عقبات مالية تواجه المنظمات غير الربحية في مناطق النزاع.. سوريا نموذجا
تتعرض المنظمات غير الربحية ومنها منظمات حقوق الانسان العاملة في مناطق النزاع على وجه التحديد لضغوطات متزايدة للالتزام باللوائح الدولية والمحلية بهدف إثبات نزاهتها المالية والحصول على ثقة الممولين الدوليين وضمان استمرارية عملها.
في الآونة الأخيرة خضعت المنظمات العاملة في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص لمتطلبات تحقق وضبط مالي متزايدة، شمل ذلك توجيهات ضبط الإيرادات وعمليات تدقيق خاصة لفحص السلامة المالية من حيث غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ومصادر الإيرادات.
فاقم هذا الأمر اقتصار التمويل على المنظمات المرخصة لدى جهات رسمية محلية وهو الأمر الذي أخضع عمل تلك المنظمات لاشتراطات السلطات المسيطرة التي تمنع في بعض الأحيان حتى تسجيل تلك المنظمات في حال كانت مخرجات عملها الحقوقية على سبيل المثال لا تحظى برضى تلك السلطات.
في سوريا -التي تتوزع فيها مناطق السيطرة جغرافياً بين الأطراف المتحاربة- وعلى الرغم من ضعف الخبرات المحاسبية لدى المنظمات غير الربحية وغياب قاعدة بيانات حكومية بشأن أنشطتها، وعراقيل التسجيل والقيود المصرفية المفروضة على فتح حساباتها البنكية واستقبال الحوالة المالية، إلا أنه يُطلب منها مستوى عالٍ من الرقابة التطبيقية، والعمل بما يتماشى مع التشريعات المحلية والتي تشمل قوانينها وإجراءاتها إجراء الحوالات والمعاملات المالية عبر حساب بنكي خاص بالمنظمة، علاوة على ذلك لا يسمح للمنظمات غير الربحية بما فيها المنظمات الحقوقية العاملة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا العمل في منطقة يسيطر عليها أطراف أخرى والأمر الآخر ينطبق على المناطق الأخرى، وهو ما يحد من الوصول إلى الفئة المستهدفة وتنفيذ الأنشطة الخاصة بعمل المنظمة.
أما فيما يتعلق بالخطط والسياسات المالية، ترسم معظم المنظمات السورية دوراتها المالية إما بشكل شهري أو بشكل نصف سنوي وتجمع الخطط والسجلات المالية وتوثقها.
وعلى صعيد الرقابة، كشفت دراسة لمنظمة “مواطنون من أجل سوريا” أنّ أقل من 20% من المنظمات تطبق مبدأ الرقابة الخارجية على سجلاتها المالية، فيما يقتصر دور المراقبة في معظمها على محاسب المنظمة، أو الإدارة العليا.
يتضح مما سبق أنّ الأقسام المالية في المنظمات السورية تتولى تنفيذ عمليات المحاسبة والرقابة، ما يعكس جزئيًا الضعف الإداري لدى تلك المنظمات، وربما يلعب دورًا أساسيا في عدم اكتسابها ثقة المانحين والممولين على المستويين المحلي والدولي، لأنّ الجهات المانحة تعتمد بشكل رئيسي على المدقق الخارجي كجهة موثوقة تفصح بشفافية عن المعلومات المالية، وبالتالي يمكن للجهة المانحة الوصول عبر المدقق الخارجي إلى معظم المعلومات المحاسبية الخاصة بالمنظمة والتأكد من سلوكها المالي.
تبرز هنا مشكلة المنظمات السورية المحلية ومنظمات حقوق الانسان الصغيرة، والتي لا تستطيع تحمل رسوم شركات التدقيق المالي المتخصصة لأنها تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لذلك، ولأنّ معظم شركات التدقيق تعمل مع المنظمات الكبيرة لتحقيق أرباح أكثر، ما يدفع المنظمات الصغيرة للاعتماد على المحاسبين الداخليين.
تقول الجهات المانحة إنّها تفرض شروطًا متعددة على المنظمات من أجل تقاسم المخاطر المالية والإدارية وتطوير أنماط الحكم وأنظمة المساءلة، ومن ضمن تلك المتطلبات إجراء فحص أمني للموظفين المحليين والموردين، وزيادة نوعية وكمية التقارير المطلوبة عن الأنشطة التي تنفذها المنظمة.
وبالنظر إلى الموقف المعقّد على الأرض في سوريا، ينبغي على الجهات المانحة العمل على تمكين ودعم التنوع في القطاع غير الربحي فيما يتعلق بالمنظمات الناشئة ومنظمات حقوق الانسان، ومساعدتهم في تنويع أساليب جمع الأموال وبناء شبكات تمويل آمنة.
ويجدر بالجهات المانحة إبلاغ المنظمات الناشئة بالتفاصيل الدقيقة للمتطلبات الكثيرة التي تفرضها على تلك المنظمات في سبيل الحصول على التمويل اللازم لمشاريعها، وتقديم التغذية الراجعة لها للتغلب على المشاكل التي قد تواجهها أثناء إعداد التقارير والبيانات المالية الخاصة بالمشاريع، وتقديم تدريبات نوعية فيما يتعلق بتطبيق معايير المحاسبة في التقارير المطلوبة.