الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا: ارفعوا العقوبات التي تعيق تعافي سوريا
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن العقوبات الشاملة التي تفرضها الولايات المتحدة، و”الاتحاد الأوروبي”، وبريطانيا، ودول أخرى تعيق استعادة الخدمات الأساسية في سوريا.
لا تزال العقوبات المفروضة على حكومة بشار الأسد السابقة سارية رغم سقوطها، وتنقصها شروط الإلغاء الواضحة والقابلة للقياس. وهي تعيق جهود إعادة الإعمار، وتزيد معاناة ملايين السوريين في الحصول على الحقوق الأساسية، بما فيها الكهرباء والمستوى المعيشي اللائق.
قالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون سوريا في هيومن رايتس ووتش: “سوريا بحاجة ماسة إلى إعادة الإعمار في حين يكافح السوريون للبقاء على قيد الحياة. بعد سقوط الحكومة السابقة، تشكل اليوم العقوبات الشاملة عقبة كبيرة أمام استعادة الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية، والمياه، والكهرباء، والتعليم”.
أدت 13 سنة من النزاع والتهجير إلى دمار البنى التحتية، وأصبحت بلدات بكاملها غير قابلة للسكن، وتضررت المدارس، والمستشفيات، والطرقات، ومنشآت المياه، وشبكات الكهرباء، أما الخدمات العامة فبالكاد تعمل، والاقتصاد يتهاوى. أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، 13 مليون منهم على الأقل – أكثر من نصف السكان – لا يستطيعون الحصول على الغذاء الكافي أو تحمّل تكاليفه. 16.5 مليون سوري على الأقل، في جميع أنحاء سوريا، يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وجدت هيومن رايتس ووتش سابقا أن العقوبات الشاملة منعت إيصال المساعدات في سوريا، رغم الإعفاءات الإنسانية، لا سيما بعد زلزال فبراير/شباط 2023 الذي ضرب شمال سوريا.
على الجهات التي تفرض العقوبات أن تولي الأولوية لسلامة المدنيين السوريين عبر رفع العقوبات التي تعيق الحصول على الحقوق الأساسية. قالت هيومن رايتس ووتش إن ذلك يتضمن إعادة إدخال سوريا في الأنظمة المالية العالمية، وإنهاء القيود التجارية على السلع الأساسية، ومعالجة العقوبات على الطاقة لضمان توفر الوقود والكهرباء، وتقديم ضمانات قانونية واضحة للمؤسسات والشركات المالية لتخفيف الآثار المحبطة الناتجة عن الامتثال المفرط للعقوبات.
سوريا تحت العقوبات الدولية منذ أكثر من 45 عاما. منذ 2011، فرضت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ودول أخرى عقوبات إضافية أكثر قسوة على الحكومة السورية، ومسؤوليها، وهيئاتها ردا على جرائم حرب وانتهاكات حقوقية ارتكبتها الحكومة السابقة. وتشمل إجراءات محددة الهدف لتجميد الأصول، ومنع السفر، بالإضافة إلى قيود أخرى أوسع نطاقا على التجارة، والتحويلات المالية، وقطاعات اقتصادية رئيسية.
بعض الجماعات المسلحة التي تعمل في سوريا والمصنفة إرهابية، بما فيها “هيئة تحرير الشام”، تخضع أيضا لإجراءات مكافحة الإرهاب التي فرضها “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، التي تمنع تقديم الأموال والأصول والموارد الاقتصادية إلى هذه الفصائل بشكل مباشر أو غير مباشر. هيئة تحرير الشام، التي قادت عملية الإطاحة بنظام الأسد وتسيطر على حكومة تصريف الأعمال، أعلنت في أواخر يناير/كانون الثاني 2025 “حلّ” المجموعة، وأنها ستُلحَق بمؤسسات الدولة، مع فصائل مسلحة أخرى.
تفرض الولايات المتحدة الإجراءات الأقسى، فهي تمنع معظم أشكال التجارة والتحويلات المالية مع سوريا، بما في ذلك تصدير السلع، والبرمجيات، والخدمات الأمريكية مع استثناءات محدودة للمساعدات الإنسانية. يوسّع “قانون قيصر” هذه القيود عبر فرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الحكومة السورية، خاصة في قطاعات النفط والغاز، والبناء، والهندسة.
عقوبات الاتحاد الأوروبي تركز على منع شراء النفط الخام السوري، وتقييد الاستثمارات، وتقييد وصول المصارف السورية إلى الأنظمة المالية العالمية. تقيّد العقوبات المالية أيضا بيع السندات، وفتح حسابات جديدة للمؤسسات السورية، والتبادلات مع الأفراد المستهدفين بالعقوبات. تخضع المؤسسات المملوكة من الدولة السورية، مثل “مصرف سورية المركزي”، وشركة الاتصالات الكبيرة “سيرياتل”، و”السورية للطيران” أيضا لعقوبات، ما يؤثر على قطاعات مثل التعليم، بسبب القيود على استيراد تكنولوجيا المعلومات والحصول على البرمجيات. تمنع عقوبات الاتحاد الأوروبي أيضا بيع السلع والتقنيات التي يمكن استخدامها للقمع الداخلي، أو توفيرها أو نقلها أو تصديرها. عقوبات الحكومة البريطانية مشابهة إلى حد كبير لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
منذ سقوط حكومة الأسد، أدخلت الولايات المتحدة ودول أوروبية تعديلات محدودة على سياسات العقوبات. في يناير/كانون الثاني 2025، سمحت الولايات المتحدة بمعاملات محدودة متعلقة بالطاقة والتحويلات المالية في سوريا، في حين اقترح الاتحاد الأوروبي خطة مشروطة لتخفيف العقوبات، وأعلنت بريطانيا عن تعديلات مُقبلة سُتناقش في البرلمان.
لكن في فبراير/شباط، وصف رئيس “هيئة الاستثمار السورية” الجديد أيمن حموية الخطوات المتَّخَذة بـ “غير الملائمة”، وقال لـ “رويترز” إن العقوبات الغربية، لا سيما على القطاع المصرفي السوري، تمنع استثمارات ضرورية للاقتصاد.
يُتوقَّع أن تتخطى احتياجات إعادة الإعمار 250 مليار دولار أمريكي، وهي تشمل البنى التحتية، والخدمات الأساسية، وتعافي الاقتصاد. نظام الرعاية الصحية في حالة حرجة، إذ أكثر من نصف مستشفيات سوريا خارج الخدمة، ويوجد نقص حاد في المعدات الطبية وغيرها من الموارد الضرورية. البنية التحتية للمياه متدهورة أيضا، فقد تضرر ثلثا محطات التكرير تقريبا، ونصف محطات الضخ، وثلث خزانات المياه منذ 2011، بحسب “اليونيسف“. وهناك أزمة تعليم، مع تضرر أو دمار أكثر من 7 آلاف مدرسة ووجود أكثر من مليونَيْ طفل خارج المدرسة.
على مدى سنوات، فاقمت العقوبات القطاعية الواسعة الأزمة الاقتصادية في سوريا، وأدت إلى التضخم، ونفاد سلع أساسية، وخلق شبكة معقدة من العوائق المالية والتجارية فشلت الإعفاءات الإنسانية الضيقة وغير المتسقة في معالجتها. هذه القيود – مضافةً إلى إجراءات مكافحة الإرهاب، والضوابط على الصادرات، وامتثال القطاع الخاص بشكل مفرط للعقوبات – صعّبت عمل المنظمات الإغاثية، والمؤسسات المالية، والشركات في سوريا.
على سبيل المثال، رخصة “وزارة الخزانة” الأمريكية الحالية لا تعفي خدمات الإنترنت، والبنية التحتية للاتصالات، والأدوات الرقمية، وهي حواجز تحذّر منظمة “أكسس ناو” و160 منظمة من المجتمع المدني من أنها تحرم السوريين من أدوات وخدمات أساسية على الإنترنت يمكنها لعب دور مهم في النمو الاقتصادي.
تحديد هيئات الدولة السورية بشكل فضفاض كهدف للعقوبات، بما يشمل البنك المركزي، ومؤسسات مالية أساسية، ومرافق حكومية، قد أضعف البنية التحتية والخدمات التي تعاني أصلا. القيود على قطاع الطاقة فاقمت النقص في الوقود والكهرباء، وزادت الضغط على شبكات المياه، وسلاسل توريد الغذاء، ومنشآت الرعاية الصحية. العقوبات التجارية الشاملة – لا سيما الحظر شبه التام على الصادرات الأمريكية إلى سوريا – قيّدت الواردات الأساسية، منها الإمدادات الطبية، والمعدات الزراعية، والمواد الصناعية الضرورية لإعادة الإعمار.
الاستثناءات الإنسانية في العقوبات الأمريكية، والبريطانية، والأوروبية تختلف من جهة لأخرى، وهي جزئية بطبيعتها، وتشوبها قيود وإجراءات امتثال منفصلة، ما يجعل جهود المصارف والمصدّرين وعمال الإغاثة لضمان الامتثال أكثر صعوبة، واستهلاكا للوقت، وكلفة.
غالبا ما رفضت المؤسسات المالية العمل في سوريا خوفا من المخاطر القانونية والعقوبات المحتملة، حتى عند وجود إعفاءات. أدى هذا الأثر المحبط إلى انتشار “إزالة الخطر” المالي عبر قطع قنوات المصارف، وتصعيب التحويلات للمساعدات الإنسانية، والتجارة، ومشاركة القطاع الخاص. حذرت المنظمات الإنسانية أكثر من مرة من أن مثل هذه الإجراءات القصيرة الأمد لا تقدم ثقة كافية للشركات والمؤسسات المالية لتستأنف العمل في سوريا. انتقد خبراء أمميون أيضا الإعفاءات بوصفها “غير فعالة“، مشيرين إلى عيوب بنيوية تعيق العمل الإنساني.
تعارض هيومن رايتس ووتش العقوبات ذات الآثار السلبية غير المتناسبة على حقوق الإنسان أو التي تخلق معاناة غير ضرورية، وموقفها هو رفض أن تكون العقوبات عقابية، بل يجب أن تُوضَع لمنع انتهاكات حقوق الإنسان أو تصحيحها. لتكون العقوبات فعالة، يجب أن ترتبط بشروط واضحة، وقابلة للقياس، وقابلة للتحقق لإزالتها مع متابعة منتظمة لتقييم التقدم. وُضع قانون قيصر الأمريكي ليعاقب حكومة الأسد، لكن في عالم ما بعد الأسد، هناك خطر أن تؤذي القيود الواسعة وغير المحددة المدنيين بدون تعزيز أهداف حقوقية واضحة.
قالت زيادين: “بدل استخدام العقوبات القطاعية الواسعة كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية متغيّرة، على الحكومات الغربية أن تدرك الأذى المباشر اللاحق بالمدنيين وتتخذ خطوات فعلية لرفع القيود التي تعيق الحقوق الأساسية. المقاربة الجزئية القائمة على الإعفاءات المؤقتة والاستثناءات المحدودة ليست كافية. يجب فورا رفع العقوبات التي تؤذي المدنيين وليس تنقيحها”.