الولايات المتحدة: ترامب يأذن بعقوبات على “الجنائية الدولية”
(واشنطن) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن عقوبات الحكومة الأمريكية على “المحكمة الجنائية الدولية” تقوّض المساءلة الدولية عن أخطر الجرائم، وتحرم الضحايا حول العالم من العدالة. أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا في 6 فبراير/شباط 2025 يجيز تجميد الأصول وحظر الدخول على مسؤولي المحكمة وغيرهم ممن يدعمون عملها.
قالت ليز إيفنسون، مديرة العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: “الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن المحكمة الجنائية الدولية يضع الولايات المتحدة فعليا إلى جانب مجرمي الحرب على حساب ضحايا الجرائم الخطيرة الذين يسعون إلى العدالة. على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية دعم المحكمة علنا وبقوة لتقوم بالمهمة التي أنشئت من أجلها، وهي ضمان ألا يكون أحد فوق القانون”.
الأمر، الذي أصدره ترامب خلال الأسبوع الذي كان فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، هو إعلان واضح أن إدارته تسعى إلى حماية المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين من مواجهة اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أمام الجنائية الدولية. أصدر قضاة المحكمة مذكرتَيْ توقيف ضد نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وجد قضاة الجنائية الدولية أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الأقل، بما يشمل تجويع المدنيين، وتوجيه هجمات متعمدة ضد سكان مدنيين، والقتل العمد، والاضطهاد.
كما أصدر قضاة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق محمد دياب إبراهيم المصري (المعروف باسم محمد الضيف)، القائد العام لـ “كتائب القسام”، الجناح العسكري لـ “حماس”. أعلنت كتائب القسام في 30 يناير/كانون الثاني أن الضيف قُتل أثناء الأعمال العدائية.
المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الدولية الدائمة التي أنشئت لمحاكمة الأشخاص، بمن فيهم ذلك كبار المسؤولين، المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجريمة العدوان. انضم إلى المحكمة حتى الآن 125 دولة، أي نحو ثلثي أعضاء الأمم المتحدة.
الجنائية الدولية هي محكمة الملاذ الأخير، إذ تتدخل عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة على إجراء مسار قضائي حقيقي أو غير راغبة في ذلك. بالإضافة إلى تحقيقاتها في فلسطين، فتحت المحكمة تحقيقات في الفظائع المزعومة في 16 حالة، منها دارفور بالسودان، وبنغلادش/ميانمار، وأوكرانيا، وفنزويلا.
يجيز الأمر التنفيذي الصادر في 6 فبراير/شباط فرض عقوبات على غير الأمريكيين الذين يساعدون في التحقيقات التي تعترض عليها الإدارة الأمريكية. ينص الأمر على تجميد الأصول وحظر الدخول ضد “المدرجين في الملحق بهذا الأمر التنفيذي”. لم يُكشف علنا عن الملحق. ينص الأمر التنفيذي أيضا على تجميد الأصول وحظر الدخول ضد “أي شخص أجنبي … يشارك بشكل مباشر أو يساعد بأي شكل آخر في أي جهد تبذله المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بشأن شخص محمي أو اعتقاله أو احتجازه أو مقاضاته”. ويُعرَّف “الشخص المحمي” بأنه أي شخص أمريكي أو أي مواطن أو مقيم قانوني في الدول حليفة الولايات المتحدة التي ليست عضوة في المحكمة أو لم توافق على ولايتها الدولية على ذلك الشخص.
يمكن أيضا تطبيق العقوبات على الآخرين الذين يدعمون تحقيقات المحكمة، بينما يمكن تطبيق حظر الدخول على أفراد عائلات الأشخاص الخاضعين للعقوبات وموظفي المحكمة الآخرين. يتطلب الأمر التنفيذي من وزير الخزانة الأمريكي، بعد التشاور مع وزير الخارجية، تقديم تقرير خلال 60 يوما إلى الرئيس بشأن الأشخاص الإضافيين الذين ستُفرض عقوبات عليهم.
في 9 يناير/كانون الثاني 2025، أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعا يسمح بفرض عقوبات تستهدف المحكمة، ولكن في 28 يناير/كانون الثاني، صوّت مجلس الشيوخ ضد السير قدما بمشروع القانون.
عام 2020، خلال ولايته الأولى، فرض الرئيس ترامب عقوبات على المدعية العامة للمحكمة آنذاك فاتو بنسودا ومسؤول قضائي كبير آخر في المحكمة بعد قرار بنسودا طلب الإذن بفتح تحقيق في الوضع في أفغانستان، والذي شمل قضايا محتملة ضد مواطنين أمريكيين. انتقدت الحكومات عدة العقوبات، التي طُعن فيها بدعويَيْن قضائيتين في محكمة فيدرالية أمريكية. ألغت إدارة بايدن العقوبات. لا توجد أمام الجنائية الدولية قضايا يُنتظر البت فيها ضد مواطنين أمريكيين.
للعقوبات الأمريكية آثار خطيرة على المستهدَفين، الذين يُمنعون من التصرف بأصولهم في الولايات المتحدة ويُحرمون من التعاملات التجارية والمالية مع “الأشخاص الأمريكيين”، بما في ذلك البنوك والشركات الأخرى. كما أن للعقوبات الأمريكية تأثير مخيف على البنوك غير الأمريكية والشركات الأخرى خارج نطاق الولاية القضائية الأمريكية، التي قد تفقد هي نفسها القدرة على استخدام النظام المصرفي الأمريكي ما لم تدعم العقوبات. يواجه الأشخاص الأمريكيون عقوبات تشمل الغرامات والسجن جراء انتهاك العقوبات.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الأمر التنفيذي يبدو مصمما ليس لترهيب مسؤولي المحكمة وموظفيها المشاركين في التحقيقات الهامة للمحكمة فحسب، بل أيضا لتجميد التعاون الأوسع مع المحكمة، ما يؤثر على حقوق الضحايا على مستوى العالم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن العقوبات الأمريكية تضاف إلى جهود أخرى لتقويض العدالة الدولية. في 1 مايو/أيار 2024، دعا نتنياهو الحكومات إلى منع المحكمة من إصدار أوامر. يدرس البرلمان الإسرائيلي حاليا مشروع قانون يهدف إلى حماية المسؤولين الإسرائيليين من تحقيقات المحكمة من خلال “حظر كل التعاون الرسمي” بين السلطات الإسرائيلية والمحكمة ومعاقبة الأفراد الذين يساعدونها.
بعد أن هدد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في أبريل/نيسان 2024 المدعي العام للجنائية الدولية بفرض عقوبات، دعا مكتب المدعي العام إلى الوقف الفور لجميع محاولات “العرقلة أو الترهيب أو التأثير بشكل غير لائق” على المكتب. جرّمت السلطات الروسية التعاون مع المحكمة وأصدرت مذكرات توقيف ضد قضاتها ومدعيها العام، ردا على مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب نقل الأطفال وترحيلهم بشكل غير قانوني من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى روسيا.
في حين أن الولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة، تناقض هذه العقوبات الدعم المتزايد للمحكمة بين المسؤولين الأمريكيين في السنوات الأخيرة. بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، أشاد المسؤولون المنتخبون الجمهوريون والديمقراطيون بجهود المحكمة للتصدي لجرائم الحرب المزعومة في أوكرانيا من قبل القوات الروسية، وتحرك الكونغرس الأمريكي للسماح بالتعاون الأمريكي مع التحقيق الذي تجريه المحكمة بشأن أوكرانيا.
مع اقتراب خطر العقوبات الأمريكية، أعلنت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وقيادة “جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية”، و”الاتحاد الأوروبي“، وخبراء الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني اعتراضها على الجهود الرامية إلى عرقلة عمل المحكمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه على الدول الأعضاء في المحكمة تأكيد التزامها بالدفاع عنها، ومسؤوليها، والمتعاونين معها من أي تدخل وضغط سياسي. كما ينبغي للدول الأعضاء وضع تدابير لحماية العمل الأساسي للمحكمة من العقوبات، بما فيه سن تشريعات مانعا وغيرها من التدابير المماثلة. ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفرض فورا تشريعا مانعا لتخفيف آثار العقوبات الأمريكية.
قالت إيفنسون: “قد يكون للعقوبات الأمريكية تأثير واسع على عمل المحكمة الجنائية الدولية، ما يقوّض كل القضايا في جدول أعمالها. على الدول أعضاء المحكمة إثبات أنها ستضمن استمرار المحكمة في تحقيق العدالة في أفظع الجرائم، أيا كان المسؤول عنها”.