بريطانيا: “الجنائية الدولية” تغلق تدقيقها في انتهاكات ضد عراقيين
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن قرار المدعية العامة في “المحكمة الجنائية الدولية” بإغلاق الدراسة الأولية في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها القوات البريطانية في العراق من المرجح أن يعزز ما يُعتبر كيلا بمكيالين في العدالة الدولية.
في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا أنه بعد دراسة أولية استمرت ست سنوات، لن يجري مكتبها تحقيقا رسميا في جرائم الحرب المزعومة من قبل مواطنين بريطانيين في سياق النزاع العراقي والاحتلال بين 2003 و2008.
رغم ذلك، أكد مكتب المدعية أن ثمة أدلة واضحة على أن القوات البريطانية كانت مسؤولة عن عديد من جرائم الحرب في العراق، منها القتل أو القتل العمد، والتعذيب، والانتهاكات الخطيرة ضد المعتقلين، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي.
قال كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول في هيومن رايتس ووتش: “مرة تلو الأخرى، أبدت الحكومة البريطانية اهتماما ضئيلا بالتحقيق والملاحقة القضائية بشأن الفظائع التي ارتكبتها قواتها في الخارج.
قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إغلاق تحقيقها بشأن بريطانيا سيغذي بلا شك ما يعتبر ازدواجية معايير قبيحة في العدالة، باستخدام نهج للدول القوية وآخر لتلك الأقل نفوذا”.
في تقرير من 200 صفحة تقريبا، قال مكتب بنسودا إنه لن يفتح تحقيقا كاملا لأنه لا يستطيع أن يستنتج أن السلطات البريطانية لم تكن مستعدة حقا لإجراء تحقيقات و/أو محاكمات ذات صلة.
في الوقت نفسه، عرضت بالتفصيل بعض المجالات المثيرة للقلق المتعلقة بنهج المملكة المتحدة في معالجة مزاعم الجرائم الخطيرة. قالت بنسودا إن مكتبها سيظل منفتحا تجاه إعادة النظر في القرار بناء على حقائق أو أدلة جديدة.
أكدت المدعية العامة النتيجة السابقة القائلة إن هناك أساسا معقولا للاعتقاد بأن القوات المسلحة البريطانية ارتكبت جرائم حرب ضد المعتقلين في العراق.
رغم أن العراق ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المحكمة لها اختصاص النظر في الجرائم الخطيرة المزعومة من قبل مواطني الدول الأعضاء – في هذه الحالة، مواطني المملكة المتحدة.
المحكمة الجنائية الدولية هي من محاكم الملاذ الأخير. بموجب مبدأ “التكامل”، لا تُقبل القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا لم تقم السلطات الوطنية بإجراءات محلية حقيقية.
إذا كان لدى الدول مصلحة في تجنب تدخل المحكمة الجنائية الدولية، فيمكنها تطبيق إجراءات وطنية. في مايو/أيار 2014، أعلن مكتب المدعية العامة في المحكمة الجنائية أنه يعيد فتح دراسة أولية أغلقت العام 2006، في جرائم الحرب البريطانية المزعومة في العراق.
بين مارس/آذار 2003 ومايو/أيار 2009، شاركت القوات البريطانية في غزو العراق، واحتلاله، وحكمه. خلال هذه السنوات الست وبعدها، ظهرت معلومات تشير إلى انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق بحق العراقيين المحتجزين من قبل القوات البريطانية، شملت الاعتداءات، والتعذيب، والوفيات.
عديد من الانتهاكات، التي ترقى إلى حد التعذيب أو جرائم حرب أخرى، كانت نتيجة ممارسات منهجية واسعة.
منذ 2004، وبعد مغادرة القوات البريطانية العراق، سعى العراقيون الذين زعموا أن القوات البريطانية قتلت أحباءهم أو احتجزتهم أو مارست انتهاكات ضدهم أو ضد أقاربهم إلى سبل إنصاف قانونية مختلفة في بريطانيا.
تحت الضغط، وافقت حكومات بريطانية على عديد من التحقيقات العامة التي وجدت أدلة على الانتهاكات الجسيمة والمتكررة بحق المعتقلين في العراق، بما فيه الضرب حتى الموت بحق بهاء موسى، وهو موظف استقبال في فندق، العام 2003.
وجد أحد التحقيقات أن مزاعم قتل السجناء غير صحيحة، لكنه وجد انتهاكات منهجية بحق المحتجزين. وجدت محكمة بريطانية، بعد سماع الأدلة في المطالبات في قضايا ذات تأثير عام، أن عراقيين تعرضوا لانتهاكات منهجية لدى احتجازهم من قبل القوات البريطانية.
دفعت وزارة الدفاع ملايين الباوندات لمئات العراقيين الآخرين الذين قالوا إنهم تعرضوا للانتهاكات.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم النتائج المتكررة التي توصلت إليها المحاكم البريطانية، والتحقيقات، والاستقصاءات الأخرى بأن بعض الجنود البريطانيين أساؤوا معاملة عراقيين أثناء احتجازهم أثناء حرب العراق، لم تكن هناك أي مساءلة جنائية محلية.
في 2017، تدخلت حكومة بريطانيا في تحقيق جنائي محلي في بداياته وأغلقته )”فريق الادعاءات التاريخية العراقية”(، بعد ضغوط من بعض وسائل الإعلام وأعضاء البرلمان.
لم تسفر إجراءات الفريق عن أي محاكمات فعلية مع إغلاقه، مع نقل بعض القضايا إلى هيئة أخرى لمزيد من التحقيق.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أفاد تحقيق مشترك لبرنامج “بي بي سي بانوراما” التلفزيوني وصحيفة “صنداي تايمز” أن الحكومة والجيش البريطانيَّين أخفيا مرارا أدلة على جرائم حرب في العراق وأفغانستان.
أفاد التحقيق أن المحققين المشاركين في فريق الادعاءات التاريخية العراقية لديهم مخاوف جدية من أن النيابة العسكرية رفضت توجيه اتهامات رغم الأدلة الموثوقة على الجرائم. نفت وزارة الدفاع هذه المزاعم.
تلقى جندي بريطاني واحد فقط حكما بالسَّجن لمدة عام واحد لارتكابه جرائم حرب في العراق. قالت هيومن رايتس ووتش إنه لم تكن هناك مساءلة جنائية لشخصيات عسكرية وسياسية بريطانية كبيرة أمرت بارتكاب الانتهاكات أو غضّت الطرف أو منعت الملاحقات القضائية، رغم أنه يمكن تحميلها المسؤولية الجنائية، ومنها المسؤولية بموجب مبدأ مسؤولية القيادة.
في السنوات الأخيرة، بعد اكتشاف رسمي لسوء السلوك وشطب محام من النقابة يمثل المدعين العراقيين، هاجمت الحكومات البريطانية مرارا المحامين أجمعين بسبب رفع دعاوى ضدها تتعلق بالانتهاكات في العراق.
ضغطت الحكومة البريطانية على منظم المحامين لتوجيه تهم سوء السلوك المهني ضد ثلاثة محامين من شركة منفصلة رائدة في مجال حقوق الإنسان رفعت عديدا من الدعاوى المدنية بالنيابة عن عراقيين.
برأتهم محكمة من جميع التهم. أعلنت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في خطاب علني أنها لن تسمح لـ “محامي حقوق الإنسان الناشطين اليساريين” بـ “مضايقة أشجع الشجعان”، وقال وزير دفاعها: “لسنا بحاجة إلى مكاتب محاماة بريطانية تتصيد الزبائن”.
جاء قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بإنهاء تحقيقها بعد تحركات من الحكومة البريطانية للحصول على موافقة البرلمان على “مشروع قانون العمليات الخارجية” الذي سيمنع تقريبا محاكمة الجنود البريطانيين بسبب التعذيب وجرائم الحرب الأخرى المرتكبة في الخارج.
سيخلق القانون “افتراضا ضد المقاضاة” بعد خمس سنوات، كما سيزيد من سلطة النائب العام، وهو عضو في الحكومة، لحماية الجنود من الملاحقة القضائية.
في قرارها، أشارت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن اعتماد مثل هذا القانون “لا يزال محتملا” وأن مكتبها لن يكون قادرا على تحديد تأثيره على قدرة المملكة المتحدة على معالجة القضايا الجارية أو الادعاءات الأخرى إلا بعد تطبيقه.
رغم تنامي مهام المحكمة الجنائية الدولية، أصرّت المملكة المتحدة على تقييد الزيادات في ميزانية المحكمة إلى الحد الأدنى.
كما دعت إلى تحديد جداول زمنية لاستكمال التحقيقات الأولية للمدعية العام. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا أدى إلى ظهور بريطانيا وكأنها تسعى للضغط بشكل غير مباشر على مكتب المدعي العام لإنهاء الدراسة الأولية بشأن بريطانيا.
قال بالدوين: “بعد قراءة هذا التقرير، لا يمكن لأي أحد التشكيك في مسؤولية القوات البريطانية عن جرائم حرب عدة في العراق.
مع ذلك، يبدو أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أحسنت الظن بالسلطات البريطانية، رغم أن الأخيرة لم تقاضي أي شخص منذ أكثر من عقد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وتدخلت بشكل سافر في العدالة من خلال إغلاق التحقيق الجنائي”.
اقرأ أيضاً: العقوبات الأمريكية على الجنائية الدولية تهدف لنسف أمل العدالة