انتقادات في عمان لتحايل شركات خاصة على القانون بتسريح العمال
تصف الناشطة النقابية رحمة الزعابي، أمينة سر لجنة قطاع الإنشاءات في الاتحاد العماني للعمال، ظاهرة استغلال مؤسسات وشركات خاصة، عقود العمل المؤقتة للتخلص من العاملين العُمانيين بـ”السياسة الإدارية الممنهجة”، موضحة أن غالبية الحالات التي تعاملت معها عبر موقعها النقابي، كان يصعب فيها الحصول على بيانات هامة تخص ملفات المفصولين لتنظيم الدفاع عنهم ومساءلة الشركات.
الثلاثيني العُماني سالم الرواحي، أحد هؤلاء المسرحين من العمل، إذ تسلم في 30 إبريل/نيسان 2020 رسالة خطية تفيد بإنهاء خدماته في شركة اتحاد المقاولين العمانية (تعمل في قطاع الإنشاءات والنفط والغاز).
بعد أن عمل في الشركة منذ عام 2014 في قسم المساحة، بموجب عقد يجري تجديده كل عام، ورغم تغيير مكان عمله أكثر من مرة وفق ظروف المشاريع التي تنفذها الشركة في أماكن مختلفة في السلطنة، وتجاوبه مع كل ما طلب منه إلا أن شركته أنهت خدماته.
ويمثل سالم حالة من بين 400 موظف تلقوا رسائل تفيد بفصلهم عن العمل في الفترة الممتدة من مارس/آذار وحتى نهاية إبريل 2020 في الشركة ذاتها.
وكما يروي سالم فإن الشركة استغنت عن خدمات الموظفين دون سابق إنذار، مضيفاً أنها “أوهمتهم بأن وزارة القوى العاملة سوف تتكفل بهم”، رغم أنه وزملاءه في مشكلة حقيقية، إذ إن بعضهم مديون للبنوك ولديه التزامات اجتماعية ومالية كثيرة، “قد تكلف البعض حريتهم وتلقي بهم في السجن” كما يضيف الرواحي.
بالمقابل يرد عزيز العامري، مسؤول قسم الموارد البشرية في شركة اتحاد المقاولين العمانية، بأن إنهاء العقود يعود لعدم وجود مشاريع قيد التنفيذ، إذ تم إنجاز المشاريع السابقة، وما تبقى من عُمانيين في مشروع يجري العمل عليه وهو مول عُمان في مسقط، ويبلغ عددهم 500 موظف، وسيتم إنهاء عقودهم بشكل تدريجي بالتنسيق مع وزارة القوى العاملة على حدّ قوله، مشيراً إلى أن “وضع الشركة لا يسمح”، ما يدفعها لتسريح الموظفين.
لكن الناشط في مجال الدفاع عن المسرحين من العمل، يوسف الزدجالي يرى أن ما تقوم به بعض الشركات من تسريح للعمانيين، ما هو إلا وسيلة للضغط على الوزارات المختصة للحصول على مشاريع إضافية، وسبق أن قامت بعض الشركات بذلك في عام 2017. وفقاً لمتابعته لقضايا العمال العُمانيين.
تسريح جماعيّ
سجل الاتحاد العام لعمال عمان 292 شكوى فردية للتسريح عن العمل و33 شكوى جماعية، ورصد فصل 2652 عمانيا من وظائفهم في 2019.
ويكشف تقرير الاتحاد أن غالبية حالات التسريح كانت في قطاع الشركات العاملة في الإنشاءات والمقاولات، بذريعة انتهاء مشاريعها لدى الحكومة، لكن تقارير الاتحاد للأعوام بين 2014 وحتى 2018، تظهر الأرقام الكبيرة لعدد المسرحين من أعمالهم في السلطنة، إذ يصل مجموعهم إلى 10 آلاف شخص، فصلوا من 106 شركات انتهجت طريق تسريح العُمانيين من أعمالهم.
وتبدأ المشكلة من العقود المؤقتة التي تعتمدها شركات القطاع الخاص لتوظيف العمانيين، لتحقيق شرط تفرضه وزارة القوى العاملة على الشركات للحصول على التصاريح المطلوبة من أجل التقدم للحصول على المشاريع التي تمنحها الوزارة للشركات، دون أن يكون لدى هذه الشركات نية مستقبلية بالاستمرار في السلطنة وتطوير القطاع الذي تعمل به في البلاد، وبالطبع لا تعمل على تطوير الكوادر البشرية العمانية، وفقا لرئيسة لجنة المرأة العاملة في الاتحاد العام لعُمال سلطنة عمان، خولة الهنائي.
رصد الزدجالي 450 حالة تسريح لعمال عمانيين بين عامي 2017 وحتى 2020، ضمن شركات عديدة يحتفظ “العربي الجديد” بقائمة أسمائها. ويتفق الزدجالي مع رحمة الزعابي، في أن عمليات التسريح “ممنهجة”، إذ تقوم الشركات بذلك كوسيلة ضغط للحصول على المزيد من العقود، ولتعزيز وضعها ومكانتها وأرباحها في السوق، وتظهر عقود العاملين المفصولين الذين وثقت معدة التحقيق تجاربهم، أنهم قد عملوا لسنوات طويلة تتراوح بين 4 أعوام وحتى 15 عاما قبل إنهاء خدماتهم.
ويوضح الزدجالي أن التسريح قد يكون فرديا أو جماعيا، وغالبية المسرحين من أعمالهم من حملة دبلوم التعليم العام والدبلوم المهني يليه البكالوريوس. ومن بين العُمانيين المسرحين بلغت نسبة الذكور 92%، أما نسبة الإناث 8%.
وقد يخلق إنهاء خدمات العمالة الوطنية إشكاليات متعددة للمؤسسة بحد ذاتها، نتيجة إخلالها بنسب التعمين المطلوبة، ما يؤثر على إمكانية حصولها على عقود جديدة من قبل وزارة القوى العاملة العُمانية بحسب المحامي المختص بالقضايا العمالية سيف الرواحي.
وأشار إلى أن قانون العمل العماني ينص في مادته 114 مكررا على أن “يعاقب كل صاحب عمل لا يلتزم بنسب التعمين المقررة بغرامة لا تقل عن 250 ريالاً عُمانياً (650 دولارا أميركيا) ولا تزيد على 500 ريال عُماني (1300 دولارا) عن كل عامل عُماني مطلوب تعيينهم. وعلى صاحب العمل تصحيح نسبة التعمين خلال ستة أشهر من تاريخ اكتشاف المخالفة، وتضاعف العقوبة عند تكرار المخالفة”.
وتقرر وزارة القوى العاملة نسبة التعمين المطلوبة في كل منشأة حسب قيمة ونوع مشاريعها، وطبيعتها إن كانت دائمة أو مؤقتة لكن تلك المؤسسات تستغل ثغرات قانونية لعدم الوقوع تحت طائلة المواد السابقة.
ثغرات قانونية
تجيز المادة 37 من قانون العمل العماني لطرفي العقد غير محدد المدة إنهاءه بعد إعلان الطرف الآخر كتابة قبل موعد الانتهاء بثلاثين يوماً بالنسبة إلى العمال المعينين بأجر شهري وخمسة عشر يوماً بالنسبة لغيرهم وذلك ما لم يتفق في العقد على مدة أطول، وإذا انتهى العقد بغير مراعاة هذه المهلة ألزم من أنهى العقد بأن يؤدي إلى الطرف الآخر تعويضا مساويا للراتب الشامل عن مدة المهلة أو الجزء الباقي منها.
ويوضح الرواحي أنه ينبغي الرجوع إلى نص المادة الأولى من القانون العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35\2003، والتي تنص على أن العمل المؤقت هو العمل الذي تقتضي طبيعة تنفيذه وإنهائه مدة محددة….)، وعليه فإن طبيعة العمل المؤقت تكون بتعيين مدته أو تحديد إبرامه لإنجاز عمل معين متفق عليه. وما يميز العقد المؤقت من العقد الدائم هو التراضي بين صاحب العمل والعامل على مدة العمل، فإذا لم يتمكن صاحب العمل من إثبات أنه قد أطلع العامل على شروط العقد المبرم مسبقا وبالأخص طبيعة العمل ومدته، في هذه الحالة، يعد العقد غير محدد المدة وفصل العامل هنا يعد عملا غير قانوني.
يوافقه في ذلك، المحامي هلال المعمري الذي ترافع في عدد من القضايا العمالية، مؤكدا أنه إذا تجددت عقود العمل لفترات متماثلة، أصبح العقد غير محدد المدة وبالتالي يسري عليه ما يسري على عقود العمل الدائمة، ويختلف الفقه القانوني في تعداد السنوات المحددة في العالم، وفي السلطنة هناك مبادئ إجرائية تعتمدها المحكمة العليا وتشير صراحة إلى أن العقد إذا تجدد لمدتين من الزمن صار عقدا غير محدد المدة، ويحمل تقرير الاتحاد العام لعمال عمان لعام 2019، اعترافا صريحا بالقصور التشريعي في قانون العمل والقرارات الإجرائية الإدارية المنظمة للأمر.
وفي مقابل ما يحدث بالقطاع الخاص أعلنت وزارة المالية في سلطنة عمان، نهاية إبريل/نيسان الماضي عن إبلاغ الشركات الحكومية التابعة لها بـ “ضرورة الإسراع في إحلال العمانيين محل الوافدين وفق جدول زمني محدد لمختلف المستويات الوظيفية يتم تنفيذه في أسرع وقت ممكن بما فيها الوظائف القيادية والإشرافية”.
وأضافت في بيان صحافي أن “تلك الشركات تعد بيئة جاذبة ومحفزة لاستيعاب العمانيين المؤهلين الباحثين عن عمل في إطار جهود لتطوير القوى العاملة الوطنية، وأن هذا الأمر يأتي ضمن سياسة توطين تستهدف زيادة أعداد الوظائف المتاحة للعمانيين وتحسين جودتها”.
ويدعو الزدجالي الناشط في التغريد على وسم “أوقفوا تسريح العمانيين” على تويتر، إلى ملاحقة الشركات المتورطة في فصل العمانيين تعسفيا عبر القضاء، قائلا: “لا تملوا من طول المدة فقضيتكم عادلة”، الأمر الذي تحقق أكثر من مرة، منها ما جرى في نوفمبر الماضي إذ أصدر القضاء العماني حكما على شركة متورطة في فصل مواطن بدفع راتبه كاملا حتى نهاية المدة، مع تعويضه بمبلغ 8 آلاف ريال (20781.38 دولارا أميركيا) عن الفصل التعسفي، وسبق وأن تمكنت وزارة القوى العاملة ممثلة بالمديرية العامة للرعاية العمالية من إجراء تسوية ودية فـي دعوى بالفصل التعسفي بلغت قيمتها 25 ألفاً و590 ريالا عمانيا، أي ما يعادل (66474.43 دولارا).
من جهتها اعتبرت وزارة القوى العاملة، في ردها المكتوب على معدة التحقيق، أن اللجنة التي أمر السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، بتشكيلها في نهاية مايو/أيار المنصرم، هي المكلفة بمتابعة الشكاوى العمالية للمفصولين تعسفيا، والدخول في مفاوضات مع الشركات لإرجاع العمانيين المفصولين، وفق شروط محددة قد تصل لخفض الرواتب لحدود الراتب الأساسي فقط، أو مقاضاة الشركات المخالفة الرافضة لإرجاع الموظفين.
ويبين رد الوزارة أن اللجنة تنظر في قضايا الفصل التعسفي كنتيجة للتداعيات الاقتصادية المترتبة على انتشار وباء كورونا عالميا، وهو ما أثر بشكل مباشر على العمل، وأفضى إلى تزايد أعداد العمانيين المفصولين من أعمالهم، ليصل عددهم إلى 3067 عاملا عُمانيا حتى نهاية يونيو/حزيران 2020، “وهو ما يستوجب تعديلات ضرورية في قانون العمل، لضبط النصوص المتعلقة بالعقود المؤقتة، وإضافة بنود تضمن الأمان الوظيفي للعمانيين”، كما يؤكد الاستشاري القانوني خليفة الهنائي.
هذا ما أوصت به دراسة أعدّتها لجنة الشباب والموارد البشرية في مجلس الشورى العماني، في يونيو/حزيران 2020، حول ظاهرة التسريح عن العمل، وخلصت إلى ضرورة إجراء تعديلات رقابية وإجرائية، على مستوى هيكلة القوانين والنصوص القانونية التي يشملها قانون العمل العماني، لمعالجة الفراغ التشريعي في صياغة القوانين، وعدم وضوح طبيعة العلاقة بين المتعاقدين وعدم مراعاة الالتزامات المالية والاجتماعية للمفصولين من أعمالهم. وشملت الجوانب الإجرائية تأخر معالجة قضايا المفصولين من أعمالهم لفترة طويلة.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الهنائي أهمية التعديلات المنتظرة على القانون لصيانة حقوق العُمانيين، فإن سليم الحكماني، رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى يرى أن الحكومة مقبلة على تعديلات إجرائية كثيرة في النظم المرتبطة بإحلال العمانيين في الوظائف المختلفة، ما يعني عدم الاستمرار في المشاريع بنظم العقود المؤقتة واستبدالها بنظام تكاملي، يجمع مصالح كل من القطاع الخاص والحكومة، الرامية لتمكين العاملين العمانيين عبر سياسات التدريب والتأهيل.