اليمن واحدة من أسوأ البيئات في العالم بالنسبة للعمل الصحفي
تشهد اليمن واحدة من أسوأ البيئات في العالم بالنسبة للعمل الصحفي، حيث أصبحت حرية الإعلام هدفا مباشرا للأطراف المتحاربة التي اتخذت من الصحفيين ومؤسساتهم أدوات للضغط والابتزاز السياسي.
ويكشف تقرير جديد صادر عن “هيومن رايتس ووتش” حجم الانتهاكات المنهجية ضد الصحفيين، والتي تشمل الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، التعذيب، ومصادرة المؤسسات الإعلامية، وهي ممارسات تتورط فيها جميع القوى الفاعلة: الحوثيون، المجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
ويوثق التقرير الصادر في 51 صفحة بعنوان “نتقرب إلى الله بتعذيب الصحفيين” سلسلة من الانتهاكات المروعة، استندت إلى مقابلات مع 27 شخصا بينهم 16 صحفيا، إضافة إلى مراجعة وثائق رسمية وصور ولوائح اتهام.
وثّق الباحثون 14 حالة انتهاك على الأقل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بينها خمس حالات لصحفيين ما زالوا رهن الاحتجاز التعسفي أو أُفرج عنهم مؤخرا، فيما تعرض أربعة منهم للإخفاء القسري.
وأكد بعض الصحفيين أنهم تعرضوا لتعذيب أشد من بقية المعتقلين لإرسال رسالة ترهيب واضحة، حيث نقل أحد المفرج عنهم أن سجانا في معتقل حوثي قال له صراحة: “نتقرب إلى الله بتعذيب الصحفيين”.
والاستهداف لم يقتصر على الصحفيين أنفسهم، بل طال أحيانا أفراد أسرهم، الذين اعتُقلوا كورقة ضغط لإجبار الصحفيين على الاعتراف بتهم ملفقة أو وقف نشاطهم المهني.
وقد دفعت هذه السياسات عددا كبيرا من الإعلاميين إلى مغادرة البلاد خوفا على حياتهم، بينما اضطر الباقون إلى تقليص تغطياتهم أو إخفاء هويتهم المهنية.
وقد اعترفت إحدى الصحفيات المستقلات من عدن، على سبيل المثال، بأنها باتت تُخفي صفتها كصحفية عند نقاط التفتيش، حتى في جواز سفرها كتبت مهنتها “طالبة” لتجنب المخاطر.
وتُظهر شهادات نقابة الصحفيين اليمنيين أن “مساحة الحرية تتقلص باستمرار”، وأن السلطات لا تتسامح حتى مع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتضمن انتقادا للفساد أو سوء الإدارة. العديد من الصحفيين دفعوا حياتهم ثمنا منذ اندلاع النزاع قبل 11 عاما، في حوادث اغتيال أو قصف لم تُفتح بشأنها تحقيقات جادة لتحديد الجناة، ما يعكس مستوى الإفلات من العقاب.
كما تبرز ظاهرة مصادرة المؤسسات الإعلامية كجزء من أدوات الحرب. الحوثيون والمجلس الانتقالي والحكومة سيطروا على وسائل إعلام كبرى وأغلقوها خلال السنوات الأربع الماضية، من بينها “يمن لايف”، “يمن ديجيتال ميديا”، ووكالة الأنباء اليمنية سبأ.
هذا الاستيلاء المنهجي يُفرغ الساحة الإعلامية من أي تنوع أو استقلالية، ويُخضع الصحافة بالكامل لحسابات الأطراف المتحاربة.
في ظل هذه الانتهاكات، تُحمّل “هيومن رايتس ووتش” جميع الأطراف اليمنية مسؤولية قانونية بموجب القوانين الدولية والمحلية لحماية حرية التعبير والصحافة، والامتناع عن الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب. لكن غياب المساءلة شجع على استمرار الانتهاكات بلا رادع.
ويدعو التقرير المجتمع الدولي إلى كسر دائرة الصمت، خصوصا عبر الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث يُتوقع أن يكون ملف اليمن مطروحا. المنظمة تحث الدول الأعضاء على إدانة الانتهاكات الموجهة ضد الصحفيين، والمطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفا، وتكليف “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بمراقبة الوضع وتقديم تقارير دورية.
كما يوصي التقرير بدعوة المقررين الخاصين بالأمم المتحدة المعنيين بالتعذيب وحرية التعبير وحالات الاختفاء القسري لزيارة اليمن وتوثيق الانتهاكات عن قرب.