دول الخليج: نقص الحماية من الحر يهدد العمال الوافدين
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن بلدان “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” تتقاعس عن حماية العمال الوافدين الذين يعملون في الهواء الطلق ويتعرضون لمخاطر صحية شديدة مرتبطة بالحر، وسط موجات الحر التي يغذيها الاحتباس الحراري العالمي وتسود المنطقة.
وصف العمال الوافدون في السعودية وقطر والإمارات الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أعراض أمراض مرتبطة بالحر، منها الإغماء والقيء، ووصفوا الشعور بالاختناق بسبب الحر.
ورغم درجات الحرارة القاتلة، معظم من قابلتهم هيومن رايتس ووتش لا يحظون بفترات راحة في الظل ولا الماء البارد للترطيب والتبريد.
قال مايكل بيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ترغب دول الخليج في أن يُنظر إليها على أنها رائدة عالميا في مجموعة من القضايا، لكن في القضية ذات الأهمية العالمية المتعلقة بالحماية من الحر، فإن سجلها باهت في أحسن الأحوال”.
وأضاف “نتيجة لذلك، يعاني العمال الوافدون في دول مثل السعودية والإمارات وقطر، والذين يحاولون إعالة عائلاتهم في أوطانهم، كل يوم بلا داع ويصابون بأمراض مزمنة، بل ويموتون بسبب الحر الخانق”.
العديد من الأيام الأحرّ المسجلة منذ العام 1940 كانت المنطقة في الأسبوع الثالث من يوليو/تموز 2024، وفقا لمجموعة بيانات علمية، وتجاوز مؤشر الحرارة في بعض مدن الخليج 35 درجة مئوية.
صُنّفت دبي والدوحة مؤخرا على أنهما المدينتان الأكثر تعرضا لحر الصيف على مستوى العالم. أفادت وسائل إعلام أن درجات الحرارة المحسوسة في دبي في 17 يوليو/تموز، عند أخذ الرطوبة بعين الاعتبار، بلغت 62 درجة مئوية.
مع ذلك، تطبّق دول الخليج تدابير حظر غير كافية على العمل في منتصف النهار، إذ يُحظر فقط العمل في الهواء الطلق خلال ساعات محددة مسبقا في أشهر الصيف بدلا من استخدام “مؤشر الحرارة للبُصيلة الرّطبة الكرويّة”، المستخدم على نطاق واسع ويقيس الإجهاد الحراري المرتبط بالعمل على أساس درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية.
وقطر هي الوحيدة التي تستخدم هذا المؤشر كعتبة لوقف العمل في الهواء الطلق، لكن عتبة التوقف عن العمل مرتفعة جدا بحيث لا توفر حماية فعالة للعمال.
في مايو/أيار 2023، قابلت هيومن رايتس ووتش 90 عاملا وافدا للتحقيق في مخاطر الحر التي يواجهها العمال في الهواء الطلق في دول الخليج، بالإضافة إلى 15 عاملا في الإمارات والسعودية في سبتمبر/أيلول 2023، بعد انتهاء حظر العمل في منتصف النهار.
وفي يوليو/تموز 2024، خلال ذروة حر الصيف، تابعت هيومن رايتس ووتش هذا البحث وأجرت مقابلات مع ثمانية عمال في الإمارات وقطر.
قال عامل مقيم في قطر يعمل في بناء السقالات: “لا يكفي أنْ نصِفَ الحر الذي نعيشه بالكلمات. عليكم أن تجربوا ذلك بأنفسكم. أجسادنا تغرق في العرق. من الرأس إلى القدمين. لا يسلم أي عضو في الجسم”.
فيما قال عامل في الإمارات: “هذه الوظيفة ليست جيدة لصحتنا… الصداع والحمى شائعان. التعرق المستمر يضعف الجسد. لكن ظروفنا واحتياجاتنا [الاقتصادية] هي أكبر دوافع القوة التي تجعلنا نتكيف حتى في الجو الحار”.
أظهرت دراسات بحثية راجعها نظراء عدم كفاية الحظر الحراري في منتصف النهار في دول الخليج لحماية العمال بفعالية، حيث تحدث ظروف الحر الشديد أيضا خارج أشهر أو ساعات الحظر.
قال عامل مقيم في الإمارات: “الراحة ثلاث ساعات لا تجعل الحر يزول. بعد الثالثة عصرا أيضا، يصبح الجو حارا جدا. … عندما يصبح الجو حارا جدا، تبدأ بالشعور بالدوار. جسمك يصبح ضعيفا. تفقد مهاراتك المعرفية الحركية. تصبح عضلاتك ضعيفة جدا”.
قال عامل آخر في الإمارات: “إذا هبّت الريح، يمكن احتمال الحر بشكل أكبر، ولكن عندما لا يحدث ذلك، يصبح حتى التنفس صعبا جدا”.
ليس كل المشرفين متعاطفين. قال عامل في بناء الطرق: “رئيس العمال لا يكترث، المهندس يريد فقط أن يُنجَز العمل. في الحر، يفقد الناس الوعي. من بقي منّا يُتوقع منه مواصلة العمل كالمعتاد”.
فيما قال عامل مقيم في السعودية: “كل يوم، يفقد عامل أو عاملان الوعي، في أوقات تشمل الصباح والمساء. أحيانا في الطريق إلى العمل، وفي بعض الأحيان أثناء العمل”.
يشيع بين العمال نزيف الأنف، والحمى، والصداع، والغثيان، والإغماء. للحر أيضا آثار صحية دائمة مثل الفشل الكلوي في المرحلة النهائية وحتى الموت.
وثّقت هيومن رايتس ووتش أنّ في مثل هذه الحالات، يُترك العمال الوافدون وعائلاتهم دون أي دعم من حكومات دول الخليج أو أصحاب العمل.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الخليجية أن تتبنى فورا تدابير حماية من الحر على أساس المخاطر، مثل مؤشر الحرارة للبُصيلة الرّطبة الكرويّة، مع عتبات مناسبة على أساس كثافة العمل لفرض جداول زمنية للراحة والعمل قائمة على الأدلة.
على أصحاب العمل أيضا توفير مناطق للراحة في الظل وماء الشرب. قال عامل مقيم في قطر: “الأمور أفضل لأن العمل يتوقف من الساعة 10 صباحا حتى 3:30 مساء، وليس عند الظهر كما في الماضي. مع ذلك، الجانب السلبي هو أننا لا نستطيع استخدام مناطق الراحة في العمل. نعود إلى مخيماتنا التي تبعد ساعة”. عندما يستريح في الموقع، يفعل ذلك في الحافلة غير المكيفة.
قال أربعة عمال تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش هذا الصيف إن المياه ليست متاحة دائما في موقع العمل. قال أحد العمال: “علينا أن نحافظ على رطوبة الجسم. إذا فقدنا كثيرا من العرق أو لم نشرب الماء كل نصف ساعة تقريبا، نبدأ بالشعور بالضعف”.
موجات الحر هذه، التي تغذيها أصلا أزمة المناخ، يُتوقع أن تتصاعد بسرعة إذا لم تتخذ الحكومات الإجراءات اللازمة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
قالت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” (الهيئة)، وهي المرجعية الرائدة عالميا في العلوم المناخية، إن دول الخليج “من المتوقع أن تقترب، وربما تتجاوز، العتبة الفزيولوجية لقدرة الإنسان على التكيف بحلول نهاية هذا القرن”.
تتجاوز مشاريع الوقود الأحفوري الحالية إمكانية الحد من الاحتباس الحراري ضمن زيادة 1.5 درجة مئوية، المطلوب لمنع انهيار المناخ العالمي، وفقا للهيئة. حرق الوقود الأحفوري هو المحرك الرئيسي لأزمة المناخ، إذ يشكل أكثر من 80% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
تعمل بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة، على تطوير وسائل حماية من الحر للعاملين في الهواء الطلق.
بينما من المحتمل أن تحتوي وسائل الحماية هذه أيضا على ثغرات خطيرة وتوجد عقبات كبيرة أمام دخول هذه السياسات حيز التنفيذ، إلا أنها تستخدم كمراجع مجموعة سريعة النمو من الأبحاث التي تربط التعرض للحر الشديد بأضرار صحية خطيرة، وهي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
كما لا يزال العمال الوافدون يواجهون انتهاكات أخرى في ظل نظام الكفالة في دول الخليج، الذي يعطي الأولوية لأصحاب العمل.
مثلا، تؤدي صعوبة تغيير الوظائف وقروض التوظيف المستحقة إلى وقوع العمال في ظروف تسودها الانتهاكات. قال أحد العمال: “إذا أبطأنا [في العمل بسبب الحرارة]، يهددنا رئيس العمال بخصم أجرنا لثلاثة أيام”.
كما أن النقابات العمالية محظورة أو مقيّدة في دول الخليج، وخاصة للعمال الوافدين. كما تقيّد دول الخليج حرية التعبير، ما يؤدي إلى استمرار نقص الحماية، مثل حظر العمل في منتصف النهار.
قالت هيومن رايتس ووتش إن تجربة دول الخليج في التعامل مع المناخ الحار، وإدارة مشاريع البناء الكبيرة، ومؤخرا استضافة الأحداث الكبرى، مثل الحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية التي تتطلب التعرض للعمل في الهواء الطلق، ينبغي أن تحفّز هذه الدول على أن تصبح رائدة في مجال الحماية من الحر.
وأكدت أن على دول الخليج السعي إلى عدم تكرار المآسي الأخيرة التي سببها الحر الشديد، بما فيها وفاة أكثر من 1,300 شخص خلال استضافة السعودية موسم الحج السنوي.
قال بيج: “مع بلوغ الحرارة درجات غير مسبوقة عالميا، ينبغي لدول الخليج أن تكون رائدة في تنفيذ تدابير حماية قوية من الحر لصون العاملين في الهواء الطلق، ولا تقف مكتوفة الأيدي بينما تحرم عشرات العمال الوافدين من الحماية من المخاطر الصحية المعروفة للحر الشديد”.