انتهاكات حقوقية مهملة في ظل استضافة السعودية مجموعة العشرين
مع بقاء أيام قليلة فقط لقمة قادة “مجموعة العشرين” لهذا العام، حثت إمباكت الدولية المشاركين إدانة الانتهاكات الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في المملكة.
وتولت المملكة العربية السعودية رئاسة “مجموعة العشرين” في ديسمبر الماضي، تمهيدًا لقمة القادة التي ستعقد في الرياض هذا الشهر.
وقالت المملكة إنها ستركز على مهمة “اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع”، بما في ذلك ثلاثة أهداف محددة:
- تمكين الأفراد من خلال تهيئة الظروف بحيث يتمكن الجميع، وخاصةً النساء والشباب، من التطور لأقصى حد ممكن.
- حماية الكوكب من خلال تشجيع الجهود الجماعية لحماية البيئة.
- تشكيل آفاق جديدة من خلال اعتماد استراتيجيات تضمن استفادة الجميع من الابتكار والتقدم التكنولوجي بشكلٍ متساوٍ.
مع ذلك، فإنه من التناقض أن يتم السماح لحكومة باستضافة اجتماع يُعنى بالعدالة الاقتصادية في الوقت الذي ترفض فيه حماية العمال المهاجرين داخلها، وتشتري أسلحة بشكل مفرط، وتشن حربًا غير عادلةٍ بالوكالة في اليمن، وتسمح للشركات السعودية بانتهاك للمعايير الأخلاقية في عملياتها.
ولأن السعودية تحظى باستضافتها للقمة باعترافٍ دولي، الأمر الذي يصرف أنظار العالم عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، من المهم أن يعي قادة القمة أن الأجدى هو محاسبة مرتكبي الانتهاكات بدلًا من مكافأتهم.
يأتي ذلك في سياق كون المملكة العربية السعودية لم تفعل الكثير لتعزيز الاستقرار الاقتصادي العالمي؛ في الوقت الذي تساهم فيه في الصراعات وانعدام الأمن. من الأمثلة على ذلك هو تدميرها لليمن في سياق سعيها لتحقيق السيادة على منافستها الإقليمية إيران.
على قضية نمو تجارة الأسلحة في المملكة العربية السعودية أن تكون موضوعًا ذا أولوية للنقاش في “مجموعة العشرين”، كون السعودية تعد أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث اشترت أسلحة بقيمة 110 مليار دولار من الولايات المتحدة وحدها في عام 2017، كما أعلنت حكومتها أنها تخطط لشراء أسلحة بقيمة 350 مليار دولار إضافية على مدى السنوات العشر المقبلة.
وبين عامي 2015 إلى 2019، اشترت الرياض 12% من واردات الأسلحة العالمية –وهي زيادة تقدر بـ 130%. هذا الإنفاق الهائل على الأسلحة مكّن السعودية من شن حرب في اليمن لمدة خمس سنوات، الأمر الذي ساهم في قتل ما يقرب من ربع مليون شخص بسبب العنف، أو نقص الغذاء، والرعاية الصحية، أو سوء البنية التحتية، حيث كان 60% من الضحايا من الأطفال دون سن الخامسة.
ولا شك أن التحالف الذي تقوده السعودية ويمول ويدير هذه الحرب قد انتهك العديد من قوانين حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، من خلال شن الغارات الجوية العشوائية التي تسببت في نزوح عشرات الآلاف من السكان.
نتيجة لذلك، يبقى اليمن اليوم في مرحلة “مجاعة أو كارثة إنسانية” بحسب تصنيف المراحل المتكامل للأمن الغذائي.
ورغم أن الأمم المتحدة اعتبرت النزاع المسلح في اليمن أكبر كارثة إنسانية في العالم، يبقى هناك نقص شبه تام في المساءلة.
ومن المقرر أن يتحدث ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” للمشاركين حول آلية تحقيق الازدهار الاقتصادي العالمي، في الوقت الذي تُعرّض تصرفات حكومته 14 مليون شخصًا للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي لليمن بنسبة 28% في عام 2015 وتقلص مرةً أخرى بنسبة 5.9% في عام 2017.
ويتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه إذا ما استمر الصراع في اليمن حتى عام 2022، فإن الناتج الاقتصادي له سينخفض بمقدار 181 مليار دولار، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 657 مليار دولار.
يُعرّض العمال المهاجرون حياتهم للخطر ويتحملون مصاعب وحشية، وغالبًا ما يجدون أنفسهم محاصرين بعد أن تجتذبهم الوعود الكاذبة بأجورٍ وظروفٍ أفضل.
تعتبر المملكة العربية السعودية موطنًا لأكبر عدد من العمال المهاجرين بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، حيث يبلغ عدد العمال المهاجرين فيها نحو 10 مليون.
هذا النقص في الحماية للعمال المهاجرين يعد سببًا آخر لعدم أحقية المملكة العربية السعودية باستضافة مؤتمرات القمة الدولية.
على سبيل المثال، كثيرًا ما يُعاقب العمال الوافدون في السعودية بأجور متدنية أو بعدم صرف أجورهم، بالإضافة إلى ظروف العمل الخطرة، والتحرش، والانتهاكات الجنسية، والعمل القسري الذي يواجهونه.
وحتى وقتٍ قريب، كان هؤلاء العمال محكومين تمامًا بنظام الكفالة الذي يربط حقوق العمال في البقاء في البلاد برب العمل.
مع ذلك، في خطوة إيجابية اتخذتها المملكة هذا العام، جرى تعديل بعض النقاط التمييزية في نظام الكفالة، فعلى سبيل المثال، أصبح من حق العمال الأجانب تغيير كفيلهم بالانتقال من صاحب عمل إلى آخر، كما يُسمح الآن للعمال المهاجرين أيضًا بالحصول على تأشيرة خروج دون موافقة صاحب العمل، مما يسمح لهم بمغادرة البلاد ودخولها حسب رغبتهم.
لكن هذه الإجراءات تبقى بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية، فيما تلتزم مناقشات “مجموعة العشرين” الصمت بشأن دور اللجنة الدولية.
لجذب الاستثمارات والتجارة الأجنبية، استثمر “محمد بن سلمان” الملايين في الفعاليات الثقافية والرياضية المرتبطة برؤية حكومته لعام 2030، وهي استراتيجية مصممة جزئيًا لتقليل الاعتماد الاقتصادي للبلاد على النفط.
من بين تلك الإجراءات تخفيف طفيف للقيود الاجتماعية. مع ذلك، ما تزال العديد من التناقضات قائمة، بل وقد تفاقمت في بعض الأحيان.
على سبيل المثال، نجحت النساء اللاتي احتججن على حظر قيادة النساء في السعودية، لكن عددًا كبيرًا منهم ما يزلن يقبعن في السجون ويواجهون أحكامًا مشددة.
لذلك، فمن الواضح، أن دافع السلطات يبقى مدفوعًا برغبتها التي لا تتعدى إصلاح صورة المملكة المعروفة بأنها محافظة ومتشددة.
وتتمحور رؤية 2030 حول ثلاث ركائز: مجتمع نابض بالحياة، واقتصاد مزدهر، وأمة طموحة. ومع ذلك، لا تعكس أي من هذه الركائز الثلاث الواقع الاقتصادي الحالي في المملكة العربية السعودية.
تماشياً مع هذه الرؤية، تم إنشاء الهيئة العامة للترفيه في عام 2016، مع خطط لاستثمار 64 مليار دولار في مجالات الترفيه، والرياضة، والفن، والموسيقى، والأفلام.
حيث حضر ممثلون مثل ماريا كاري، و كورتيس جيمس المعروف بـ “50 سنت”، وجنيفر لوبيز، بينما تحدث اعتقالاتٍ تعسفية جماعية، والحرب في اليمن، وأحكام الإعدام، وإساءة معاملة العمال المهاجرين يوميًا.
تستخدم العديد من الشركات، مثل شركات الترفيه، الرؤية الجديدة لتغذية نموها الهائل. فيتم غسل صورة المملكة بسهولة من قبل المشاهير، وكبار الشخصيات الزائرة، مثل أولئك الذين يحضرون قمة “مجموعة العشرين”.
ينتهك هذا التغيير لصورة الدولة المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والتي تدعو الشركات إلى بذل العناية الواجبة لتحديد المخاطر التي تشكلها أنشطتها على حقوق الإنسان والتخفيف منها.
ومن الأمثلة على غسيل السمعة شركة “مشاريع الترفيه السعودية” (SEVEN)، التي تنص على أنها تهدف “لتحسين نوعية الحياة للمواطنين وزوار المملكة، ونشر الفرح ودفع التقدم في جميع أنحاء البلاد”.
مثال آخر على تغيير الصورة الواقعية للملكة هو رعاية الأحداث الرياضية الدولية. يشمل ذلك كأس السوبر الإيطالي، وبطولة الفورمولا إي، وبطولة السعودية الدولية للجولف، وسباق سيارات الفورمولا 1 التي ستبدأ في عام 2023.
وحفز النظام السعودي الشركات في جميع أنحاء العالم لبناء صورة إصلاحية للسلطات الحاكمة قبل انعقاد قمة مجموعة العشرين.
ومن الأمثلة على ذلك الصحيفة الفرنسية الشهيرة “لو فيجارو” المملوكة لشركة “داسو افييشن” صانعة الطائرات العسكرية، مثل مقاتلة رافال النفاثة المستخدمة في الضربات الجوية في اليمن، حيث عززت الصحيفة بشكلٍ بارز إصلاحات بن سلمان، مع التركيز على زيادة عدد النساء السعوديات اللائي لا يرتدين الحجاب في الأماكن العامة.
تعد قمة “مجموعة العشرين” منصة رفيعة المستوى وتهدف لتعزيز التنظيم والاستقرار الاقتصادي العالمي، لهذا، من المهم أن يتم عقدها فقط في البلدان التي تدعم حكوماتها سياسات حقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية التعبير، والحق في تقاضي الأجر، وتوفير ظروف العمل المحترمة للعمال المهاجرين.
لكن الواقع الحالي هو أن الشركات التي تشارك في المنتدى أو تروج له تعمل بفعالية للتغطية على السجل الكارثي من انتهاكات حقوق الإنسان للمملكة العربية السعودية.
ولأن رؤية بن سلمان للمستقبل تشوبها انتهاكات حقوقية كامنة وسياسات قمعية، من واجب القادة والشركات الدولية الكشف عن تلك الانتهاكات والمساهمة في معالجتها، لا تشجيعها ودعم مرتكبيها.
اقرأ أيضاً: مجموعة العشرين تطالب بمحاسبة السعودية على الانتهاكات