منظمة: التعافي البطيء من الفيضان يخذل الناجين النازحين في ليبيا
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات الليبية تتقاعس عن تقديم التعويض والدعم الكافيَيْن لإعادة الإعمار بعد عام على الفيضان الكارثي الذي دمر مدينة درنة في شرق ليبيا وخلّفت آلاف الموتى والمفقودين. لم تحاسَب المجموعات المسلحة بعد على التقصير في الاستجابة الطارئة الذي منع الناس من التماس الأمان.
يؤثّر بطء التعافي وغياب خطة استجابة وطنية بشدة على الحقوق الاقتصادية للناجين، بما فيها السكن، والصحة، والتعليم.
قال ناجون من الفيضانات إنهم يواجهون عوائق في الحصول على التعويض المنصف ودعم إعادة الإعمار وسط ركود سياسي يقيّد بشدة قدرة النازحين على العودة إلى ديارهم.
في درنة، المدينة الأكثر تأثرا، ما يزال الدمار والأضرار التي أصابت البنية التحتية منتشرة، بما يشمل المنازل، وشبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والمستشفيات، والمدارس. أما الاستفادة من الخدمات الحكومية والمالية فمحدودة، بينما ما يزال آلاف الضحايا مجهولي الهوية أو مفقودين.
قالت حنان صلاح، مديرة مشاركة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “النازحون من درنة وغيرها من مدن شرق ليبيا الذين قُلبت حياتهم رأسا على عقب بعد الكارثة يواجهون عوائق مضنية وأحيانا مستحيلة في الحصول على أي نوع من دعم الدولة. ينبغي للسلطات ضمان مقاربة منصفة لإعادة الإعمار وتعويض السكان”.
في 10 سبتمبر/أيلول 2023، بحسب “الأمم المتحدة”، تسببت الأمطار الكثيفة بانهيار سدَّيْن في أعلى المجرى نحو درنة، ما أدى إلى فيضانات كارثية ومقتل 5,923 على الأقل، وآلاف المفقودين، وأكثر من 40 ألف نازح، بالإضافة إلى دمار هائل أصاب شرق ليبيا.
رغم التحذيرات من الفيضانات قبل العاصفة بثلاثة أيام، أصدر المسؤولون في درنة أوامر إخلاء متضاربة، وفرضوا منعا للتجول أدى فعليا إلى محاصرة الناس ومنعهم من التماس ملاذ آمن. قدّر تقييم مشترك أجراه “البنك الدولي”، و”الاتحاد الأوروبي”، و”الأمم المتحدة” الخسائر والأضرار بقيمة 1.65 مليار دولار، معظمها أصابت البنية التحتية.
تكلمت هيومن رايتس ووتش مع 16 ناجيا من الفيضان نزحوا من مدينتَيْ درنة وأجدابيا الشرقيتين ومدينة مصراتة الغربية، الذين شرحوا أثر أوامر البقاء في منازلهم، والعوائق الشديدة أمام الحصول على أي دعم حكومي بعد خسارة مصادر رزقهم.
قال معظمهم إن الدعم الوحيد الذي حصلوا عليه في أعقاب الكارثة مباشرة كان من مبادرات ليبية خاصة أو جمعيات إغاثية أجنبية أو محلية. قال شخص واحد فقط إنه حصل على تعويض من الحكومة لأنه كان في درنة حين قدمت السلطات في الشرق تعويضا لمرة واحدة للناس الموجودين. أما الآخرون، فقالوا إنهم لم يتمكنوا حتى من تقديم طلب للتعويض لعدم وجودهم في درنة وقت صرف المساعدات.
قال أحد سكان دير الوادي في درنة، إن مجموعة تابعة لـ “القوات المسلحة العربية الليبية”، وهي قوى الأمر الواقع في شرق ليبيا، أمرت عائلته بالبقاء في المنزل يوم حدوث الفيضان. وأضاف: “لا حرية في درنة. الجيش يتدخل في كل شيء”.
وتابع “قُتل اثنان من أولاده في الفيضان ولم تجد السلطات جثتيهما بعد أو تتعرف عليهما. “في البداية، دُفن الأموات عشوائيا وغالبا في مقابر جماعية. تُخرج السلطات اليوم هذه الجثث وتعيد دفنها. أريد معرفة مكان طفليَّ. أين دُفنا؟ هل هما في البحر؟”
في 28 يوليو/تموز، حكمت المحكمة الجنائية في درنة على 12 مسؤولا ليبيّا بالسَّجن حتى 27 سنة وغرّمتهم بسبب دورهم في انهيار السدَّيْن. برّأت المحكمة أربعة آخرين. لم يكن بين المسؤولين الـ 16 قادة كبار أو عناصر من القوات المسلحة العربية الليبية، التي أدارت الاستجابة للأزمة وأصدرت الأوامر المشكوك فيها بالبقاء في المنازل وطبّقتها. لم يحاسَب أحد على الأوامر التي منعت الناس من مغادرة منازلهم عندما ضربت العاصفة وخلال الفيضان.
تسيطر القوات المسلحة العربية الليبية وأجهزة أمنية وميليشيات تابعة لها على شرق ليبيا وجنوبها، بما في ذلك المنطقة التي ضربها الفيضان. وهناك إدارة مدنية تابعة لها معروفة باسم “الحكومة الليبية”. منافستها، “حكومة الوحدة الوطنية”، مقرها طرابلس ومعيَّنة عبر مسار بقيادة الأمم المتحدة كسلطة مؤقتة، تسيطر مع المجموعات المسلحة التابعة لها على غرب ليبيا.
أعلن كل من الحكومتين المتنافستين عن صندوقين منفصلين لإعادة إعمار لتعويض الضحايا وإعادة إعمار درنة، لكن يبدو أن “مصرف ليبيا المركزي” يحجب التمويل.
لم يدفع التعويضات سوى الإدارة الشرقية، المرتبطة بالقوات المسلحة العربية الليبية، وكان ذلك لمرة واحدة ولبعض الضحايا. قال سكان درنة إن المبالغ تراوحت بين 20 ألف و100 ألف دينار ليبي (بين 4,200 و21 ألف دولار أمريكي)، تبعا لحجم الأضرار ودمار منازلهم.
وأعلن “صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا” الشرقي، الذي يسيطر عليه بلقاسم حفتر، ابن قائد القوات المسلحة العربية الليبية خليفة حفتر، مشاريع عدة لإعادة الإعمار تشمل وحدات سكنية وجسورا جديدة في درنة. لكنّ أنظمة تمويل المشروع واختيار المستفيدين غير واضحة.
قال نازح من درنة، والد لأربعة أطفال، إنه لم يتلقَّ أي دعم أو تعويض من السلطات الليبية منذ أن أُجبر على المغادرة. يحتاج اثنان من أطفاله إلى عناية متخصصة بالتوحد وعلاج السرطان.
أضاف: “لم أتلقّ أي تعويض، بعكس أشقائي الذين حصل كل واحد منهم على 30 ألف دينار ليبي (6 آلاف دولار) من الحكومة الشرقية. لم يتمكنوا من المطالبة بحصتي لأنني لم أكن موجودا في درنة. خسرت جميع ممتلكاتي، بما في ذلك أوراقي. لا يمكنني استصدار جواز سفر، أو بطاقة هوية، أو رخصة قيادة، أو تأكيدا لوضع عائلتي لأنها كل هذه الأوراق يجب أن تصدر من درنة. لا أملك حتى الإمكانيات للقيام بزيارة. اضطررت إلى بيع حلق ابنتي، وذهب زوجتي، وممتلكات أخرى لتغطية التكاليف”.
قال ناجون في مصراتة إنهم واجهوا عوائق في الحصول على المال النقدي وإن المصارف التجارية ألزمت النازحين العودة أكثر من ألف كيلومتر إلى درنة لسحب الأموال أو تحويلها، ورفضت تقديم الخدمات لهم في مصراتة. قال ناجون من الفيضان إنهم اضطروا إلى استخدام وسائل نقل مكلفة للحصول على المال النقدي مهما كان المبلغ.
وقال الناجون أيضا إن الوصول إلى السجلات العامة، مثل أوراق ملكية المنزل، كانت صعبة في الغالب بسبب طلب السلطات منهم الذهاب إلى فرع الإدارة العامة في درنة، حتى لو لم يملكوا القدرة على الذهاب. قال بعضهم إنه واجهوا صعوبات أيضا في الحصول على وثائق أحوال شخصية، وبطاقات هوية، وجوازات سفر كانوا قد فقدوها في الفيضان.
قالوا أيضا إنهم واجهوا عوائق أمام الحصول على التعليم، بما يشمل المدارس والجامعات، وحضانات الأطفال، وغيرها من المراكز المتخصصة بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف النقل، وعدم تلقيهم أي دعم من السلطات.
دعمت هيومن رايتس ووتش دعوة أطلقتها منظمات ليبية إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في كارثة درنة. انتهى تفويض “البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا” في مارس/آذار 2023 ولا توجد أي جهة استقصائية دولية حاليا في ليبيا.
من واجب السلطات الليبية إعمال الحق في الصحة، والسكن، والتعليم، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي للأشخاص بمن فيهم المتضررون من الفيضانات. وينبغي لها ضمان أنّ استجابة الإغاثة وإعادة الإعمار تحترم حقوق الناس.
قالت صلاح: “التحقيق المستقل في جميع أوجه كارثة درنة هو وحده الذي يمكنه تسليط الضوء على مسؤولية الرسميّين في انهيار السد والدور الأساس الذي لعبته المجموعات المسلحة في إدارة الاستجابة التي أدت إلى هذا العدد المرتفع من الوفيات”.