الأورومتوسطي: تغير المناخ ينعكس سلباً على مناطق الشرق الأوسط بشكل خاص
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – تعد أحوال الطقس القاسية من النتائج المقلقة لتغير المناخ، بما في ذلك الموجات الحارة والعواصف المدمرة والأمطار الغزيرة والفيضانات والجفاف الشديد وارتفاع مستوى سطح البحر.
أكّد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2022 مجددًا على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات ملموسة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، فضلًا عن زيادة القدرة على التكيف وتعزيز التدفقات المالية إلى البلدان الأكثر ضعفًا.
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص من آثار تغيّر المناخ.
حيث ترتفع درجة حرارتها أسرع بمرتين من بقية المناطق في كوكب الأرض، وهي في الوقت نفسه المنطقة الأكثر تضررًا من النزاعات منذ منتصف القرن الماضي.
وإلى جانب ذلك، فاقمت حالة الطوارئ المناخية من الظروف المعيشية الصعبة للناس في تلك المناطق، ما دفعهم إلى الهجرة.
تطال الآثار الخطيرة للاحتباس الحراري بشكل خاص أولئك الذين يعيشون في البلدان المعرضة للخطر بالفعل والتي ابتليت بالنزاعات المسلحة. حيث يضطر هؤلاء الأشخاص إلى ترك منازلهم بسبب تدهور الظروف المعيشية غير المستقرة.
في كل عام، ينزح أكثر من 20 مليون شخص من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أجزاء أخرى من بلدانهم الأصلية بسبب الأحوال المناخية القاسية، بينما يضطر آخرون متضررون من هذه الأحوال إلى طلب الحماية في دول أجنبية.
وعلى الرغم من ذلك، ينتهي المطاف بالعديد من اللاجئين والنازحين والأشخاص عديمي الجنسية في نفس المناطق التي تضررت بشدة من الاحتباس الحراري.
تهدد أحوال الطقس القاسية الناتجة عن الاحتباس الحراري في جميع أنحاء العالم صحة الإنسان والأنظمة البيئية على حد سواء.
ومما يثير القلق في ظاهرة تغيّر المناخ أنّ عواقبها غير عادلة، إذ تؤثر بشكل خاص على البلدان التي ساهمت بشكل أقل في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري -أي دول الجنوب العالمي الأكثر فقرًا-.
تعتبر هذه الآثار المدمرة سببًا رئيسًا للنزوح الداخلي، ومع ذلك، فإنّ معدلات الهجرة وحركة الأشخاص نحو بلدان أكثر أمانًا آخذة في الارتفاع، لا سيما عند اقتران آثار تغير المناخ بالصراعات أو العنف.
ومع حقيقة أنّ السبب الرئيسي وراء فرار الأشخاص من بلدانهم يظل سياسيًا بطبيعته (بسبب الاضطرابات والنزاعات المسلحة)، إلا أنّ تداعيات تغيّر المناخ والتدهور البيئي المقترن بهذه العوامل السياسية تؤدي إلى تفاقم ظاهرة النزوح.
تشير الإحصاءات إلى أنّ نحو 60% من حالات النزوح الداخلي في عام 2017 حدثت بسبب حالات الطوارئ المناخية وليس المشكلات السياسية، ولكن في المستقبل ستكون حالات الطوارئ المناخية هي السبب الرئيس بكل تأكيد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حوالي 90% من المهجّرين قسرًا اليوم يأتون من هذه المناطق المعرضة للخطر الشديد.
بشكل عام، تخضع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحالات طوارئ مناخية شديدة، لا سيما أحوال الطقس القاسية بسبب الارتفاع الهائل في متوسط درجة الحرارة في المنطقة، والذي ارتفع لضعف المتوسط العالمي منذ التسعينيات، ومن بين أكثر الدول حرارة في المنطقة هي جيبوتي وموريتانيا والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وما يبعث على القلق أيضًا انخفاض هطول الأمطار في هذه المناطق والذي بدوره أدّى إلى تفاقم أزمة المياه، إذ إنّ 12 من أصل 17 دولة من الدول التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم توجد في هذه المنطقة.
كما تؤدي درجات الحرارة الشديدة والجفاف إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وتفاقم انتشار الآفات والأمراض.
يضطر السكان في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الهجرة داخل المنطقة أو خارجها بسبب الظروف المناخية القاسية التي تُفاقم ظروف المعيشة السيئة الناتجة عن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وفي الأردن على سبيل المثال، يعد نزوح الأشخاص مشكلة خطيرة ستزداد سوءًا في المستقبل بسبب القحولة المتزايدة والمستمرة والجفاف الشديد وقلة توفر المياه العذبة. وبالمثل، يواجه اليمن أزمة مياه كبيرة وتصحرًا متزايدًا، مما يؤدي إلى استمرارية نقص الغذاء ويزيد من حدة ظاهرة النزوح الموجودة هناك بالفعل بسبب الحرب.
أما في سوريا، يهدد الجفاف الشديد الذي ما يزال يؤثر على البلاد حياة الأشخاص المعرضين للخطر بالفعل بسبب الحرب، ما يتسبب في فرار المزيد من الأشخاص من ديارهم.
ويواجه العراق وبعض المناطق في إيران مشكلة جفاف حادة تؤثر على إنتاج المحاصيل. كما اقتربت مستويات المياه العذبة المتوفرة في لبنان حاليًا من الندرة المطلقة. تدفع جميع هذه الأخطار الأشخاص إلى الانتقال داخل أو خارج بلدهم بحثًا عن الأمان.
وتتميز الأحوال الجوية في السعودية والكويت بأمطار موسمية غزيرة غير مسبوقة تجبر الناس على هجر منازلهم. وأما السبب في انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني في موريتانيا والذي يدفع الأشخاص إلى الهجرة خارجها هو اشتداد ظاهرة الجفاف التي بدأت في السبعينيات.
بشكل عام، تتأثر منطقة شمال أفريقيا بالندرة الشديدة في المياه والانخفاض الكبير في هطول الأمطار ما قد يؤثر سلبًا على موارد المياه العذبة.
وشهدت مناطق من المغرب والجزائر وليبيا أكبر حالات الانخفاض في هطول الأمطار بينما شهدت مصر انخفاضًا أقل. كما تشهد المنطقة ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة وموجات الحر طويلة الأمد.
وأدى تدهور الظروف المعيشية إلى تحفيز ظاهرة الهجرة المناخية في جميع مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تأثرت بشدة بسبب الأحوال الجوية القاسية.
معظم الأشخاص النازحين في سياق الكوارث وتغير المناخ لا يفرون إلى بلدان أخرى، بل ينزحون داخليًا في بلدانهم، وبالتالي، فإن من واجب الدولة حماية وتعزيز وإعمال حقوق الإنسان لهؤلاء الأشخاص.
من جهة أخرى، فإنّ أولئك الذين يعبرون الحدود الدولية وينزحون إلى دولة أجنبية يحصلون على الحماية بموجب القانون الدولي للاجئين ضمن معايير صارمة، أو يتم تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي يتضمن مبدأ عدم الإعادة القسرية.
ينص القانون الدولي على حظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لضرر جسيم ولا يمكن إصلاحه، بما في ذلك التعرض للتعذيب وأشكال أخرى من المعاملة السيئة وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل عام.
ويمكن اعتماد الحماية الإنسانية وكذلك الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية بشأن حرية تنقل الأشخاص في سياق تغير المناخ للسماح للأفراد النازحين بالاستقرار في بلدان أخرى.
وكما سبق ذكره، فإنّ العواقب المدمرة لتغير المناخ يتبعها في الغالب نزوح داخلي، على الرغم من أن الأشخاص الفارين في سياق حالات الطوارئ المناخية يعبرون الحدود الدولية في بعض الحالات. ومع ذلك، لا يتمتع هؤلاء الأشخاص دائمًا بالحماية بموجب القانون الدولي للاجئين.
بالنظر إلى أنّ مفهوم “لاجئ المناخ” غير موجود في القانون الدولي بالفعل، إلا أن النازحين في سياق تغيّر المناخ قد يندرجون تحت التعريف القانوني لـ”اللاجئ” المحدد في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 في بعض الحالات، أو بموجب الشروط القانونية الأوسع لقانون اللجوء الإقليمي.
وهناك نوعان من الأدوات الإقليمية الرئيسية التي تقدم تعريفًا أوسع لمصطلح “اللاجئ”، والغرض منها هو تعزيز حقوق الإنسان للأشخاص من خلال توفير الحماية لهم في حال وجود أحداث لا علاقة لهم بها وتعرض حياتهم للخطر.
وسّعت اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية حول اللاجئين لعام 1969 تعريف “اللاجئ” بموجب المادة (1) بند رقم (2) ليشمل أولئك الذين يغادرون منازلهم ويعبرون الحدود الدولية بسبب “أحداث تهدد بشكل خطير الأمن العام”.
وبالمثل، وسّع إعلان قرطاجنة لعام 1984 مفهوم “اللاجئ” بموجب الاستنتاج الثالث ليشمل أولئك الذين هاجروا من بلادهم “بسبب تعرض حياتهم أو أمنهم أو حريتهم للتهديد (…) من الظروف التي تخل بالنظام العام بشكل خطير”.
ولا يمكن للأشخاص النازحين في سياق الكوارث وتغير المناخ التقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ بموجب القانون الدولي إلا عند استيفاء شروط محددة معينة.
وبموجب اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، فإنّ اللاجئ هو كل شخص عبر حدود دولة “بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية”.
ووفقًا للاعتبارات القانونية لمفوضية اللاجئين، من الضروري توضيح أنّ الأشخاص الفارين في سياق الآثار السلبية لتغير المناخ يهجرون بلادهم بسبب خوف مبرر من الاضطهاد، وأن السلطات الوطنية غير قادرة على توفير الحماية لهم أو غير راغبة في ذلك.
يسبب حرمان الدولة الأشخاص من التمتع بحقوقهم أو محدودية قدرتها أو رغبتها في ذلك آثارًا مدمرة، وقد يؤدي تغير المناخ إلى خلق حالات يولّد فيها الأشخاص خوفًا مبررًا من الاضطهاد بموجب اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين.
في الواقع، يمكن منع الأفراد من الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية وسبل العيش والحريات والتحكم فيها، كما يمكن المساس بالعديد من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والسلامة الجسدية ومستوى معيشي لائق والصحة والمياه والوصول إلى خدمات الصرف الصحي، فضلًا عن تقرير المصير والتنمية.
فيما يتعلق بالآثار المدمرة لتغير المناخ، فمن المرجّح أن يشعر الأشخاص المستضعفون الذين هم بالفعل ضمن الفئات المهمشة بالإضافة إلى نشطاء البيئة والصحافيون بالخوف من الاضطهاد.
تؤثر رغبات الدول وقدراتها على منع آثار تغيّر المناخ والاستجابة لها على فئات معينة أكثر من غيرها، ما يعرض بعض الأفراد لمخاطر الأحوال الجوية القاسية على نحو أشد من غيرهم، والذي بدوره يبرر مخاوف الاضطهاد لديهم.
ترتبط الآثار السلبية لتغير المناخ أيضًا بالنزاعات المسلحة والعنف أو ضعف المؤسسات الحكومية، إذ قد يشعر الأشخاص بخوفٍ مشروعٍ من الاضطهاد ويضطرون لطلب اللجوء. كما تؤدي حالات الطوارئ المناخية إلى تفاقم آثار النزاعات أو العكس، وقد تؤدي إلى أزمات كبيرة في حال ضعف الهياكل الحكومية.
وفيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية، أشارت تقديرات سجل التهديدات البيئية (ETR) لعام 2020 إلى أنّه في حال تطورت الكوارث المرتبطة بالاحتباس الحراري بنفس الوتيرة التي كانت عليها في العقود الأخيرة، سيُهجّر 1.2 مليار شخص على مستوى العالم في غضون الثلاثين عامًا القادمة.
ووفقًا لتتمة تقرير منظمة “جراوندسويل” الذي يركز على الهجرة الداخلية بسبب المناخ والتي نُشرت عام 2021، فإنّه في أسوأ السيناريوهات المستقبلية ومع ارتفاع انبعاث الغازات الدفيئة، سينزح نحو 216.1 مليون شخص داخليًا بحلول عام 2050.
لذلك، لا غنى عن اتخاذ إجراء عالمي قوي لحماية ملايين الأشخاص الذين يعيشون في ظروف هشة من عواقب تغيّر المناخ، والتي تشمل تهجيرهم من مناطقهم وعدم الاعتراف بهم دوليًا كلاجئين إذا طلبوا الحماية في الدول الغربية الأكثر تقدمًا وقدرةً على التكيف.
تتطلب معالجة أسباب الهجرة الداخلية للمناخ اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وإدماج الهجرة في خطط التنمية الصديقة للبيئة والمرنة والشاملة المصممة لمعالجة الضعف البشري، كما يجب اعتماد استراتيجيات إدارية لكل مرحلة من مراحل الهجرة وزيادة الاستثمار في الفهم الكامل للهجرة من أجل تنفيذ سياسات إنسانية فعالة.
اقترحت مبادرة “نانسن” التي تحمي الأشخاص الذين نزحوا عبر الحدود الدولية بسبب تغير المناخ بعض التدابير التي يُمكن للدول الأكثر قدرةً على التكيف اتخاذها لقبول هؤلاء الأشخاص، وضمان عدم إعادتهم إلى البلدان التي تضررت بشدة من حالات الطوارئ المناخية.
كما تهدف المبادرة أيضًا إلى منع نزوح الأشخاص داخل بلدانهم الأصلية من خلال تعزيز الاستعدادات لمنع ومكافحة الكوارث، بما يشمل التعاون لرفع القدرة على التكيف من خلال سياسات التنمية على سبيل المثال، بالإضافة إلى المساعدة في تسهيل الهجرة عندما تكون ضرورية.