السعودية تقود مشروع قرار لحماية القاصرين في الفضاء السيبراني
في 8 يوليو 2025، قدّمت المملكة العربية السعودية أمام الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان مشروع قرار بعنوان «حماية الطفل في الفضاء السيبراني»، ضمن مبادرة عالمية أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وحظي القرار باعتماد إجماعي من الدول المشاركة، حيث يركز على تعزيز التعاون الدولي وتبادل أفضل الممارسات وبناء القدرات الوطنية، إضافة إلى زيادة الوعي والمهارات لضمان سلامة الأطفال في البيئة الرقمية.
ينص القرار على أهمية مواجهة التحديات والمخاطر المتزايدة في الفضاء الرقمي التي تهدد الأطفال، وتقديم الدعم الفني للدول وفق أولوياتها الوطنية. ويأتي هذا في سياق تزايد استخدام التقنيات الرقمية من قبل الأطفال، مع حاجة ملحة لحمايتهم من الاستغلال الإلكتروني، التنمر، والجرائم الإلكترونية.
ومع ذلك، يرى الناشطون والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن هذه المبادرة السعودية تثير تساؤلات جادة حول مدى مصداقية المملكة كدولة مؤهلة أخلاقيًا وقانونيًا لقيادة مثل هذه المبادرات. وذلك في ظل سجلها الحقوقي المثقل بانتهاكات جسيمة، خصوصًا في مجال حقوق القاصرين في الفضاء السيبراني.
ففي الواقع، تستمر السلطات السعودية باستخدام أدوات الفضاء الرقمي لملاحقة وملاحقة قاصرين وراشدين بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية في التعبير والتواصل عبر الإنترنت.
بل وصلت الأمور إلى إصدار أحكام بالإعدام بحق قاصرين متهمين بجرائم تتعلق باستخدام الهاتف المحمول، الانضمام إلى مجموعات دردشة، أو حيازة صور تُعتبرها السلطات “محظورة”. وهذه الممارسات تشكل خرقًا صارخًا للالتزامات الدولية للمملكة، وبالأخص اتفاقية حقوق الطفل التي تحظر بوضوح الحكم بالإعدام على الأشخاص الذين كانوا دون الثامنة عشرة عند ارتكاب الجريمة.
خلال العقد الماضي، أعدمت السعودية ما لا يقل عن 12 قاصراً، ولا تزال جثامينهم محتجزة، بينما يواجه ما لا يقل عن 9 قاصرين آخرين خطر الإعدام حاليًا.
وتوضح وثائق الأحكام أن بعض هذه القضايا تتعلق مباشرة باستخدام الوسائل الرقمية، حيث وُجّهت إليهم تهم الانضمام إلى مجموعات عبر برامج الهاتف وحيازة صور محظورة، ما يعكس تجريمًا للنشاط الرقمي الذي يدعي القرار نفسه حماية الأطفال منه.
علاوة على ذلك، تشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن المملكة تستخدم تشريعات غامضة وفضفاضة مثل «جرائم المعلوماتية» لقمع حرية التعبير، ومعاقبة الأطفال والمراهقين على نشاطهم السلمي في الفضاء الرقمي، مما يكشف التناقض الفاضح بين الخطاب الدولي السعودي والممارسات المحلية القمعية.
تؤكد المنظمة أن حماية الأطفال في الفضاء السيبراني يجب أن تبدأ بوقف استهدافهم بسبب التعبير الرقمي السلمي، وضمان حقهم في استخدام الإنترنت بحرية وأمان دون تهديد بالاعتقال أو القتل.
وترى المنظمة أيضًا أن هذا المشروع يأتي في إطار محاولات المملكة لغسل صورتها دوليًا، خاصة عبر استخدام آليات مجلس حقوق الإنسان في إطار إجراءات شكلية لا تعكس واقع الانتهاكات المستمرة في الداخل.
هذا يجعل من الضروري على المجتمع الدولي التوقف عند هذا التناقض، ومساءلة السعودية على سجلها الحقوقي، قبل قبول قيادة مبادرات تُقدّم كحماية للأطفال في فضاء تتعرض فيه حقوقهم الأساسية للتقويض والتهديد.