اليمن.. جريمة الاستهداف الأمريكي لمركز احتجاز مهاجرين تظهر خطورة الإفلات من العقاب

جنيف – قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ استهداف الجيش الأمريكي مركزًا لاحتجاز مهاجرين في اليمن وقتل وإصابة العشرات منهم، يمثل تصعيدًا خطيرًا في عملية “الفارس الخشن” الأمريكية، وانتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يرقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان صحافي أن سلاح الجو الأمريكي نفذ فجر اليوم الإثنين غارة جوية على “إصلاحية السجن الاحتياطي” في محافظة صعدة شمالي اليمن، مستهدفًا أحد مراكز التوقيف الخاصة بالمهاجرين الأفارقة داخل الإصلاحية، ما أسفر عن مقتل 68 مهاجرًا على الأقل وإصابة نحو 47 آخرين، وفقًا لمصادر الدفاع المدني المحلي.

وأظهر اطلاع المرصد الأورومتوسطي على توثيقات مصورة للحظات الأولى عقب الهجوم أن المبنى الذي كان يحتجز فيه المهاجرون، والمكوّن من جدران أسمنتية وسقف من الصفيح، قد تعرض لدمار شبه كامل. وتمكنت فرق الإسعاف والدفاع المدني من انتشال جثث القتلى من تحت الأنقاض، بينما نُقل عشرات الجرحى إلى هيئة المستشفى الجمهوري في صعدة بحالات خطيرة، ما يشير إلى أنّ الاستهداف كان مباشرًا لموقع احتجاز المهاجرين.

ووفق المعلومات المتوفرة من وزارة الداخلية في الحكومة التي تديرها جماعة الحوثي، فإنّ المركز الذي تعرّض للهجوم كان خاضعًا لإشراف المنظمة الدولية للهجرة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ما قد يستدلّ منه، في حال صحّت المعلومات، على أنّ الموقع يتمتع بحماية قانونية تمنع استخدامه لأغراض عسكرية، وأنه كان من المفترض أن تكون إحداثياته معروفة لدى القوات الأمريكية لتفادي استهدافه.

وأكد أن غياب أي معلومات عن اتخاذ الجيش الأمريكي تدابير وقائية لتقليل الأضرار المدنية، كما في وقائع سابقة، يعزز الاشتباه بوجود إخلال جسيم بالتزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني، لا سيما فيما يتعلق بمبادئ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، والتناسب بين الخسائر والأهداف، وضرورة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتفادي إيقاع أضرار بالمدنيين.

وحتى تاريخ إصدار هذا البيان، لم تقدم القيادة المركزية الأمريكية أي تفسير رسمي للهجوم أو مبرراته، واكتفت ببيان صدر قبل وقوع الهجوم بساعات قليلة، قالت فيه: “من أجل الحفاظ على أمن العمليات، قمنا عن قصد بالحد من الإفصاح عن تفاصيل عملياتنا الحالية أو المستقبلية (…) لن نقوم بالكشف عن تفاصيل ما قمنا به أو ما سنقوم به مستقبلاً”.

وأعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه العميق من أن النهج الذي تعتمده الولايات المتحدة في إدارة عملياتها العسكرية ضمن عملية “الفارس الخشن” يتجاوز مجرد سياسة التعتيم، ليعكس نمطًا أوسع من التعامل مع منظومة القانون الدولي بوصفها إطارًا انتقائيًا لا يُلزمها ولا يُقيّد سلطتها.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ هذا السلوك يظهر الولايات المتحدة كقوة فوق القانون، تتصرف بمعزل عن قواعد المساءلة الدولية، ولا ترى نفسها معنية بتقديم مبررات أو الالتزام بمعايير الشفافية التي قد تفضي إلى محاسبتها، محذرًا من أنّ استمرار هذا النهج يقوض أسس النظام الدولي، ويضعف آليات الحماية الجماعية، ويكرّس الإفلات من العقاب على أوسع نطاق.

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ مجرد مطالبة الولايات المتحدة بالشفافية لا يكفي، بل يجب على مؤسسات المجتمع الدولي المختصة الشروع الفوري بتحقيقات مستقلة وشاملة في الهجوم، بغض النظر عن موقف الجهة المنفذة أو امتناعها عن الإفصاح.

وشدد على أنّ التحقيق في ملابسات الهجوم، وتحديد المسؤولين عنه، ومحاسبتهم بموجب القانون الدولي الإنساني، ليس خيارًا تطوعيًا، بل التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا تفرضه قواعد حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، لافتًا إلى أنّ أي إخفاق في مباشرة هذه التحقيقات أو تفعيل آليات المحاسبة سيُعدّ تواطؤًا فعليًا في تكريس الإفلات من العقاب، وتقويضًا إضافيًا لمنظومة القانون الدولي.

وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ ضحايا قصف مركز احتجاز المهاجرين في صعدة هم مدنيون لم يشاركوا في أي أعمال عدائية، ويتمتعون بحماية كاملة بموجب أحكام القانون الدولي، الذي يحظر بشكل قاطع استهداف المدنيين سواء بصورة متعمدة أو عشوائية أو مفرطة في استخدام القوة.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ المهاجرين الذين تعرضوا للهجوم يتمتعون بحقوق قانونية مكفولة لهم بموجب القانون الدولي في مواجهة جميع الدول دون استثناء، بما في ذلك الولايات المتحدة، وليس فقط الدولة المضيفة.

ولفت إلى أنّ الالتزامات الدولية بحماية الحق في الحياة وسلامة المدنيين تنطبق على جميع أطراف النزاع، بغض النظر عن جنسية الضحايا أو مكان احتجازهم، مما يجعل استهداف مركز احتجاز المهاجرين انتهاكًا صريحًا لقواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ طبيعة الموقع المستهدف، إلى جانب الخسائر البشرية الجسيمة الناتجة عن الهجوم، تثير شبهات خطيرة بوقوع جريمة حرب وفقًا لأحكام القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، والقواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، حيث تشدد هذه المواثيق الدولية على الحظر المطلق لاستهداف المدنيين أو الأعيان المدنية، وضرورة اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحمايتهم وتحييدهم عن الأعمال العدائية، وتقليل الأضرار التي قد تلحق بهم إلى الحد الأدنى، حتى في حال وجود أهداف عسكرية مشروعة.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الولايات المتحدة تواصل استخدام القوة المسلحة على نحو غير قانوني، وتسهم في تصعيد العنف في المنطقة، بدلًا من تبنّي أي مسار يهدف إلى خفض التوتر أو معالجة الأسباب الجذرية للأزمة.

وأوضح أنّ جماعة الحوثي كانت قد أعلنت بوضوح أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر تأتي ردًا على استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي كان يستدعي تحركًا دبلوماسيًا مسؤولًا لمعالجة جذور الأزمة، غير أنّ الولايات المتحدة اختارت التصعيد العسكري كخيار وحيد، بالتوازي مع تعزيز دعمها العسكري والسياسي لإسرائيل، ما مكّن الأخيرة من مواصلة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة دون مساءلة تُذكر.

وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ هذا السلوك يعكس بوضوح ازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع النزاعات، حيث تُبرر التدخل العسكري تحت ذريعة حماية الأمن الإقليمي، بينما تساهم فعليًا في تأجيج الصراعات، وتفاقم الكوارث الإنسانية، وإطالة أمد المعاناة في المنطقة.

وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الهيئات الأممية المعنية بإنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة تتمتع بولاية كاملة، وإيفادها إلى اليمن، بحيث تشمل مهامها توثيق الانتهاكات، وإجراء تحقيقات ميدانية، وتحديد المسؤوليات القانونية الفردية والجماعية عن الهجوم على مركز احتجاز المهاجرين في صعدة.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ طبيعة الانتهاكات المرتكبة وجسامة الأضرار البشرية الناتجة عنها تفرضان تفعيل مسارات المساءلة على جميع المستويات، بما في ذلك دعم تحريك إجراءات قضائية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، لضمان محاسبة المسؤولين وعدم إفلاتهم من العقاب.

ودعا المرصد الأورومتوسطي الولايات المتحدة لوقف حملتها العسكرية غير القانونية على اليمن فورًا، والامتناع عن استهداف المدنيين أو البنية التحتية الحيوية تحت أي مبرر، والالتزام الكامل بأحكام القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والضرورة.

وحثّ المرصد الأورومتوسطي الولايات المتحدة على الالتزام الصارم بأحكام القانون الدولي وواجباتها القانونية بموجبه، ووقف تواطئها الموثّق مع إسرائيل في جرائمها، بما في ذلك الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، مشددًا على ضرورة وقف جميع أشكال الدعم العسكري والسياسي الذي يمكّن إسرائيل مواصلة ارتكاب هذه الجرائم دون رادع.

قد يعجبك ايضا