الأورومتوسطي يدين قطع أوروبا كل خيوط النجاة عن اللاجئين

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – فعلت حكومات الدول الأوروبية كل ما بوسعها كي تمنع المهاجرين وطالبي اللجوء من الوصول حدودها ودخول أراضيها.

فقامت بانتهاك القوانين الدولية ومبادئ الإنسانية التي تدعي أنها تطبقها وتقودها وتحاضر بها دول العالم الأخرى أيضًا.

في المقابل، رفضت مجموعات من المدافعين عن حقوق الإنسان، وتحديدًا في مجال الهجرة واللجوء، الوقوف مكتوفة الأيدي.

فقاموا بالاحتجاج على الواقع الإنساني المأساوي الذي يواجهه آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء كل يوم. فهؤلاء اللاجئين قد لفظتهم أوطانهم الأصلية خارجها جراء الحروب والأنظمة الاستبدادية.

لكن الدول الأوروبية أجبرت هؤلاء الأشخاص على دفع ثمن مقابل تضامنهم.

فقد تعرض ما لا يقل عن 158 شخصًا للتحقيق أو المحاكمة رسميًا في 11 دولة أوروبية بين عام 2015 و 2019. واتهموا بالاتجار بالبشر والتجسس والانتماء لتنظيمات إجرامية.

حين بدأت ما تسمى بـ “أزمة اللجوء” عام 2015، تجلت دبلوماسية النفاق الأوروبية بممارستها أشكالًا مختلفة.

فقامت بترهيب منظمات ونشطاء مدافعين عن حقوق الإنسان والتضييق عليهم. وتحديدًا أولئك الذين بادروا في دعم المهاجرين وطالبي اللجوء.

وتشمل الخدمات التي تُقدم لطالبي اللجوء المهاجرين وتعتبرها دول أوروبية جريمة تقديم الطعام والمأوى، والتوعية بالحقوق. بالإضافة إلى التغريد عبر موقع تويتر، ونقل الأطفال إلى مركز الشرطة.

وأيضاً تنبيه خفر السواحل بحالات غرق أو إنقاذ الأشخاص في عرض البحر. وتشمل أيضاً إيقاف أو حماية المهاجرين من عمليات ترحيل جوية أو برية.

وعوضًا عن مراجعة تلك الدول حساباتها أو تقديم الدعم للجهود الفردية والمدنية الهادفة لإنقاذ الأرواح، اتبعت الدول سياسات عقابية.

مثل اليونان وإيطاليا وكرواتيا وفرنسا ومالطا وإسبانيا وسويسرا وبريطانيا. فقد استهدفت هذه الدول مقدمي الرعاية والمتطوعين لعرقلة أنشطتهم التضامنية، وذلك من خلال التشهير بهم.

بالإضافة إلى التحقيق الجنائي، أو المقاضاة في المحاكم، أو فرض رسوم قانونية وغرامات (قد تصل إلى 81,000 يورو). وشملت أيضاً المنع من دخول البلاد.

وفي حالات أخرى، اتخذت السلطات الأوروبية إجراءات أكثر إجحافًا ضد المتضامنين مع المهاجرين وطالبي اللجوء. فقامت باحتجازهم عدة شهور في الحبس الاحتياطي أو الحكم عليهم بالسجن المؤبد (25 عامًا).

وقد استندت السلطات لتهم غير دقيقة، أو غير متناسبة وغير عادلة مع الفعل بموجب القانون الجنائي.

وبهدف فرض هذا الواقع، وظفت بعض الحكومات الأوروبية تشريعات مكافحة تهريب البشر والإرهاب، لتوجيه تهم تتعلق بالتجسس أو بتسهيل دخول أشخاص بشكل غير قانوني إليها.

فيما أدخلت حكومات أخرى تشريعات جديدة من شأنها تقييد برامج وفعاليات المؤسسات النشطة في مجال الهجرة واللجوء.

ففي عام 2020، فرضت اليونان شروطًا ومتطلبات شاقة ومرهقة على أعمال هذه المنظمات. وهذه طرق تنتهك الحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها.

ولا سيما أن “إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان”، يكفل الحق لكل فرد وهيئة في العمل في ميدان حقوق الإنسان.

ويكفل الإعلان تعزيز الكرامة دون الخوف من أي عنف، أو تهديدات، أو انتقام، أو تمييز ضار فعلًا أو قانونًا، أو ضغط، أو أي إجراء تعسفي آخر.

ترتب على الإجراءات العقابية التي فرضتها دول أوروبية على النشطاء والمنظمات توقفهم في عدد من الحالات عن تقديم المساعدة لطالبي اللجوء والمهاجرين.

وذلك بسبب تردي الظروف التي يعملون بها، وتحول بيئة العمل الإنساني إلى بيئة عدائية محفوفة بالتهديدات والمخاطر.

علاوة على ذلك، فإن التعرض للملاحقات القانونية والمضايقات المتكررة أشغل العديد منهم في تبرئة أنفسهم. وقاموا بنفي التهم الموجهة إليهم بدلًا من الدفاع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين.

الأسوأ من ذلك كان أثر تلك الإجراءات العقابية في زيادة الانقسام الاجتماعي حول المهاجرين وطالبي اللجوء.

فقامت الدول بتعزيز الصورة السلبية عنهم كمجرمين مسببين للفوضى والمشكلات الاجتماعية والأمنية في البلاد. وهذا أضعف الجانب الأخلاقي أو البعد الإنساني للناس تجاه قضية اللاجئين بشكل عام.

عند تقييم الواقع المقلق الذي فرضته القسوة الأوروبية، ليست مبالغة حين نقول إن أوروبا أصبحت شريكًا للأنظمة الاستبدادية التي شردت مئات الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء من بلادهم هربًا من الاضطهاد والأوضاع المعيشية المتردية.

ومع أنه لا يمكن مساواة السياسات الأوروبية بالانتهاكات التي ارتكبتها تلك الأنظمة، إلا أن إحصاءات المفقودين والوفيات من طالبي اللجوء والمهاجرين تثبت أن كلا الطرفين يدفعان الناس إلى المصير ذاته: الموت.

وحين يطال القمع الأشخاص والمنظمات التي تساهم في إنقاذ المهاجرين وطالبي اللجوء، فإن أوروبا لا تحاول محاصرة المتطوعين بالمحاكم والأعباء المالية والشكوك حول جدوى ما يقدمونه في سبيل الإنسانية بغرض حد عمليات الهجرة إليها فقط، وإنما لصرف أنظار الرأي العام أيضًا عن ضلوعها في تفاقم هذه الأزمة الإنسانية.

إذ يكمن الخلل الحقيقي في سياسات الهجرة واللجوء ذاتها، والمتمثل بشكل رئيس في العنف الحدودي الممنهج الذي تمارسه ضد اللاجئين منذ سنوات.

دفع ذلك أوروبا إلى ترهيب من يراقب ويوثق تقاعسها في تأمين ممرات إنسانية آمنة للهجرة، وتحسين ظروف استقبال اللاجئين.

وقامت بالتحقيق في كل الانتهاكات التي تجري بحقهم على أراضيها، مثل عمليات الإعادة القسرية المتكررة والمماطلة في الاستجابة لنداءات الإغاثة.

بناءً على ذلك، فإنه من المثير للأسف أن تختلط المبادئ الإنسانية بالمآرب السياسية. لكن هذا لا يمكن أن يكون مدعاة لليأس أو التخلي عن العمل الإنساني ومساندة الأشخاص الذين يستحقون الدعم.

لأن الثغرات في الأنظمة العالمية ستبقى موجودة دائمًا، الأمر الذي يزيد دورنا أهمية في سد هذه الفجوة ومد الجسور أمام كل من يحتاج العون والرأفة.