بريطانيا: التعديلات الوشيكة على نظام اللجوء تراجع تاريخي وتخلٍ قانوني عن اللاجئين

أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء التعديلات الخطيرة التي تخطط الحكومة البريطانية لإدخالها على نظام اللجوء في البلاد، في إطار مشروع قانون “أمن الحدود واللجوء والهجرة” لعام 2025، بالتزامن مع ورقة السياسة الحكومية الجديدة التي أعلنتها وزيرة الداخلية يوم الإثنين الماضي.

وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الحزمة التشريعية والسياسية تؤدي مجتمعة إلى تقويض نظام الحماية الدولية، وفرض عقوبات على طريقة الوصول، وإلغاء المسارات الواضحة للحصول على الإقامة الدائمة، وتقييد وضع اللاجئ وسحب الدعم الاجتماعي، في مخالفة صارخة لالتزامات المملكة المتحدة بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول 1967، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ مشروع قانون “أمن الحدود واللجوء والهجرة”، الذي قدّمته الحكومة في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، ويواصل مساره التشريعي في البرلمان، بالتزامن مع السياسة الحكومية الجديدة المعلنة في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يقوّضان النظام القائم الذي كان يمنح من يُعترف بهم كلاجئين فترة إقامة أولية مدتها خمس سنوات تنتهي عادة بالحصول على الإقامة الدائمة، ويستبدلانه بنظام حماية مؤقتة تُمنَح لمدة 30 شهرًا فقط قابلة للتجديد المشروط، ولا يُسمح للاجئ – حتى في حال تجديد إقامته المتكرر – بالتقدّم للإقامة الدائمة إلا بعد 20 عامًا من الإقامة القانونية المتواصلة.

وتدل هذه التعديلات بوضوح على استهداف حق اللاجئين في الاستقرار وإعادة بناء حياتهم، وحرمانهم عمليًا من الاندماج في مجتمعهم الجديد، بما يخالف مفهوم “الحلول الدائمة” الذي تقوم عليه منظومة الحماية الدولية.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ خطة الحكومة البريطانية تمسّ أيضًا الحقوق الأساسية لطالبي اللجوء في الحصول على مستوى معيشي لائق، إذ تقترح الحكومة إلغاء الالتزام القانوني بتقديم السكن والمساعدات المالية (البدلات) لهم، وتحويله من واجب قانوني محمي إلى سلطة تقديرية بيد وزارة الداخلية، بما يعني أنّ حقوقًا أساسية كالحق في المأوى والغذاء ستصبح عرضة للتقلبات السياسية والقرارات الإدارية التعسفية، مما يعرض الآلاف من طالبي اللجوء وعائلاتهم لخطر التشرد والفقر والعوز.

وأكّد أن هذا التراجع المتعمّد عن ضمان السكن والمستوى المعيشي اللائق يتعارض مع التزامات المملكة المتحدة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومع التفسير المستقر للحق في السكن الملائم، كما يهدد بأن يضع طالبي اللجوء في ظروف قد ترقى إلى المعاملة المهينة المحظورة بموجب المادة (3) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وبيّن أن شروط سحب الدعم المقترحة هي في جوهرها إجراءات عقابية تهدف إلى ليّ ذراع طالبي اللجوء بدلاً من دعمهم، إذ يمنح المشروع والسياسة المصاحبة له وزارة الداخلية سلطة سحب الدعم عن طالبي اللجوء الذين “لا يلتزمون بالتوجيهات” أو “يرفضون التعاون” أو “يخالفون القانون” أو لا يقيمون في المراكز المحددة، مؤكدًا أن هذه الشروط فضفاضة ويمكن استخدامها بسهولة لحرمان طالبي اللجوء من الدعم المادي بشكل تعسفي، وإجبارهم على الإقامة في ظروف معيشية غير إنسانية، والضغط عليهم للقبول بالعودة “طوعًا” إلى بلدان قد تبقى غير آمنة، ما يجعل هذه السياسات وسيلة ضغط غير مشروعة تمسّ جوهر الحماية الدولية.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن التوجّه الحكومي لا يقتصر على تقليص الدعم، بل يشمل أيضًا مقترحات تمكين السلطات من مصادرة ممتلكات وأصول ذات قيمة لبعض طالبي اللجوء – مثل المجوهرات وغيرها من المقتنيات القيّمة – للمساهمة في تغطية تكاليف الإقامة، في خطوة تمييزية تُعامل اللاجئين كعبء مالي يجب استخلاص تكلفته منهم بدل الاعتراف بهم كضحايا اضطهاد ونزاعات.

ونبّه الأورومتوسطي إلى أنّ مشروع القانون والسياسة المصاحبة له يركّزان على نحو خاص على تسهيل وتسريع عمليات ترحيل طالبي اللجوء من البلاد، وينطويان في الوقت ذاته على اعتداء غير مسبوق على استقلالية القضاء، إذ تسعى الحكومة إلى سن توجيهات وتعديلات تشريعية تُقيِّد سلطة القضاة في موازنة الحقوق المكفولة بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة (8) المتعلقة بالحق في الحياة الخاصة والعائلية، لصالح ما تسميه “الصالح العام” و”السلامة العامة”، بما يُخشى أن يحوّل القضاء إلى أداة لتكريس سياسة حكومية مسبقة بدل أن يكون ضمانة للحقوق والحريات.

وأشار إلى أنّه بالنظر إلى النوايا المُعلنة من مشروع القانون وخطة “استعادة النظام والسيطرة”، فإنّ تخطيط الحكومة لإجراءات مثل زيادة عدد محققي اللجوء، وإنشاء “وحدات تسريع الترحيل”، لا يهدف إلى تسريع معالجة طلبات اللجوء المتراكمة على نحو يضمن الجودة والإنصاف، بقدر ما يستهدف التضحية بجودة ونزاهة العملية برمتها، ما يهدد بإصدار قرارات متسرّعة وضعيفة الأساس القانوني، مضيفًا أنّ تبني إجراءات تهدف إلى تقييد الطعون القانونية بجعلها مسار طعن واحد يُلزَم طالب اللجوء بتجميع كل دفوعه فيه، يعطي الأولوية للسرعة الإدارية على حساب الحق في محاكمة عادلة وفعّالة، ويقلّص إلى حد كبير فرص تصحيح الأخطاء الإدارية والقضائية الجسيمة.

وبيّن الأورومتوسطي أنّ الطعون القضائية تشكّل في الغالب الضمانة الأخيرة أمام طالبي اللجوء لحماية أنفسهم وأسرهم من قرارات الترحيل التي قد تعرّضهم لخطر الاضطهاد أو المعاملة اللاإنسانية، وأنّ تقليص إمكان اللجوء إلى هذه الطعون أو حصرها في مسار واحد يفضي عمليًا إلى إغلاق باب الانتصاف القضائي الفعّال، ويزيد احتمالات صدور قرارات ترحيل خاطئة، ويهدّد بتفكيك الأسر، ويقوّض مبدأ سيادة القانون من خلال تسييس عملية البتّ في ملفات طالبي اللجوء.

وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أن تحويل الحماية إلى وضع مؤقت قابل للسحب، مقرونًا بتسريع الترحيل وتقليص فرص الطعن، يهدد عمليًا مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظر على الدول إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، وهو مبدأ راسخ في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والقانون الدولي العرفي، وفي المادة (3) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ جوهر خطة الحكومة البريطانية ينطوي على تناقض صارخ؛ فمشروع القانون والسياسة المرافقة له يفرضان إجراءات صارمة ويخلقان بيئة طاردة للأفراد بسبب وصولهم من خلال “مسارات غير نظامية” كالقوارب الصغيرة في القناة الإنجليزية، وفي الوقت ذاته تبقى التعهدات الحكومية بفتح مسارات جديدة آمنة وشرعية محدودة للغاية وغير كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من أولئك الذين هم بأمسّ الحاجة للحصول على الحماية الدولية.

وأكّد أنّ فتح بعض المسارات الشرعية للجوء بموجب هذه الخطة لا يعدو كونه واجهة دعائية لحجب الإجراءات التعسفية التي يتضمنها مشروع القانون والبيان الحكومي، والتي تجعل من شبه المستحيل عمليًا على الغالبية العظمى من طالبي الحماية الوصول إلى بريطانيا بطريقة قانونية، ما يدفعهم إلى سلوك مسارات خطيرة وغير آمنة، والاعتماد على تجّار البشر للوصول إلى المملكة المتحدة.

قد يعجبك ايضا