اللاجئون والمهاجرون في أوروبا: حاجة ملحّة لسياسات رعاية صحية موحّدة ومنصفة
غالبًا ما ينظر الناس -وخاصة سكان الشرق الأوسط- إلى أوروبا على أنها القلعة التي تُحمى فيها حقوق الإنسان بعيدًا عن النزاعات المسلحة وقمع الحكومات.
لذلك، بقيت تلك المنطقة لسنوات عديدة الوجهة الرئيسة والمقصد الأول للمهاجرين واللاجئين حول العالم، لا سيما في أعقاب النزاعات التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011.
وبالرغم من أن هناك مجموعة واسعة من المعايير والقوانين التي سُنّت لضمان احترام وحماية التنوع في أوروبا، إلا أن حصول المهاجرين وطالبي اللجوء على الرعاية الصحية في دول الاتحاد الأوروبي ما يزال لا يرقى للحد المطلوب.
من الصعب إلى حدٍّ كبير تكوين صورة واضحة للرعاية الصحية التي يتلقاها المهاجرون واللاجئون في أوروبا، حيث يتطلب ذلك فحص الصحة الجسدية والعقلية لهم، فضلاً عن دراسة السياسات التي تحكم تقديم الخدمات الطبية لهم ومدى سهولة وصولهم إليها في 28 دولة أوروبية.
لكن دراسة فرنسية بعنوان “تأثير العجز الصحي على المهاجرين” تصف تدهور الحالة الصحية للمهاجرين نتيجة عوامل عدة مثل أوضاع العمل السيئة، والممارسات التمييزية ضدهم.
إلى جانب ذلك، فقد خلصت دراسة نمساوية لنتائج مماثل، حيث أشارت إلى أن المهاجرين يعانون من مشاكل صحية جسدية أكثر من السكان الأصليين في أوروبا، بما في ذلك ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب، والمشاكل الجلدية، ومشاكل الجهاز البولي التناسلي.
وبهذا فإن العلاقة بين الحالة الصحية وظروف العمل غير الملائمة والاندماج المجتمعي في أوروبا واضحة. من جانب آخر، فقد توصلت تقارير أخرى حول الظروف الصحية للمهاجرين وطالبي اللجوء في جميع أنحاء أوروبا إلى خلاصات مشتركة.
تقول هذه التقارير أن هؤلاء يعانون بشكلٍ متفاوت من الأمراض المعدية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل، بالإضافة إلى الأمراض غير المعدية؛ بما فيها مرض السكري، وأمراض القلب، والعينين، الجهاز البولي التناسلي.
وقدّم استعراض نُشر حديثًا لدراسات مختلفة حول الحالة الصحية للاجئين والمهاجرين في أوروبا بين عامي 2011 و2017 منظورًا مثيرًا للاهتمام حول الصحة العقلية لهم.
وبالعموم، فقد بيّنت معظم الأبحاث والدراسات أن مشاكل الصحة العقلية تنتشر بين المهاجرين على نحوٍ أكبر من غيرهم.
وكان اضطراب ما بعد الصدمة (31%) والاكتئاب (20%) الأكثر شيوعًا. يأتي ذلك في ظل حقيقة أن عملية طلب أو تجربة اللجوء تبقى إحدى أكثر التجارب التي يتعرض لها طالبو اللجوء ألمًا؛ حيث أفاد 89% من اللاجئين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أن الرحلة بحد ذاتها كانت مؤلمة.
ويقول 80% منهم أن وضع اللاجئ بحد ذاته أمرُ مروّع، بما في ذلك الاعتقال في معسكرات الاحتجاز عند الوصول، إلى جانب قضايا أخرى متعلقة بالرعاية الصحية للنساء والأطفال.
منذ عام 2003، قدمت المفوضية الأوروبية والمكتب الإقليمي الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية خدماتٍ تهدف لتحسين حصول للاجئين والمهاجرين على الرعاية الصحية.
وتزايدت مثل هذه الخدمات بشكلٍ ملحوظ مع تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا على مدى السنوات العشر الماضية، وخاصةً بعد عام 2015، حين أصبح مصطلح “أزمة اللاجئين” شائعًا في القارة الأوروبية.
وتداولت كل من اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية (2016) والمفوضية الأوروبية (2018 و2020) التقارير بهذا الخصوص. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مشروع مدته ثلاث سنوات يسمى Mig-HealthCare”” في عام 2017 بدعم جماعي من 14 شريكًا من عشرة دول أوروبية.
وبتمويل مشترك من المفوضية الأوروبية، نشر المشروع تقريره النهائي هذا العام، حيث قدم العديد من التوصيات لتحسين الرعاية الصحية المقدمة للمهاجرين واللاجئين.
الرغم من الجهود المبذولة في هذا الإطار، لا بمكن التغاضي عن حقيقة أنه ما تزال هناك تحديات وعقبات كبيرة على أرض الواقع. ففي مايو 2018، خلصت دراسة نشرتها المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة إلى أن هذه البرامج تفتقر إلى الرؤية بعيدة المدى اللازمة لحماية حقوق اللاجئين والمهاجرين، وغالبًا ما تكون هذه البرامج غير منسقة بل ومتناقضة، خاصةً في مجال الصحة.
تم توثيق هذه التحديات من قبل كل من منظمة أطباء العالم بالمملكة المتحدة وجامعة برمنغهام في دراسة بعنوان “المهاجرون المستضعفون والرفاهية”، حيث ناقشت نقص التمويل المستدام، فضلاً عن الفجوات اللغوية والثقافية بين العاملين في مجال الصحة والمرضى وسوء التنسيق بين المنظمات غير الحكومية الدولية والسلطات الصحية المحلية.
وهناك تحدٍ آخر وهو عدم وجود بيانات عن اللاجئين والمهاجرين في مختلف الدول الأوروبية، بما في ذلك عددهم، ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وتأثير السياسات الصحية المحلية عليهم.
فيجد العديد من المهاجرين وطالبي اللجوء ممن يصلون بشكلٍ غير قانوني إلى القارة الأوروبية أنفسهم دون رعاية صحية رسمية، خاصةً قبل تقديم طلب اللجوء، أو عندما يتم رفض طلبهم ويصبح وضعهم “غير قانوني”.
يمكن ملاحظة الاستراتيجيات الجديدة الواعدة بخصوص تقديم رعاية صحية أفضل للمهاجرين واللاجئين في تحديثات المفوضية الأوروبية، مثل مشروع Mig-HealthCare”” الآنف ذكره.
وتشمل توصيات المفوضية إطلاق حملات لتثقيف السكان المحليين بمزايا تقبّل اللاجئين في مجتمعاتهم، وتنفيذ مبادرات لتسريع الادماج المجتمعي لهم، وتكثيف الجهود المبذولة للتقليل من التمييز ضدهم.
كما دعت المفوضية إلى اتباع نهج تدريجي لتنفيذ استراتيجية منظمة طويلة الأجل لإدماج اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا، وخاصةً في بلدان الوصول الأول مثل إسبانيا واليونان.
إن الحصول على الرعاية الصحية حقٌ أساسي من حقوق الإنسان، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية، أو الدينية، أو السياسية. ما يزال المهاجرون واللاجئون في أوروبا يواجهون صعوبات بهذا الخصوص، لكن هناك تدابير جارية على المستويين الوطني والأوروبي لمواجهة هذا التحدي.
اقرأ أيضاً: الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة يعزز إجراءات الحكومات المناهضة للمهاجرين