الجيش الإسرائيلي يستهدف آلاف المدنيين الفلسطينيين لدى انتظارهم إمدادات إنسانية
وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استهداف قوات الجيش الإسرائيلي آلاف المدنيين الفلسطينيين لدى انتظارهم إمدادات إنسانية على أطراف مدينة غزة، وقتلها ما لا يقل عن 70 منهم وجرح نحو 600 آخرين، بعدما أطلقت تجاههم النار والقذائف المدفعية على نحو مباشر.
ووثق الفريق الميداني للأورومتوسطي اقتراف الجيش الإسرائيلي مجزرة دامية عندما أطلقت الدبابات الإسرائيلية في حوالي الساعة الرابعة والنصف فجر اليوم الخميس 29 شباط/فبراير، القذائف والنار بشكل مباشر تجاه آلاف المدنيين الجياع الذين انتظروا لساعات وصول شاحنات المساعدات قرب دوار “النابلسي” على شارع “الرشيد” جنوب غربي غزة.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن عملية إطلاق القذائف والنار استهدفت المدنيين الفلسطينيين بمجرد وصول الشاحنات التي تقل المساعدات، وأن العشرات سقطوا بعد صعودهم على الشاحنات لمحاولة الحصول على أكياس طحين، فيما استُهدف عشرات وهم يحملون أكياس الطحين أو معلبات لإطعام أفراد أسرتهم الذين أنهكهم الجوع.
وقال باحث المرصد الأورومتوسطي في مجمع “الشفاء” الطبي في مدينة غزة إن مئات المصابين والقتلى وصلوا إلى المستشفى الذي يعمل بطاقة جزئية، ودون طواقم طبية كافية، حيث اضطر مواطنون إلى لتعامل مع الجرحى ومحاولة تقديم الإسعافات الأولية وسط حالة تدافع كبيرة، في وقت نقل القتلى والمصابون على عربات تجرها حيوانات، و”بعضهم معهم أكياس طحين اختلطت بالدماء.”
وأفاد “سعيد ثابت سالم الريفي” لطاقم الأورومتوسطي: “ذهبنا لأخذ المساعدات واستلام الطحين على البحر، فأطلقوا النار تجاهنا حوالي الساعة 4:30 فجر اليوم. وبمجرد وصول الشاحنات وتقدم الناس نحوها بدأ إطلاق النار من كل مكان، وصارت مجزرة أنا حصلت على كيس طحين لأطعم أسرتي المكونة من 11 فردًا، ورفيقي قتل”
وقال “أنس صبحي عبد العال” لطاقم الأورومتوسطي: “وصلنا دوار النابلسي، بمجرد دخول الشاحنات بدأت الدبابات تطلق النار والقذائف من كل مكان، من كل 10 أشخاص واحد فقط استلم، هناك العديد ممن قتلوا أو أصيبوا وهم يحملون كيس طحين أو معلبات… إطلاق النار كان على الشاحنات ومحيطها بعدما وصلها المواطنون. أصبحت الشاحنات محملة بالقتلى والمصابين.”
وأكد الأورومتوسطي أن عمليات القتل الجماعي للمدنيين الجياع تأتي في وقت تستمر فيه محاولات الجيش الإسرائيلي تفريغ مدينة غزة وشمالها من السكان الذين بقوا فيها، عبر إرسال رسائل إليهم أن المساعدات تصل فقط إلى منطقة “المواصي” في جنوب قطاع غزة، وعبر الاستمرار في التجويع واستخدامه كسلاح في الحرب الدامية.
وحذر المرصد الأورومتوسطي من أن إسرائيل تتعمد تعميق أزمة التجويع الكارثية لجميع سكان قطاع غزة، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، ومنع وعرقلة إدخال وتوزيع الإمدادات الإنسانية، خاصة في مدينة غزة وشمال القطاع، بهدف دفع السكان إلى التهجير القسري من مناطقهم، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في القطاع منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
ووثق المرصد الأورومتوسطي إفادات من سكان في مدينة غزة وشمالها بشأن تلقيهم اتصالات هاتفية من الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، يطالبهم فيها بالنزوح إلى وسط وجنوب قطاع غزة من أجل الحصول على الغذاء والماء وتفادي الموت جوعًا.
وبحسب الإفادات، فقد تضمنت رسائل مسجلة تلقاها السكان قول الجيش الإسرائيلي إنه ما يزال “يعمل بقوة” في مناطقهم بينما يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية في منطقة “المواصي” وإن عليهم التوجه إلى تلك المنطقة للحصول على المساعدات.
وبحسب متابعة الأورومتوسطي، فإن الإمدادات الإنسانية التي دخلت إلى قطاع غزة في شباط/فبراير الجاري انخفضت مقارنة مع كانون ثانٍ/يناير بنسبة 50% على الرغم من تعاظم الاحتياجات الهائلة لأكثر من 2.3 مليون نسمة يعيشون في ظروف معيشية بائسة.
ففي وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية، وقرار محكمة العدل الدولية، لزيادة إدخال المساعدات المنقذة للحياة ودخول الإمدادات التجارية، وضمان إدخالها وتوزيعها على نحو سريع وفعال ودون معيقات، شهد شهر شباط/فبرير دخول نحو 98 شاحنة يوميًا في المتوسط، ما يمثل انخفاضًا بنحو النصف في الإمدادات التي كانت تدخل قطاع غزة مقارنة بشهر كانون ثانٍ/يناير.
يأتي ذلك رغم أنه في الأصل يبقى عدد الشاحنات التي تدخل غزة أقل بكثير من الهدف المحدد، وهو 500 شاحنة في اليوم، كما كان يجرى قبل السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
ويقدّر الأورومتوسطي أن الاحتياج الحقيقي والفعلي لسكان القطاع يفوق حتى هذا العدد من المساعدات الخارجية، نتيجة استهداف إسرائيل مقومات الحياة ومقدرات الإنتاج المحلي الداخلي بشكل شبه كامل، إما بالقصف والتدمير، أو بتجفيف مصادر الإنتاج، كالوقود والكهرباء والمواد الأساسية والخام، نتيجة القرارات الإسرائيلية والحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل منذ حوالي خمسة أشهر.
وتتعاظم —إلى جانب ذلك- الاحتياجات الطبية والصحية والعلاجية لسكان قطاع غزة، وبخاصة المرضى والجرحى والنساء والأطفال وكبار السن، نظرًا لاستمرار سقوط الضحايا والجرحى بشكل يومي وكبير بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي، وانتشار الأمراض والأوبئة المعدية بشكل سريع، وخروج معظم مكونات القطاع الصحي عن العمل بسبب الاستهداف الإسرائيلي بالتدمير والحصار وقطع الإمدادات.
وقال الأورومتوسطي إن استمرار تراجع وتيرة إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية وتقويض آليات حمايتها وسبل توزيعها يأتي كأداة أساسية تنفذ فيها إسرائيل مسعاها في إخضاع فلسطينيي القطاع عمدًا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكهم الفعلي، واستكمالًا لتنفيذ خططها في تفريغ مدينة غزة ومناطق شمالي قطاع غزة من السكان، وإجبارهم على النزوح جنوبًا بشكل قسري تحت ضغط الهجمات العسكرية والتهديد والترهيب وسياسة التجويع وإبقاء مستويات مساعدات غير متناسبة مع حجم الاحتياجات الهائلة.
وفيما يؤمل أن تعوض عمليات الإنزال الجوي للأغذية والإمدادات الأخرى التي شهدها قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة جزءًا ضئيلًا من الانخفاض في المساعدات التي يتم جلبها عبر البر، فإن المخاطر تتفاقم وتستمر بشأن انتشار المجاعة والارتفاع الحاد في سوء التغذية لدى جميع سكان مدينة غزة وشمالها، لا سيما بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن.
وحمّل المرصد الأورومتوسطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المسؤولية عن عجزهم حتى الآن في ضمان آليات مناسبة لإدخال المساعدات الإنسانية لإغاثة الجياع، مشددًا على أنهم يتحملون مسؤولية التواطؤ في عمليات القتل والتجويع التي تستهدف مئات آلاف المدنيين.
ودعا المرصد الأورومتوسطي جميع الدول إلى فتح جسر جوي مباشر إلى قطاع غزة، وتنفيذ إنزالات جوية مكثفة ويومية تشمل جميع مناطق القطاع، وبشكل خاص مدينة غزة وشمال القطاع، والمشاركة في التصدي والحماية من الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى التهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة؛ وهو الأمر الذي حذرت منه الدول بشكل مستمر منذ بدء الهجوم الإسرائيلي العسكري الأخير على القطاع.
وشدد المرصد الأورومتوسطي أن عمليات القتل المتعمدة وغير القانونية والإعدامات خارج نطاق القانون والقضاء التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين بصفتهم هذه وبدون أن يكون لهم أية مشاركة في الأعمال الحربية، تشكل انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كجرائم قائمة بحد ذاتها، بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتمثل هذه الجرائم في ذات الوقت أشكالًا لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي. بالإضافة إلى كونها تنتهك حق الفلسطينيين في الحياة وتحرمهم من هذا الحق بشكل تعسفي، وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وجدد الأورومتوسطي مطالبته بالإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة خاصة بالهجوم العسكري المتواصل على قطاع غزة، وتمكين لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة التي تم تشكيلها عام 2021 من القيام بعملها، بما في ذلك ضمان وصولها إلى قطاع غزة وفتح التحقيقات اللازمة في جميع الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين في القطاع، بما في ذلك عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين عمدًا وإعدامهم خارج نطاق القانون والقضاء.
وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل بكافة الوسائل والطرق الفعالة لمنعها من الاستمرار بتنفيذ سياساتها التي تنتهك قواعد القانون الدولي، وبخاصة طرد السكان وإجبارهم على النزوح، واستخدام التجويع ضد الفلسطينيين في قطاع غزة كأسلوب من أساليب الحرب، والتي تهدف من خلالها إلى إهلاكهم كليًّا وعلى نحو فعلي.
وذكر الأورومتوسطي أن إسرائيل –بدلًا من زيادة وتسهيل إدخال الإمدادات الإنسانية- تعمدت فرض المزيد من القيود على عمل المعابر وآليات إدخال شاحنات المساعدات، وكرست واقع انعدام الأمن بسبب استمرار عملياتها العسكرية وتسببها بانهيار النظام المدني، وهو ما يضاعف من الأزمة الإنسانية الحاصلة في قطاع غزة.
هذا بالإضافة إلى الصعوبات الكبيرة في إدخال الإمدادات عبر معبري “رفح” و”كرم أبو سالم/كيرم شالوم” (المعبران الحدوديان الوحيدان لإدخال المساعدات الإنسانية) في ظل القيود الأمنية الإسرائيلية.