هل أندية كرة القدم الأوروبية ضالعة في الغسيل الرياضي للانتهاكات الليبية؟
أثارت المباراة الودية التي جمعت بين أتلتيكو مدريد وإنتر ميلان في ملعب بنغازي الدولي في 10 أكتوبر/تشرين الأول تساؤلات جدية حول دور أندية كرة القدم الأوروبية في ما يُعرف بـ”الغسيل الرياضي”.
المباراة، التي انتهت بفوز أتلتيكو مدريد بركلات الترجيح 4-3 ضمن ما أُطلق عليه “كأس إعادة الإعمار”، شهدت حصول كل فريق على ثلاثة ملايين يورو، لكن المقابل لم يكن رياضيًا فقط، بل سياسيًا واجتماعيًا أيضًا.
استضاف الحدث خليفة حفتر، قائد القوات المسلحة العربية الليبية، وعشيرته التي تسيطر على جنوب وشرق البلاد، في خطوة تعتبر جزءًا من محاولات تلميع صورة الجماعات المسلحة المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة.
ويكمن الهدف من هذا “الغسيل الرياضي” في جذب اهتمام إعلامي إيجابي لصرف الأنظار عن الانتهاكات المستمرة بحق المدنيين والمهاجرين، بما في ذلك الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والقتل غير القانوني، والتهجير القسري.
ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن الانتهاكات في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر مستمرة منذ عام 2014، مما يسلط الضوء على خطورة مشاركة الأندية الأوروبية في أحداث قد تساهم في تحسين سمعة الجماعات المسلحة على المستوى الدولي.
كما أن استضافة المباراة تمّت بتمويل من “صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا”، الذي يرأسه نجل حفتر، بميزانية ضخمة بلغت 69 مليار دينار ليبي (حوالي 12 مليار دولار أمريكي) مخصصة لإعادة الإعمار، رغم الأزمة المالية الحادة في البلاد وغياب ميزانية وطنية موحدة.
وبينما قد يشعر المشجعون الليبيون بالفخر لاستقبال فرق كبرى، يؤكد خبراء حقوق الإنسان أن الأندية الأوروبية تقع عليها مسؤولية الأخلاقيات والتزام حقوق الإنسان.
ويشمل ذلك إجراء العناية الواجبة لتحديد مخاطر المساهمة في تلميع صورة الدول والكيانات التي تنتهك الحقوق الأساسية.
وحاولت هيومن رايتس ووتش التواصل مع أتلتيكو مدريد وإنتر ميلان بشأن المخاطر المرتبطة بالمشاركة في هذه المباراة، لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن، مما يثير المزيد من التساؤلات حول مدى وعي وإلتزام الأندية بالقضايا الإنسانية والسياسية في البلدان التي تستضيف فيها مباريات ودية أو بطولات.
رغم أن الفرق قد اعتبرت المباراة فرصة تحضيرية لدوري أبطال أوروبا وللاعبين غير المنتقين للمنتخبات الوطنية، إلا أن خبراء القانون الدولي وحقوق الإنسان يرون أن الفخر الرياضي لا يجب أن يتحول إلى أداة لتبييض سجل انتهاكات جماعات مسلحة، محذرين من أن أي مشاركة دون تقييم دقيق للمخاطر الأخلاقية والسياسية قد تُسجَّل كدعم غير مباشر للانتهاكات.
في النهاية، يضع هذا الحدث أندية كرة القدم الأوروبية أمام اختبار حقيقي: هل ستحترم قيم الرياضة والنزاهة وحقوق الإنسان، أم ستظل أداة في خدمة أجندات سياسية متنازع عليها، مغلفة بالمجد الرياضي الزائف؟.