الولايات المتحدة: لا تَنقلوا المهاجرين قسرا إلى ليبيا
(نيويورك) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على الولايات المتحدة عدم نقل المهاجرين قسرا إلى ليبيا، حيث ظروف الاحتجاز لاإنسانية، والتعذيب وسوء المعاملة والاعتداء الجنسي وعمليات القتل غير المشروعة موثقة جيدا. أفادت تقارير إعلامية عديدة نقلا عن مسؤولين أمريكيين أن إدارة ترامب قد ترحّل عددا غير معروف من المهاجرين المحتجزين إلى ليبيا. وقد حكم قاض أمريكي بأنه لا يمكن للحكومة المباشرة بترحيل الناس إلى ليبيا.
أصدرت “حكومة الوحدة الوطنية” في طرابلس ووزارة خارجيتها بيانات تنفي تقارير عن وجود صفقة مع إدارة ترامب، وكذلك فعلت “القوات المسلحة العربية الليبية” المناوئة لها التي تسيطر على شرق البلاد ووزارة خارجيتها. قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ردا على سؤال حول الخطط: “لا أعرف”.
قالت حنان صلاح، المديرة المشاركة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لا يُعقل أن تُجبَر دولة مُمزقة مثل ليبيا على استقبال المزيد من المُحتجزين، مع تاريخها المُوثق جيدا الذي يشمل ظروف احتجاز مُروعة على يد جماعات مُسلحة غير خاضعة للمساءلة. معاملة ليبيا للمهاجرين بالغة السوء، ومراكز الاحتجاز غير إنسانية، وليس لدى اللاجئين أي مكان يلجؤون إليه طلبا للحماية”.
في 7 مايو/أيار 2025، أصدر قاضٍ فيدرالية أمريكي بناء على طلب مُدافعين عن حقوق المهاجرين بأن أي مسعى لترحيل المهاجرين إلى ليبيا يُمثل انتهاكا “واضحا” لأمر قضائي سابق يمنع المسؤولين من التعجيل في ترحيل المهاجرين إلى دول أخرى بخلاف دولهم بدون التدقيق مُسبقا فيما إذا كانوا سيواجهون الاضطهاد. تشير ملفات المحكمة إلى أن المسؤولين في إدارة ترامب أعطوا المُحتجزين في مركز في تكساس إخطارا شفهيا بطردهم إلى ليبيا، وفي حالة واحدة على الأقل، أُعطوا أوراقا للتوقيع عليها. بينهم مواطنون من الفليبين وفيتنام ولاوس والمكسيك.
وثّقت هيومن رايتس ووتش على مدى عقدين الظروف اللاإنسانية والانتهاكات الجسيمة في مراكز احتجاز المهاجرين والسجون في ليبيا. تخضع معظم هذه المراكز لسيطرة جماعات مسلحة منتهِكة وغير خاضعة للمساءلة. تشمل هذه الانتهاكات الاكتظاظ الشديد، والضرب، والتعذيب، ونقص الطعام والماء، والعمل القسري، والاعتداء الجنسي والاغتصاب، واستغلال الأطفال.
وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى انتشار الاحتجاز التعسفي المطوَّل، والاختفاء القسري للرجال والنساء، والموت تحت التعذيب، والقتل غير القانوني في أماكن الاحتجاز.
انتهاكات حقوق المعتقلين منهجية ومتفشية، وقد صرّحت الأمم المتحدة بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. لا تتمتع المنظمات الإنسانية الكبرى، بما فيها وكالات الأمم المتحدة وخبراؤها، بوصول منتظم إلى السجون ومراكز الاحتجاز الليبية.
يُسلّط كل تقرير سنوي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية منذ العام 2011 على الأقل عن ممارسات حقوق الإنسان في ليبيا، الضوء على أنماط الانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، والاختطاف، وظروف الاحتجاز اللاإنسانية، والتعذيب وسوء المعاملة على يد الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية.
القضاء الليبي مشرذم وعاجز عن تلبية الاحتياجات، إذ تغيب المراجعة القضائية الكافية والحقوق المتعلقة بالإجراءات القانونية الواجبة. الجماعات المسلحة وقوات الأمن شبه الحكومية التي تسيطر على مراكز الاحتجاز لا تُنفّذ دائما أوامر الإفراج أو تحضر المحتجزين الذين يتم استدعاؤهم أمام المحكمة.
ما تزال الانقسامات العميقة قائمة في ليبيا، حيث تتنازع سلطتان متناوئتان الحكم. تسيطر حكومة الوحدة الوطنية، المُعيّنة كسلطة مؤقتة عبر عملية توافقية بقيادة الأمم المتحدة، والجماعات المسلحة التابعة لها على غرب ليبيا. وتسيطر مناوئتها، القوات المسلحة العربية الليبية والأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة لها، على شرق البلاد وجنوبها. تُعرف إدارة مدنية تابعة للقوات المسلحة العربية الليبية باسم “الحكومة الليبية”. وتُدير الجماعات المسلحة والأجهزة الأمنية مراكز احتجاز في جميع أنحاء البلاد، بينما تُمارس وزارة العدل التابعة لحكومة الوحدة الوطنية إشرافا شكليا على السجون.
في مارس/آذار، شنّت قوات الأمن التابعة لحكومة الوحدة الوطنية مداهمات في مدن غربية عدة، منها طرابلس، واعتقلت مهاجرين ولاجئين بعنف، وسط تجدد التصريحات التمييزية ذات الدوافع العنصرية من قِبل السلطات في كل من شرق البلاد وغربها. في 2 أبريل/نيسان، صعّد “جهاز الأمن الداخلي” في طرابلس قمعه، فأغلق مقرات 10 منظمات دولية غير حكومية كانت تُقدّم الدعم إلى المهاجرين واللاجئين.
تشير إحدى الدعاوى القضائية الأمريكية إلى أن محتجزا من لاوس أُبلِغ شفهيا بأنه سيُرحَّل قريبا إلى السعودية على متن رحلة عسكرية. توثّق هيومن رايتس ووتش منذ سنوات سجل السعودية الحقوقي المُزري، بما يشمل ظروف الاحتجاز التي يتعرّض لها المهاجرون، كالتعذيب، والضرب، ومزاعم خطيرة عن الوفاة أثناء الاحتجاز، والاكتظاظ الشديد، بالإضافة إلى حالات سابقة من التعذيب وسوء المعاملة بحق محتجزين سعوديين.
استغلّت إدارة ترامب قانون “الأعداء الأجانب” للالتفاف على الإجراءات القانونية الواجبة الأساسية وحماية حقوق الإنسان لتنفيذ عمليات ترحيل جماعي للمهاجرين، بما في ذلك ترحيل 137 فنزويليا على الأقل إلى السلفادور، حيث يُحتجزون تعسفا إلى أجل غير مسمى، بمعزل عن العالم الخارجي في سجن سيئ الصيت.
كما نفّذت عمليات طرد جماعي بحق 299 مواطنا من دول ثالثة إلى بنما، فجعلتهم عرضة لظروف احتجاز قاسية وسوء المعاملة، مع حرمانهم أيضا من الإجراءات القانونية الواجبة والحق في طلب اللجوء. كما طردت الولايات المتحدة 200 مواطن من دول ثالثة، بينهم 81 طفلا، إلى كوستاريكا بدون احترام الإجراءات الواجبة.
“الاتحاد الأوروبي” ودوله الأعضاء ضالعون أصلا في انتهاكات جسيمة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يتم اعتراضهم في البحر وإعادتهم إلى ليبيا. وقد تفاقمت الأزمة جراء استمرار تعاون الاتحاد ودوله الأعضاء مع قوات حرس السواحل الليبية المنتهِكة والخطيرة، ومنحها الإمدادات والدعم الفني والمراقبة الجوية لمساعدتها على اعتراض المهاجرين المتجهين إلى أوروبا في البحر. المهاجرون وطالبو اللجوء الذين تعيدهم هذه القوات المنتهكة إلى ليبيا يُحتَجزون تعسفا ويواجهون خطر التعرض لأذى جسيم.
عمليات الطرد الجماعي بإجراءات موجزة من الولايات المتحدة تنتهك القانون الدولي. ولا يوجد في القانون الليبي أي نص يسمح باحتجاز مواطن من دولة ثالثة رُحِّل من الولايات المتحدة. كما أن احتجاز المهاجرين في ليبيا تعسفي وينتهك حقوق الإجراءات القانونية الواجبة لعدم وجود سبيل انتصاف أو حق استئناف. ليبيا ليست طرفا في “اتفاقية اللاجئين لعام 1951” وليس لديها أي قانون أو إجراءات للّجوء.
قالت صلاح: “طرد أشخاص إلى دول معروفة بظروف الاحتجاز المروعة يُظهر تجاهل إدارة ترامب التام للإجراءات القانونية الواجبة. مع الطرد إلى ليبيا، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هناك أي دولة في العالم لن تُرسل إدارة ترامب أحدا إليها”.