انتقادات حقوقية إلى القانون اللبناني المتعلق بحماية البيانات
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن القانون اللبناني المتعلق بحماية البيانات فشل منذ إقراره في حماية حقوق المواطنين في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، في ظل تركز الصلاحيات في يد السلطة التنفيذية وعدم إيلاء السلطات التشريعية اللبنانية اهتمامًا تجاهها.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن الإطار القانوني اللبناني المنظم للإنترنت والاتصالات يبقى هشًّا إلى حد كبير، في الوقت الذي تبقى فيه أحكامه قاصرة وقديمة وغير مطبقة بشكل صحيح، وتتركز مسؤولياتها في يد جهة حكومية واحدة دون رقابة أو مساءلة.
وتعد وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية الجهة المسؤولة عن التعامل مع معالجة طلبات البيانات. مع ذلك، فإن هذا لا يعني أن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تقوم بتقديم الطلبات لوزارة الاقتصاد والتجارة لمعالجة البيانات الشخصيَّة.
فهي تقوم بجمع وتخزين والتعامل مع البيانات الشخصية للسكان دون الالتزام بأحكام القانون، حيث لم يتم حتى اليوم إصدار التعاميم اللازمة من قبل الوزارة لتحديد إجراءات تقديم طلبات معالجة أو جمع البيانات، كما أنه -في جميع الأحوال- لا تجري محاسبة أو مساءلة تلك الجهات عن العمليات التي تقوم بها فيما يتعلق بالبيانات الشخصية للسكان.
إلى جانب ذلك، يمكن لوزارتي الداخلية والدفاع اللبنانيتين الإشراف على عملية معالجة البيانات الشخصية للأفراد إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، وإذا كان الأمر متعلقًا بـ “الأمن الداخلي والخارجي للدولة”.
يأتي ذلك في الوقت الذي سُجلت فيه على وزارة الداخلية إساءة استخدام البيانات الشخصية خلال حوادث وظروف سابقة عديد، منها نشر بيانات الناخبين اللبنانيين مع بياناتهم التفصيليَّة بالاستناد على نص صريح ضمن قانون انتخاب أعضاء المجلس النيابي، في انتهاك صارخ لخصوصيَّة الأفراد. وهو قانون آخر يعكس مدى استهتار مجلس النوَّاب اللبناني تجاه حقوق اللبنانيين في الخصوصيَّة.
وحذر الأورومتوسطي من أن وزارة الاتصالات في لبنان تتمتع بالقدرة الكاملة على جمع أي بيانات تريدها بمساعدة شركات تزويد الإنترنت والاتصالات، ومشاركتها مع الهيئات الحكومية الأخرى دون موافقة مسبقة أو لاحقة من المستخدمين، ودون معرفتهم بمشاركة بياناتهم.
ورغم أن المادة (8) من الدستور اللبناني تضمن الحرية الفردية، بينما تضمن المادة (13) الحق في حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات وحماية حق المواطنين في الخصوصية بشكل غير مباشر عبر جميع وسائل الاتصال، فإن هذه الضمانات الدستورية قوضتها العديد من القوانين العادية.
على سبيل المثال، ينص القانون رقم 140 لسنة 1999 بشأن حماية سرية الاتصالات على الحق في سرية الاتصالات الداخلية والخارجية، بكل الوسائل؛ السلكية واللاسلكية.
وعلى الرغم من أن هذا القانون يهدف إلى الحفاظ على الحق في خصوصية المراسلات التي تتم من خلال أي وسيلة اتصال، كما تم التأكيد عليه في المادة (1)، إلا أن هذه المادة قوضتها الاستثناءات الواردة في المادة (2) التي تنص على أن “اعتراض المراسلات يجب أن يتم بأمر قضائي” و “في حالات الضرورة القصوى”، دون تعريف هذه المصطلحات أو تقديم أي معايير للحد من سلطة المحكمة التقديرية، وترك الأمر للمحكمة لتقرير ما إذا كانت ستسمح بالاعتراض أم لا.
يأتي ذلك في ظل نظام قضائي شديد التسييس والاستقطاب، وهو ما يشكل تهديدًا لحق الأفراد والجماعات في حماية الاتصالات والبيانات الشخصية.
وأوضح الأورومتوسطي أنه في الوقت الذي يبقى فيه إقرار القانون رقم 81 لسنة 2018 بشأن المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنه لم يتم حتى اليوم تنفيذ القانون بشكل فعال.
إذ لم تشرع وزارة الاقتصاد حتَّى الآن – بعد نحو ستة أعوام من إقرار القانون – بتحديد الآليَّات الواجبة الاتباع لجمع ومعالجة البيانات ذات الطابع الشخصي، وهو ما يدفع لمعالجة هذه البيانات خارج أي إطار قانوني أو ضوابط.
وأضاف أن القانون يعتريه قصور كبير وفجوة زمنية واسعة، حيث بدأ العمل عليه عام 2004، أي منذ نحو 18 عامًا، قبل أن يتم إقراره عام 2018.
لكن منذ عام 2004، لم يتم تغيير مضمون القانون بشكل يتواءم والتغيرات التي شهدها العالم فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي. بالتالي، فإنه يبقى غير قادر على معالجة قضايا الخصوصية المتعلقة بالإنترنت بشكل دقيق.
وقال محمد المغبط مدير مكتب المرصد الأورومتوسطي في بيروت، إن السلطات التشريعية اللبنانية ترى البيانات الشخصية للسكان من منظور “الفرصة الاقتصادية” عوضًا عن كونها جزءًا حساسًّا وحقًّا راسخًا يحتاج للحماية المضاعفة، ويرتبط بشكل أساسي بحق الأفراد في الكرامة والخصوصية.
وأضاف المغبط أنه نظرًا لعدم فرض السلطات اللبنانية عقوبات على الشركات والكيانات العامة والخاصة غير الممتثلة للقانون، فإن دافعها لإعطاء حماية البيانات الشخصية أولوية في عملياتها يبقى غائبًا إلى حدٍّ كبير.
وأشار إلى أنه يعتري بعض أحكام القانون غموض يحول دون تطبيقها بشكلٍ حاسم، حيث لا يحدد القانون بوضوح تعريف البيانات الشخصية الحساسة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم يقين وعدم التزام المؤسسات التي تتعامل مع تلك البيانات.
وتعد مشكلة الوصول إلى الإنترنت في لبنان عقبة أخرى أمام ممارسة المواطنين لحقوق مختلفة مرتبطة به، بما في ذلك الحق في الوصول إلى المعلومات والحق في التعبير.
فمنذ سنوات، يواجه اللبنانيون صعوبات عديدة متعلقة بالوصول إلى الإنترنت وحماية البيانات الشخصية، إلى جانب الانتهاكات التي تمارسها جهات حكومية وغير حكومية فيما يتعلق بالوصول إلى وحماية البيانات عبر الإنترنت.
لكن خلال الأعوام الماضية، وتحديدًا بعد تفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية منذ عام 2019، تصاعدت حدة تلك الانتهاكات، وأصبح من الصعب وصول شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين إلى الإنترنت، نتيجة انخفاض قيمة العملة وارتفاع تكلفة الاشتراك لدى شبكات تزويد الإنترنت.
ويصنف لبنان في المرتبة الخامسة ضمن الدول الأكثر غلاءً من حيث خدمات الاتصال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة أمام توفر الإنترنت للسكان، خاصة في ظل إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية والنقدية في العالم.