الأورومتوسطي يذكّر: سنة دراسية أخرى تُسرق من حياة أكثر من مليوني طفل سوري
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – إحدى أكثر خسائر النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية تأثيرًا على المجتمعات والأفراد هي تلك التي عادةً ما يصعب حصرها أو تعدادها.
حيث أنها لا تظهر على المدى الزمني القريب، لكنها تلحق أضرارًا مادية ومعنوية عميقة الأثر وبعيدة المدى.
الحرمان من التعليم يعد أحد أبرز الأمثلة على الخسائر الفادحة التي عادة ما لا يتم شملها ضمن إحصاءات الخسائر، لكنه يتسبب بأضرار تصل في بعض الأحيان إلى “تشويه” مجتمعات بأكملها.
يعد التعليم حقًا أساسيًا للجميع بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) واتفاقية حقوق الطفل (1989).
إلا أن النزاعات المسلحة والتوترات الأمنية، إلى جانب عوامل أخرى كالفقر والأزمات الإنسانية، جعلت من هذا الحق أمرًا بعيد المنال عن ملايين الأطفال حول العالم، أو -في أفضل الفرضيات- عرضةً للانقطاع أو التأخير.
لا ينكشف الوجه القبيح لهذه المشكلة عادةً سوى حين يخمد صوت الحرب قليلًا ويبدأ موسم العودة إلى المدارس.
حيث تقل عادةً نسبة الأطفال العائدين إلى المدرسة بعد كل نزاع مسلح؛ إما نتيجة للأضرار المباشرة كالإصابات والإعاقات الجسدية وتضرر المباني الدراسية والسكنية والنزوح وفقدان أفراد العائلة، أو بسبب الأضرار غير المباشرة، كالفقر والبطالة وعمالة الأطفال والآثار النفسية طويلة الأمد.
ونتيجة للنزاع المستمر فيها، فإن أكثر الأطفال الذين يبقون خارج قاعات الدراسة ينحدرون من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك سوريا واليمن والسودان.
تشير تقديرات “يونيسف” لعام 2021 إلى أن أكثر من مليوني طفل في سوريا ما يزالون محرومين من التعليم جراء الحرب وما تبعها من حالات نزوح، فقد بلغ عدد النازحين الأطفال داخل سوريا نحو 2.6 مليون طفل.
إضافة إلى ذلك، فإن تدهور الوضع المعيشي في البلاد ووصول عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى ما يزيد عن 90%، أجبر الكثير من الأطفال على ترك الدراسة والتشبث بالعمل للمساعدة في تغطية نفقات أسرهم.
لكن تلك العوامل فاقمها كذلك العجز المضطرد في مقاعد الدراسة، وإغلاق أبواب عشرات المدراس أمام طلابها نتيجة للأضرار التي لحقت بها.
على سبيل المثال، تشير إحصاءات يونيسيف إلى أن المدارس في سوريا تعرضت إلى نحو 4,000 اعتداء منذ عام 2011.
وأشارت التقارير إلى أن واحدة من كل ثلاث مدارس خرجت عن الخدمة جراء تعرضها للدمار الكامل أو للضرر الجزئي، أو لأنها حولت إلى ثكنات عسكرية أو مراكز إيواء للنازحين من مناطق أخرى بسبب القصف والمنازل المهدمة.
كذلك، رُصدت استخدامات أخرى للمدارس، حيث تحول عدد منها إلى مراكز اعتقال واستجواب للطلبة من قبل الأجهزة الأمنية وعناصر المخابرات.
أدى الأمر بطبيعة الحال إلى فقدان المؤسسات التعليمية حرمتها وحياديتها من جهة، ومحاصرة الأطفال من جهة أخرى بخيارين؛ إما التعرض للاستغلال والتجنيد وإما الحرمان من الحق في التعليم، وفي كلا المسارين لا يمكن توقع أي نوع من السيناريوهات السارة حول حاضرهم ومستقبلهم.
أما فيما يتعلق بالمدارس التي ما تزال صالحة للاستخدام، فغالبًا ما تكون صفوفها مكتظة أو متهالكة وآيلة للسقوط في أية لحظة.
هذا بالإضافة إلى افتقار المدارس للمياه والكهرباء والتهوية ومرافق الصرف الصحي وغيرها من الخدمات الأساسية التي من شأنها توفير أجواء دراسية مستقرة وآمنة للطلاب.
وذلك بخلاف المشاكل الأخرى الناجمة عن نقص الكوادر التعليمية وقلة مستلزمات التعليم وسوء جودة المناهج الدراسية.
مع ذلك، فإن واقع الأطفال السوريين الذين فروا من تلك التهديدات ولجأوا إلى دول أخرى ليس أفضل حالًا، حيث يبقى جزء كبير منهم يعاني أضعاف غيره من خطر الحرمان من التعليم، خاصةً أولئك الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية ووثائقهم التعريفية، الأمر الذي يحول التحاقهم بمدارس الدول المضيفة إلى عملية معقدة ومرهقة.
إلى جانب ذلك، فإن تردي أوضاع اللاجئين السوريين المعيشية في دول اللجوء وصعوبة استخراج تصاريح الإقامة وغياب الدعم اللوجستي.
بالإضافة إلى قلة التمويل الدولي والإنفاق الحكومي العام على التعليم بما يتلاءم مع المعايير الدولية، بالإضافة إلى عدم اعتراف الدول المضيفة بشهادات الطلبة اللاجئين ونقص أعداد المدارس وتزايد العنصرية والكراهية ضد اللاجئين والأجانب.
جميع هذه العوامل ساهمت في مغادرة أكثر من 800 ألف طفل سوري في دول الجوار مقاعد الدراسة، منهم 300 ألف طفل سوري في تركيا يشكلون نحو 35% من إجمالي عدد الأطفال السوريين في سن التعليم في تركيا.
علاوة على ذلك، فإن نحو 30% آخرين لم يدخلوا المدرسة قط في لبنان، بينما تتوزع البقية على دول اللجوء الأخرى مثل الأردن والعراق وأوروبا.
قد تبدو مشكلة تعليم الأطفال السوريين متشعبة ومعقدة إلى حد كبير، وهي كذلك بالفعل، ولكن هذا لا يمنع من التذكير بالمبادئ الأساسية والتأكيد على أن التعليم حق أساسي لكل طفل.
ويجب التأكيد على أن تكون المدارس أماكن آمنة وملائمة لاستقبالهم واحتوائهم، دون الخوف من غارات جوية أو خطابات كراهية أو إجراءات بيروقراطية أو أي نوع من العقبات الأخرى التي تعرقل طريق الأطفال إلى المدرسة.
وفي ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمنح الأطفال السوريين الحق في التعليم، فلن يكون من المنطقي أن نتوقع مستقبلًا مختلفًا لسوريا أو العالم.