اتجاه الرئيس التونسي إلى حلّ المجلس الأعلى للقضاء تهديد جسيم لحقوق الإنسان
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت منظمة العفو الدولية، إن خطوات الرئيس “قيس سعيّد” الرامية إلى حلّ المجلس الأعلى للقضاء في تونس، تُشكل تهديدًا خطيرًا لاستقلالية القضاء وحقوق المحاكمة العادلة في البلاد.
المجلس الأعلى للقضاء هو هيئة رقابة قضائية مستقلة. أُنشِئَت بعد اندلاع الثورة التونسية في 2011 لحماية القضاة من تأثير الحكومة
وقال الرئيس “سعيّد”، في تصريحات مُسجَّلة بالفيديو أمام وزير الداخلية التونسي ومسؤولين آخرين، في 5 فبراير/شباط 2022: “فليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة”. وأعلن اعتزامه حلّ المجلس بموجب مرسوم رئاسي، مُتهِمًا إياه بالفساد والتحيز السياسي.
وخلال اجتماع مُسجَّل مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 7 فبراير/شباط 2022، أشار الرئيس “سعيّد” إلى أنّه يعتبر المجلس قد حُلَّ، إلا أنه لم يُصدِر مرسومًا رسميًا بحلّه بعد.
وقالت منظمة العفو الدولية، إنّ “هجوم الرئيس “قيس سعيّد” على المجلس الأعلى للقضاء يُعَد تهديدًا خطيرًا لحقوق المحاكمة العادلة في تونس. إذ أن الرئيس سيعلن وفاة الاستقلالية القضائية في البلاد، حال إصداره مرسومًا بحلّ المجلس أو تعليقه”.
وأضافت: “فالرئيس سعيد قد فكك تقريبًا جميع ضوابط ووسائل الرقابة المؤسسية على سلطاته، منذ جويلية/تموز الماضي، بينما لا يزال المجلس الأعلى للقضاء قائمًا بوصفه المعقل الأخير للنزاهة القضائية”.
وفي 7 فبراير/شباط 2022، أخبر رئيس المجلس الأعلى للقضاء، “يوسف بوزاخر”، منظمة العفو الدولية عن انتشار عناصر الشرطة ومرابطتهم أمام مقر المجلس منذ اليوم السابق، مانعين أعضاء المجلس من الدخول.
وعلى مدى الأشهر الأخيرة، أدلى الرئيس “سعيّد” مرارًا وتكرارًا بتصريحات هجومية على السلطة القضائية المدنية في تونس، بما في ذلك المجلس الأعلى للقضاء، واتهمها بالفساد وبالتقاعس عن الاستجابة للمزاعم حول أعمال الفساد والإرهاب.
وإضافة إلى ذلك، قامت السلطات التونسية بالالتفاف حول الإجراءات القضائية، لتُصدِر قرارات تعسفية بمنع التونسيين من السفر أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية أو احتجازهم، بما فيهم القضاة والرموز السياسية، ما يُعَد انتهاكًا للحقين في الحرية والتنقل.
وعلى صعيد آخر، تُجري المحاكم العسكرية على نحو متزايد تحقيقات مع المدنيين وتلاحقهم قضائيًا.
وتُعتبَر خطوة الرئيس “سعيّد” الإجراء الرسمي الأوّل الذي ينال من القضاء باعتباره مؤسسة مستقلة، منذ أن علَّق البرلمان في جويلية/تموز 2021 وأقال “هشام المشيشي”، رئيس الوزراء آنذاك.
وفي 22 سبتمبر/أيلول 2021، علَّق “سعيد” العمل بمعظم أحكام الدستور التونسي، ومنح نفسه رسميًا سلطة حكم شبه مُطلقة بموجب مرسوم رئاسي، وحلَّ هيئة مؤقتة مختصة بالتدقيق في دستورية القوانين وفحصها، ومَنَع أي شخص أو جهة من الطعن في قراراته بواسطة المحكمة الإدارية التونسية.
وفي ظل حكم الدكتاتور الأسبق، “زين العابدين بن علي”، كان المجلس الأعلى للقضاء، الذي كان يُشرف على تعيين القضاة وتأديبهم وعلى مسارهم المهني، بمثابة آلية لممارسة النفوذ التنفيذي على السلطة القضائية.
وكانت السلطة التنفيذية تتولى تعيين أغلبية أعضاء المجلس تحت رئاسة رئيس الجمهورية نفسه، بينما كان يتولى وزير العدل منصب نائب رئيس المجلس.
وفي أعقاب الثورة التي أطاحت ببِن علي في جانفي/كانون الثاني 2011، جعلت السلطات المُنتخَبة، من المجلس الأعلى للقضاء حصنًا للاستقلال القضائي، بعد أن كان هيئة موصومة بسمعة سيئة.
وبموجب الدستور التونسي لعام 2014 وقانون عام 2016 الذي أعاد إنشاء المجلس، يجب أن يكون ثُلُثا أعضاء المجلس الـ 45 قضاةً، وتُنتخَب أغلبيتهم على يَد زملائهم. ويتألف الثُلُث المتبقّي من خبراء مستقلين في الشؤون القانونية والمالية والضرائب والمحاسبة، ويُختارون بالانتخاب.
وتنص مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية على أن “تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام استقلال السلطة القضائية ومراعاته”.
وقد أقرّت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأنّ تَدَخُّل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية، بما في ذلك التحكم في تعيين القضاة أو منحهم الترقيات المهنية، ينتهك الحق في المحاكمة أمام “هيئة قضائية مستقلة وحيادية”، على النحو المكفول في المادة 14 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادقت عليه تونس.
وعلى الرغم من أن القانون الدولي لا يوفر نموذجًا بعينه لضمان استقلالية القضاء، فإنه يشجع الدول على إنشاء هيئة تشرف على حماية السلطة القضائية من هيمنة أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية.
ودعت منظمة العفو الدولية الرئيس “قيس سعيّد” إلى التخلي عن خطته لحلّ المجلس الأعلى للقضاء، ووقف أي أعمال من شأنها تهديد الاستقلالية القضائية و/أو انتهاك حق الشعب في المحاكمة العادلة.