الوفاء بوعود بايدن الانتخابية بشأن السياسة السعودية-الإماراتية بحاجة إلى إصلاح شامل
كانت السنوات الأربع الأخيرة من السياسة الأمريكية تجاه السعودية والإمارات قاتمة لحقوق الإنسان. كثُرت انتهاكات قوانين الحرب في الحملة العسكرية بقيادة البلدَيْن في اليمن وساهمت في دفع البلاد إلى حافة المجاعة.
قتل عملاء سعوديون بشكل مروّع الصحفي في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا. كما صعّد القادة السعوديون والإماراتيون حملاتهم ضدّ المعارضة الداخلية.
تجاهلت إدارة ترامب هذه الانتهاكات أو أتاحت ارتكابها، بينما تذرعت بمكر بمخاوف متعلّقة بحقوق الإنسان لتبرير حملة من العقوبات على إيران لممارسة “الضغط الأقصى”، وبسبب شدّتها، هدّدت حقّ الإيرانيين العاديين في الرعاية الصحية، واستمرّ ذلك في خضم تفشي فيروس “كورونا”.
أظهرت إدارة بايدن التزاما مبدئيا بوعودها الانتخابية بـ “إعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة مع السعودية، وإنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، وضمان عدم تخلي أمريكا عن قيمها في سبيل بيع الأسلحة أو شراء النفط”.
صرّح الرئيس جو بايدن في خطاب عن السياسة الخارجية في وزارة الخارجية في 4 فبراير/شباط أنّ الولايات المتحدة “ستنهي كل أشكال الدعم للعمليات الهجومية في حرب اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة المرتبطة بها”.
وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، أوقفت الولايات المتحدة مؤقتا مبيعات الأسلحة للسعودية، وهي في طور “التدقيق في مشتريات” الإمارات، بينما وعدت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز بإطلاع الكونغرس على تقرير غير سرّي عن مقتل خاشقجي.
على الرغم من أنّ هذه الخطوات المبكرة مهمة، إن كان بايدن يرغب في تحقيق وعوده الانتخابية بدعم حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير علاقتها مع السعودية والإمارات تغييرا جذريا.
قال بايدن في خطابه في وزارة الخارجية إن الولايات المتحدة “ستواصل دعم السعودية ومساعدتها في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها وشعبها”.
مع ذلك، من المهم ألا تستخدم الولايات المتحدة ذلك مبررا للاستمرار في عقد صفقات الأسلحة بمليارات الدولارات التي كانت نعمة على شركات الأسلحة الأمريكية ونقمة على المدنيين اليمنيين.
استخدم التحالف بقيادة السعودية والإمارات أسلحة أمريكية في بعض أكثر الهجمات تدميرا التي شُنّت على المدنيين في اليمن، بما في ذلك غارتان على سوق وجنازة، قَتل كل منهما قرابة 100 شخص، وقد ترقيان إلى جرائم حرب.
من الضروري أن تضمن الولايات المتحدة عدم امتلاك السعودية والإمارات وسائل لارتكاب مزيد من الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب في اليمن.
على إدارة بايدن وضع حد لمبيعات الأسلحة لكلَيْ البلدَيْن، ما لم يتخذا خطوات مجدية لإنهاء انتهاكاتهما في اليمن ويتحركا لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. لكن حتى الآن، لم تُبدِ السعودية ولا الإمارات أي استعداد لفعل ذلك.
وثّقت “هيومن رايتس ووتش” هذه الأنماط من الهجمات غير القانونية لسنوات، ولهذا السبب، ناشدنا بفرض حظر أسلحة على كل من السعودية والإمارات.
بالرغم من سجلهما الحافل، تفادت القوتان الخليجيتان المساءلة عن الضربات الجوية غير القانونية، ما يعطي أولوية خاصة لإلغاء صفقة بيع الأسلحة الأمريكية للإمارات التي اقتُرحت العام الماضي بقيمة 23 مليار دولار، وتضمّ حزمة من الطائرات المقاتلة من طراز F-35، والطائرات المسلّحة من دون طيار من طراز MQ-9، والقنابل والصواريخ، بحسب “مركز السياسة الدولية”، إذ يمكن استخدام مثل هذه الأسلحة فورا في اليمن وفي نزاعات أخرى حيث نفذت الإمارات ضربات غير قانونية، مثل ليبيا.
دعت إدارة بايدن في 28 يناير/كانون الثاني الأطراف الخارجية في النزاع الليبي، بما فيها الإمارات، إلى “وقف جميع التدخلات العسكرية في ليبيا”.
قد يؤدي إلغاء مبيعات الأسلحة الأمريكية المزمعة إلى زيادة الضغط على الإمارات، ليس فقط لوقف دعم الجماعات المسلحة المحلية الجائرة في اليمن، لكن أيضا لإنهاء تدخّلها في ليبيا.
قدمت إيطاليا مؤخرا مثالا يُحتذى به بإلغاء تصاريح لبيع آلاف الصواريخ والقنابل للسعودية والإمارات بسبب دورهما في اليمن.
ينبغي أن تدقّق إدارة بايدن في تعاونها العسكري مع القوات السعودية والإماراتية بتطبيق “قوانين ليهي” والمعايير المماثلة التي من شأنها وقف تزويد الوحدات المتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن بالتجهيزات، والأسلحة، والتدريب الأمريكي.
لطالما كان واضحا تذرّع الولايات المتحدة مرارا بأسباب مختلفة لعدم تطبيق هذه القوانين، وفي النهاية، أصبحت متواطئة بإهمالها.
على الولايات المتحدة أيضا فرض عقوبات على المسؤولين السعوديين والإماراتيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان بموجب “قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة عن حقوق الإنسان” والأمر التنفيذي رقم 13818 الذي يكمله وينفّذه.
كما استخدمت إدارة ترامب هاتين الأداتين لمعاقبة 17 مسؤولا سعوديا “لدورهم” في مقتل خاشقجي، ينبغي أن تنظر إدارة بايدن في تطبيقهما على القادة العسكريين السعوديين والإماراتيين الذين أشرفوا على هجمات غير قانونية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة في اليمن أو أمروا بها، وعلى المسؤولين السعوديين الذين أشرفوا على الاعتداء على ناشطات حقوق المرأة المحتجزات وتعذيبهن.
حتى العام الماضي، وثقت هيومن رايتس ووتش اعتقال القوات السعودية التعسفي لليمنيين، وإخفاءها القسري لهم، وتعذيبهم. كما ارتكبت القوات البرية الإماراتية ووكلاؤها انتهاكات خطيرة، من بينها التعذيب والعنف الجنسي في سجون استجوب فيها ضباط أمريكيون أيضا السجناء، بحسب مسؤولين أمريكيين.
ينبغي أيضا أن تعبّر إدارة بايدن علنا عن مخاوفها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل لقادة السعودية والإمارات. يسير الحاكم الفعلي للسعودية، محمد بن سلمان، على خطى نظيره في دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، في التعامل مع جميع أشكال المعارضة الداخلية على أنها تهديد للأمن القومي.
منذ تولي بن سلمان السلطة في عام 2015، سجنت حكومته رجال دين إصلاحيين، وأمراء بارزين، ورجال أعمال، وناشطين في مجال حقوق المرأة، وحتى خبيرا اقتصاديا.
اتضح بالفعل أن القرارات المبدئية لإدارة بايدن، مثل إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، كان لها تأثير ملموس على اعتبارات بن سلمان بشأن التكلفة الخارجية للقمع الداخلي، إذ أُفرج مؤقتا عن العديد من السعوديين الذين اعتُقلوا لنقدهم السلمي، بمَن فيهم المواطنان الأمريكيان صلاح الحيدر وبدر الإبراهيم وناشطة حقوق المرأة لجين الهذلول.
من المستبعد أن يكون إسكات الأصوات المستقلة بهذا الشكل طريقة ناجحة لتحقيق استقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط، وهو الهدف الذي تدّعي السياسة الأمريكية أنها تسعى لتحقيقه.
يمكن لإدارة بايدن البناء على هذا الزخم من خلال الدعوة إلى الإفراج الفوري عن المدافعين عن حقوق الإنسان، مثل أحمد منصور في الإمارات وعدد لا يحصى من الناشطين في السعودية الذين سُجنوا وأُدينوا لنشاطهم السلمي، ومطالبة السعودية برفع حظر السفر والأحكام المعلّقة ضد النشطاء المفرج عنهم مثل الهذلول.
على الرغم من خروجهم من السجن، يتعرّض عدد من النشطاء السعوديين المفرج عنهم مؤخرا، إلى جانب الهذلول، لخطر العودة الفورية إلى السجن، في حال ارتكابهم أيّ زلّة.
ينبغي الابتعاد عن أسلوب الإدارة السابقة بشكل واضح واتباع نهج أكثر اتساقا في مجال حقوق الإنسان تجاه السعودية والإمارات للدفاع عن حقوق الناس في البلدَيْن بالطريقة نفسها المعتمدة مع الأشخاص الذين يواجهون قمعا بلا هوادة في إيران.
لدى السعودية والإمارات حكومتان شديدتا الاهتمام بصورتهما، وتنفقان المليارات على شركات العلاقات العامة، والمشاهير، والفنانين، والشخصيات الرياضية لتلميع هذه الصورة والتغطية على سجلهما الرهيب في حقوق الإنسان.
ينبغي أن يكون انتقاد الولايات المتحدة المنتظم والمباشر للانتهاكات السعودية والإماراتية جزءا لا يتجزأ من إعادة تقييم إدارة بايدن لسياستها، بحيث “تكون حقوق الإنسان أولوية حتى مع أقرب شركائنا الأمنيين”، كما وعد الرئيس في الانتخابات.
اقرأ أيضاً: ما ينبغي على “جو بايدن” فعله تجاه منتهكي حقوق الإنسان في الشرق الأوسط