الأورومتوسطي: يجب حماية النساء والفتيات في ظل تصاعد نشاط الحركات المناهضة للحقوق

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – إن الحل لمعالجة جميع أشكال العنف ضد المرأة هو إنشاء حركات مستقلة تموّلها الحكومات والمنظمات الحقوقية بهدف إحداث تغيير إيجابي في حماية الحقوق الأساسية للمرأة.

وهذا في ظل الزيادة الأخيرة في الحركات المناهضة لحقوق الإنسان وما نتج عن ذلك من تصاعد الاعتداءات على حقوق المرأة،

تعاني النساء، خاصةً الفتيات، في دول الاتحاد الأوروبي من الاغتصاب والاعتداء الجنسي، إذ يمثلون أكثر من 90% من ضحايا الاغتصاب، وأكثر من 80% من ضحايا الاعتداء الجنسي.

في دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية عام 2014 حول العنف ضد المرأة على مستوى دول الاتحاد، تبيّن أن واحدة من كل ثلاث نساء تعرضت لأحد أشكال العنف الجسدي و/أو الجنسي منذ بلوغ سن 15 عامًا.

وأكدت الدراسة أن واحدة من كل 10 نساء تعرضت لأحد أشكال العنف الجنسي منذ بلوغ سن 15 عامًا، فيما تعرّضت واحدة من كل 20 امرأة للاغتصاب.

تُعرّف منظمة الصحة العالمية العنف الجنسي على أنه “أي فعل جنسي أو محاولة لممارسة فعل جنسي أو فعل آخر موجه ضد النشاط الجنسي لشخص ما باستخدام الإكراه، من جانب أي شخص بغض النظر عن علاقته بالضحية، في أي مكان”.

من هذا التعريف، يشمل العنف الجنسي أشكالًا متعددة، منها التحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب والاستعباد الجنسي والزواج القسري.

ويعد العنف الجنسي أحد الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وأحد أشكال العنف، والتمييز ضد المرأة القائم على النوع الاجتماعي.

يتمثّل العنف الجنسي في جميع الأفعال الجنسية التي تحدث ضد إرادة الطرف الآخر، وبالتالي تنتهك حقه في تقرير المصير الجنسي. ويمتد هذا العنف من التحرش اللفظي إلى الاغتصاب، ويشمل الزواج القسري والعنف الأسري وختان الإناث.

ولا يعد الإشباع الجنسي هو الهدف الأساسي وراء ارتكاب هذا النوع من العنف، بل قمع شخصٍ آخر عبر فرض القوة والسطوة عليه.

أظهرت الدراسة التي نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي أنّ حوالي 22% من النساء في الاتحاد تعرّضن للعنف الجسدي و/أو الجنسي من شركائهن منذ بلوغ سن 15 عامًا.

كما ظهر أنّ حوالي 11% من النساء في الاتحاد الأوروبي تعرضهن لعدة أشكال من العنف الجنسي منذ بلوغ سن 15 عامًا.

وعلاوةً على ذلك، كشفت الدراسة عن تعرّض 6% منهن للإجبار على الجماع. فيما أُجبرت 6% أخريات على المشاركة في نشاط جنسي دون موافقتهن أو عندما لم يكن لديهن القدرة على الرفض.

في عام 2015، سجّلت السلطات في دول الاتحاد الأوروبي نحو 215 ألف جريمة عنف جنسي، ثلثها جرائم اغتصاب.

وبينما مثّل الرجال 99% من الموقوفين على خلفية هذه الجرائم، كانت الغالبية العظمى من الضحايا من النساء والفتيات، بواقع 9 من كل 10 في جرائم الاغتصاب، و8 من كل 10 في جرائم الاعتداء الجنسي.

تصدّرت المملكة المتحدة أعلى عدد جرائم جنسية على الإطلاق بواقع 64 ألف و500 جريمة -أكثر من نصفها جرائم اغتصاب- تلتها ألمانيا ثم فرنسا ثم السويد.

وسجّلت السويد أعلى نسبة من جرائم العنف الجنسي بمعدل 178 حالة لكل 100 ألف نسمة، تلتها اسكتلندا وأيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة وبلجيكا.

أما أعلى عدد لحالات الاغتصاب فقد سُجّل في المملكة المتحدة وتلتها السويد، بينما سجّلت دول الشمال الأربعة (السويد وأيسلندا والنرويج والدنمارك) في عام 2020 أعلى معدلات العنف الجنسي في العالم.

حيث سجّلت السويد -الأكثر إبلاغًا عن العنف الجنسي- أكثر من 200 حالة اغتصاب لكل 100 ألف نسمة.

وفي عام 2019، سجلت فرنسا وألمانيا أعلى عدد من حالات اغتصاب النساء المبلغ عنها في أوروبا، بواقع 20,694 و9029 حالة على التوالي.

وعلى نحو مماثل، كان عدد ضحايا الاغتصاب من الذكور في البلدين الأعلى على الإطلاق، حيث وصل إلى 2886 حالة في فرنسا و685 حالة في ألمانيا.

بلغ عدد حالات اغتصاب النساء المسجلة في فرنسا عام 2020 نحو 22,770 حالة، في حين بلغ عدد الاعتداءات الجنسية 23,910 اعتداءً وبلغ عدد حالات التحرش 2690 حالة، بمجموع أكثر من 49 ألف حادثة عنف جنسي ضد النساء.

وفي عام 2021 ارتفع عدد حالات الاغتصاب (أو محاولات الاغتصاب) والتحرش الجنسي المبلغ عنها في فرنسا بنسبة 32% و33% على التوالي مقارنةً بعام 2020، لتصل إلى 75,800 حالة عنف جنسي.

أما في ألمانيا -التي سجّلت أعلى نسبة من حالات العنف ضد النساء في الاتحاد الأوروبي (35%)- بلغ عدد حالات الاغتصاب والإكراه والاعتداء الجنسي ذروته عام 2016 بواقع 11,282 حالة.

وانخفض عدد الحالات التي سجلتها الشرطة الألمانية في عام 2017، إلا أنه بدأ بالارتفاع مجددًا منذ عام 2018 حتى وصل إلى قرابة 10 آلاف حالة في عام 2020.

يؤدي العنف الجنسي إلى إصابة الضحايا بصدمات شديدة وشعورهم بالعجز، ويتسبب ذلك في تدني احترام الذات لديهم، وبالتالي زيادة شعورهم بالضعف.

أما الضحايا الذين تعرضوا لصدمات جنسية في طفولتهم، فدائمًا ما يشعرون بالضعف والخطر، ويلومون أنفسهم باستمرار، ويميلون إلى العزلة والابتعاد عن الآخرين.

غالبًا ما يعاني هؤلاء الأشخاص من صعوبات في النوم، والتي من الممكن أن تتفاقم وتتسبب بعدة اضطرابات تؤثر على عملية التعلم أو النمو العصبي.

يشمل ذلك عسر القراءة واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، بالإضافة إلى القلق واضطرابات في النظام الغذائي ومشكلات متعلقة بالكحول أو سلوكيات إيذاء النفس.

تتعرض العديد من المراهقات للتنمر بعد التعرض إلى العنف الجنسي، ما يدفعهن إلى مزيد من العزلة، وكثيرًا ما تواجه النساء البالغات من ضحايا العنف الجنسي مشاكل صحية متكررة في منطقة أسفل البطن، ويعانين من مستويات عالية من القلق والاكتئاب والرهاب الاجتماعي واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

تُعد مشكلات النوم والشعور بالذنب والعار من الأمور الشائعة جدًا بين هؤلاء النساء، ما يدفعهن إلى محاولة تهدئة أنفسهم بتناول كميات زائدة من الطعام أو الإفراط في شرب الكحول.

على المستوى الدولي، هناك العديد من الأدوات القانونية التي تعزز حماية ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي والناجين منه عبر القواعد والمعايير المقبولة دوليًا.

كانت اتفاقية “سيداو” للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979، أول معاهدة دولية عالمية مُلزمة قانونًا.

تهدف اتفاقية “سيداو” إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على الرغم من أن قضية العنف ضد المرأة لم يُشر إليها بشكل صريح في الاتفاقية.

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993 إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، وهو أول أداة دولية غير مُلزمة تعالج بشكل مباشر جميع أشكال العنف ضد المرأة، بما يشمل العنف الجنسي، وتعتبرها ضمن انتهاكات حقوق الإنسان.

كما تبنت الأمم المتحدة منهاج عمل بيجين بعد ذلك بعامين في عام 1995 لتزويد الدول والمنظمات الدولية بإجراءات محددة لتقليل ومنع أشكال العنف ضد المرأة.

تتضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) في إطار المساواة بين الجنسين أهدافًا لمكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة.

إلى جانب الأدوات القانونية الدولية، هناك أيضًا أطر إقليمية مهمة تفرض التزامات محددة على الدول لحماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.

فهناك اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي في أوروبا (اتفاقية اسطنبول)، والتي اعتمدها مجلس أوروبا عام 2011.

تعد هذه الاتفاقية أول اتفاقية ملزمة قانونًا على المستوى الأوروبي، وتهدف إلى منع جميع أشكال العنف ضد الإناث من خلال حماية ضحايا هذه الانتهاكات ومحاكمة مرتكبيها، وقد وقّع الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الأعضاء على الاتفاقية، لكن لم تصدّق عليها سوى 21 دولة فقط.

لم تصدّق على الاتفاقية كلٌ من بلغاريا والتشيك والمجر ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا، كما أعلنت بولندا في يوليو/ تموز 2020 نيّتها الانسحاب من الاتفاقية إلا أن ذلك لم يحدث بعد.

ا‎ستُوحيت اتفاقية إسطنبول من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تعارض تمامًا أي شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي، وتحارب التمييز وتحمي الحقوق الأساسية للمرأة في القارة الأوروبية.

وأخيرًا، اعتمدت 38 دولة عضو في مجلس أوروبا اتفاقية دبلن المستوحاة من اتفاقية إسطنبول، والتي تنص على مكافحة جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين.

وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، تعزز معاهدة الاتحاد الأوروبي مبادئ المساواة بين الجنسين وعدم التمييز، كما يكفل ميثاق الحقوق الأساسية حق الأفراد في الكرامة والمساواة ويحظر التمييز على أساس الجنس.

ومع ذلك، لا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي أداة مُلزمة قانونًا تعالج جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات حول العالم -لاسيما في وجود عناصر عابرة للحدود- بل هناك عدة أدوات في المناطق التي تتعرض فيها النساء للعنف.

وتركز تلك الأدوات على عدة قضايا منها المساواة في المعاملة وعدم التمييز والاتجار بالبشر وحقوق الضحايا بغض النظر عن الجنسية ومكان حدوث الجريمة في الاتحاد الأوروبي.

مدفوعةً بحقيقة وجود عجز كبير في عدد الدول المصدّقة على اتفاقية إسطنبول، روجت المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان في مارس/آذار 2022 لإنشاء آلية للتعامل مع جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال مقترح بإصدار توجيه بشأن مكافحة أشكال العنف ضد المرأة والعنف المنزلي.

ويهدف هذا المقترح -الذي ستكون له الأولوية في برنامج عمل المفوضية لعام 2023- إلى تحسين تشريعات الاتحاد الأوروبي والتوافق مع المعايير الدولية ومعالجة ثغرات الحماية.

ويهدف هذا التوجيه إلى تجريم الاغتصاب على أساس عدم موافقة الطرف الآخر وليس على استخدام القوة حصرًا كما هو الحال الآن في 18 دولة عضو.

كما يسعى إلى تجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وأنواع معينة من العنف الرقمي، ويشجع العمل على إنشاء إجراءات أكثر أمانًا للإبلاغ عن هذه الجرائم.

هذا بالإضافة إلى إعمال تقييمات فردية للمخاطر، جنبًا إلى جنب مع الخدمات المخصصة للضحايا في جميع الدول الأعضاء.

ينبع العنف ضد النساء والفتيات من الأعراف الاجتماعية السلبية والأدوار والصور النمطية للجنسين، فضلًا عن التمييز القائم على النوع الاجتماعي الذي يتسبب في حالات كثيرة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

يلحق العنف ضد المرأة ضررًا جسيمًا بالضحايا، إذ يتعرضن لخطر الإصابة بمشاكل جسدية ونفسية وجنسية وحتى الموت بسبب الإصابات التي لحقت بهن أثناء الاعتداءات، أو فيما بعد إذا اتجهن إلى الانتحار.

يؤثر العنف القائم على النوع الاجتماعي أيضًا على عائلات ومجتمعات وبلدان بأكملها، من خلال الإضرار برفاهية الأفراد ودفعهم إلى عزل أنفسهم عن المجتمع.

تنبّه تلك المعطيات الخطيرة إلى الضرورة الملحة لاتخاذ تدابير محددة لمنع جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ومعالجتها والقضاء عليها.

إذ ينبغي أن تحصل ضحايا العنف من الإناث على الخدمات الأساسية الشاملة لأجل سلامتهن وحمايتهن، وينبغي تمويل هذه الخدمات، بما يشمل الشرطة والنظام القضائي والصحة والخدمات الاجتماعية، وتحسين جودتها من أجل مساعدة الضحايا على نحو حقيقي، بالإضافة إلى تسهيل عملية التعافي وإعادة الاندماج.

من المهم أيضًا أن تركز جميع التدابير المتعلقة بمنع العنف ضد النساء والفتيات على معالجة الأسباب الهيكلية له، وهو في الواقع الحل الأكثر فعالية من حيث التكلفة والديمومة لوقف العنف الجنسي.

ولإنجاز ذلك، يجب على الحكومات ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى ذات الصلة العمل معًا لتثقيف وتوجيه الشباب والرجال من أجل تعزيز احترام العلاقات والمساواة بين الجنسين.

وختامًا، يعد جمع البيانات وتحليلها أداة حيوية يمكن من خلالها إجراء تحليل أفضل لأشكال ومخاطر وآثار العنف الذي تواجهه النساء والفتيات، ونوعية الدعم المقدم لهن، ووجود السياسات أو عدمها، لمنع ومعالجة جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.

قد يعجبك ايضا