاص، بحسب الزعم.
المتهم الثالث هو الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي في عهد معمر القذافي التهامي محمد خالد. قالت المدعية العامة للمحكمة إن تأمين هذه الاعتقالات لا يزال يمثل أحد أكبر تحديات مكتبها.
تعتمد المحكمة أيضا على التعاون الحكومي لمواصلة تحقيقاتها، بما يشمل تسهيل جمع الأدلة وحفظها.
يسود ليبيا انقسام شديد، حيث تتنافس سلطتان على السيطرة: “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دوليا في طرابلس في الغرب، و”الحكومة المؤقتة” المنافسة في الشرق، التابعة لـ القوات المسلحة العربية الليبية التي يقودها خليفة حفتر.
تلقت هذه القوات دعما عسكريا كبيرا من الإمارات، والأردن، ومصر، وروسيا. تركيا هي الداعم العسكري الرئيسي لحكومة الوفاق. وفقا للأمم المتحدة، دعم 20 ألف مقاتل أجنبي من سوريا وأماكن أخرى هذين الكيانين.
في فبراير/شباط 2021، توسطت الأمم المتحدة في تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة بين المشاركين في “ملتقى الحوار السياسي الليبي”.
تفاوضت هذه المجموعة المكونة من 75 شخصا على إطار للحكم وخارطة طريق للانتخابات العامة، وفي 5 فبراير/شباط انتخبت مجلسا رئاسيا من ثلاثة أعضاء برئاسة محمد المنيفي، وعبد الحميد الدبيبة رئيسا للوزراء. أمام الدبيبة حتى 26 فبراير/شباط لتقديم حكومته للمصادقة عليها من قبل البرلمان.
على مدى العقد الماضي، لم تحقق السلطات الليبية مع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة ولم تقاضيهم، أو لم تستطع ذلك.
المحاكم المحلية، التي أعاقتها الانقسامات السياسية والنزاع المسلح، بالكاد تعمل، وتتسم بانتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة، بما فيها الاعترافات القسرية، وسوء المعاملة، وعدم القدرة على الاتصال بمحامين. المحامون، والقضاة، والمدعون العامون هم أهداف للميليشيات ويواجهون خطر الانتقام بسبب عملهم.
تستمر الانتهاكات الحقوقية المنهجية على نطاق واسع منذ 2011، بما فيها التهجير القسري لعشرات آلاف المدنيين، والاحتجاز التعسفي المطوّل، وآلاف الاغتيالات السياسية.
خلال النزاع المسلح الأخير، بين أبريل/نيسان 2019 ويونيو/حزيران 2020، كانت الجماعات من جميع الأطراف مسؤولة عن ضربات غير قانونية بالطائرات الحربية والمسيّرة، والقصف العشوائي، والتعذيب، والإعدامات غير القانونية.
وكانت الجماعات مسؤولة أيضاً عن التمثيل بالجثث، وتدمير المباني المدنية، واستخدام القنابل العنقودية والألغام الأرضية المضادة للأفراد والشراك الخداعية المحظورة.
ما يزال المئات من سكان بلدة ترهونة في عداد المفقودين بعد أن اختطفتهم ميليشيا محلية وأخفتهم قسرا.
أدرجت لجنة العقوبات الخاصة بليبيا، التي فوضها مجلس الأمن الدولي، ثمانية أشخاص فقط للعقوبات الفردية المستهدِفة – اثنان من قادة الميليشيات وستة متورطين في الاتجار بالبشر.
أنشأ “مجلس حقوق الإنسان” الأممي في 22 يونيو/حزيران 2020 هيئة لتقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قبل جميع أطراف النزاع الليبي منذ بداية 2016. بسبب قيود التمويل المرتبطة بأزمة فيروس كورونا، لم تبدأ البعثة بعد.
أفادت مدعية المحكمة في نوفمبر/تشرين الثاني أن مكتبها قاد بعثتين إلى ليبيا في 2020، ما مكّنه من جمع أدلة مهمة، لكنها لم تذكر تفاصيل بشأن التحقيقات الجارية.
انتخبت الدول الأعضاء في المحكمة في 12 فبراير/شباط المحامي البريطاني كريم خان مدعيا عاما جديدا للمحكمة. في 2017، عُيِّن خان وكيلا عن سيف الإسلام القذافي ومثّله حتى 2018 في سياق الطعن في مقبولية قضية القذافي في المحكمة.
بصفته المدعي العام، سيشرف خان على التحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم الخطيرة في محكمة ترزح تحت عبء القضايا الحالية التي تعمل عليها، لأسباب منها نقص الموارد.
أمام المحكمة 13 حالة قيد التحقيق بالإضافة إلى تسع تحقيقات أولية. ستبدأ ولاية خان في يونيو/حزيران 2021.
في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة لإحباط تحقيقات المحكمة في أفغانستان وفلسطين، فرضت الحكومة الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2020، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، عقوبات على المدعية العامة ومسؤول كبير آخر في المحكمة.
دعت هيومن رايتس ووتش الرئيس جو بايدن إلى إلغاء العقوبات على المحكمة والعمل بشكل بناء معها.
قالت صلاح: “نقص الجهود لضمان المساءلة عن الجرائم الخطيرة الماضية والحالية في ليبيا لم يؤدِّ إلا إلى تشجيع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.
تشتد الحاجة أكثر من أي وقت مضى لتكون المحكمة الجنائية الدولية فعالة ومدعومة بقوة من قبل المجتمع الدولي، لتوجيه رسالة بأنه لن يتم التسامح مع الإفلات من العقاب على الفظائع الجماعية”.
اقرأ أيضاً: ليبيا: الطريق إلى السلام لا يمكن أن يتجاوز العدالة