منظمة حقوقية تطالب الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بواقع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – زار وفد من الدبلوماسيين الأوروبيين في وقت سابق من هذا الشهر حوارة وزعترة، وهما بلدتان فلسطينيتان في محافظة نابلس تعرّضتا لهجمات وحشية من قبل المستوطنين الإسرائيليين.
كان العنف في محيط حوارة ملحوظًا لحجمه وشدته، حيث شارك فيه مئات المستوطنين الإسرائيليين.
لكن بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، أصبحت هذه الهجمات المدعومة من الدولة منذ فترة طويلة فصلًا روتينيًا من حيواتهم.
إنَّ الغياب شبه التام لمساءلة الجناة، والمشاركة اللجنود الإسرائيليين الموثّقة للغاية في بعض أعمال العنف، واستمرار توسّع المستوطنات هي تحدٍ للقانون الدولي، كلها مظاهر لنظام الفصل العنصري (أبارتهايد)، الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
وفي أعقاب زيارتهم، أدان الدبلوماسيون الأوروبيون الهجمات على الفلسطينيين في حوارة، وكذلك مقتل مستوطنَيْن إسرائيليَيْن برصاص مسلح فلسطيني في اليوم نفسه، وشددوا على ضرورة “حماية جميع المدنيين وضمان المساءلة”.
لا شك أن هذه مساعٍ جديرة بالثناء، ولكنها لن تتحقق حتى تفكيك نظام الفصل العنصري.
ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بحقيقة النظام الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين – وإلى أن يفعل ذلك، فإن هذه التصريحات لا ترقى إلى أكثر من مجرد كلام.
يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نظام الفصل العنصري بأنه جريمة ضد الإنسانية، تتميز بارتكاب “أفعال لاإنسانية”، مثل القتل غير المشروع والتعذيب والنقل القسري، والتي تلتزم بالإبقاء على نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أي جماعة عرقية أخرى.
وفي تقرير صدر في فبراير/شباط 2022، خلُصت منظمة العفو الدولية إلى أن معاملة السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين ترقى إلى نظام الفصل العنصري بناءً على هذا التعريف بالذات.
تُخضع السلطات الإسرائيلية الفلسطينيّين أينما يعيشون تحت سيطرتها الفعلية – سواء في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في بلدان أخرى كلاجئين – للقمع والهيمنة المنهجيْين.
وقدم تقرير منظمة العفو الدولية أدلة مفصّلة على ذلك، يبيّن كيف أنَّ قوانين إسرائيل وسياساتها مصممة خصيصًا لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم وأراضيهم ومواردهم.
وليست منظمة العفو الدولية وحدها التي توصلت إلى مثل هذا الاستنتاج، فقد قالت المنظمات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، ومقرران خاصان للأمم المتحدة، وحكومة جنوب أفريقيا، والعديد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين الشيء نفسه.
ولكن على الرغم من إدانة الاتحاد الأوروبي لأدوات نظام الفصل العنصري – القتل غير القانوني، والتوسع الاستيطاني، وهدم المنازل، وقمع حرية التعبير الفلسطينية – فإنه لا يزال يرفض الاعتراف بحقيقة هذا النظام.
وفي يناير/كانون الثاني من العام الحالي، ذكرت المفوضية الأوروبية صراحة أنها تعتبر أنه “من غير المناسب” استخدام مصطلح نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) في ما يتعلق بدولة إسرائيل.
وجاء التعليق في رد مكتوب على سؤال قدمه أعضاء في البرلمان الأوروبي، وألقاه الممثل الأعلى جوزيف بوريل نيابة عن المفوضية.
ونتيجة مفاوضات مطوّلة بين المفوّضين، ذكر الرد أولًا أنَّ المفوضية تولي “الاهتمام الواجب” لتقرير منظمة العفو الدولية – ثم انتقل إلى رفض خلاصة التقرير في ما يتعلق بنظام الفصل العنصري والإيحاء بأن مثل هذا الانتقاد لإسرائيل معادٍ للسامية.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح بالضبط ما الجوانب التي تعترض عليها المفوضية في أدلة أو تحليلات منظمة العفو الدولية، بحيث أخفق الرد في التعامل مع القضايا الجوهرية الموضّحة في التقرير، واختار بدلًا من ذلك توظيف منهجية عدم التسلسل، من خلال الاستشهاد بالتعريف المتداول وغير الملزم قانونًا لمعاداة السامية الصادر عن الرابطة الدولية لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) كأساس لموقفها.
وقد شددت المفوضية مرارًا وتكرارًا على أهمية القانون الدولي، عبر الإشارة إلى نظام روما الأساسي. ومع ذلك، فقد أهملت حتى ذكر تعريف المعاهدة للفصل العنصري في ردها.
ومنذ ذلك الحين، أعربت 12 منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان عن “قلقها البالغ” إزاء محاولات ربط تقرير منظمة العفو الدولية بمعاداة السامية، واستنكرت امتناع المفوضية عن الإقرار بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وتُجادل هذه المنظمات بأن استخدام سلاح معاداة السامية لإسكات النقد المشروع يقوّض في الواقع محاولات معالجة معاداة السامية المتزايدة.
أولئك الذين يتابعون هذه القضية عن كثب يعرفون أن وجهات النظر والمواقف بين مفوّضي الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 مفوضًا والدول الأعضاء متنوعة.
بوريل، على سبيل المثال، يدرك جيدًا معاناة الفلسطينيين. وفي خطاب ألقاه مؤخرًا بشأن الجرائم ضد الإنسانية، أشار على وجه التحديد إلى مقتل الفلسطينيين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية، مؤكّدًا أنه “علينا أن نتذكر ما يحدث في فلسطين”.
وعلى النقيض من موقفه، ساوى كل من مارغريتيس شيناس، المفوّض المسؤول عن لجنة تعزيز طريقة الحياة الأوروبية، وأوليفر فارهيلي، مفوّض سياسات الجوار ومفاوضات التوسع، بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية.
وذهب شيناس، المكلف بقيادة معركة الاتحاد الأوروبي ضد معاداة السامية، إلى أبعد من ذلك، حيث دعم وحث على اعتماد تعريف الرابطة الدولية لإحياء ذكرى الهولوكوست المتنازع عليه.
ومع ذلك، فإن استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمعالجة معاداة السامية، التي طُوِّرَت بإشرافه، تعرضت لانتقادات من قبل 54 باحثًا حول معاداة السامية لأنها “تتجاهل المخاوف المتزايدة بشأن أوجه القصور واستغلال تعريف الرابطة”.
تشكل معاداة السامية مصدر قلق خطير – سواء داخل أوروبا أو في جميع أنحاء العالم – ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ المعركة ضدها على محمل الجد.
ومع ذلك، فإن انتقاد إسرائيل الذي يستند إلى معايير حقوق الإنسان الدولية المتفق عليها والتي تُحاسب جميع البلدان على أساسها لا يمكن رفضه باستخدام المصطلح بشكل فضفاض – ولا من خلال التذرع لتعريف غير مُلزِم قانونًا.
وفي الوقت عينه، فإن تصرفات الحكومة الإسرائيلية نفسها تجعل من الصعب بشكل متزايد تجاهل هذا الواقع، حيث تعهدت مؤخرًا بتوسيع المستوطنات وتقييد رفع العلم الفلسطيني.
كما أدخلت الحكومة تعديلات تمييزية على قوانين الجنسية والإقامة. ومن المثير للقلق أنها فوضت مؤخرًا سلطات واسعة النطاق على الضفة الغربية المحتلة إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي تعرض لانتقادات لاذعة عندما قال، ردًا على عنف المستوطنين، إنه يجب “محو” حوارة من قبل الدولة الإسرائيلية.
حتى أن هذه الإجراءات دفعت إلى إصدار بيان نادر يعبر عن القلق نيابة عن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة في 8 مارس/آذار.
إنَّ إخفاق الاتحاد الأوروبي في الالتزام بمبادئه وعدم مشاركته في الدراسات والبحوث القانونية لا يشجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين فحسب، بل يضر أيضًا بمكافحة معاداة السامية.
وإذا كانت المفوضية مهتمة حقًا بتعزيز السلام والعدالة، فعليها الاعتراف بأن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمة الفصل العنصري، ويجب عليها استخدام جميع الأدوات السياسية والدبلوماسية المتاحة لها للضغط عليها للتوقف عن هذه الممارسة.