بعثة مركز الخليج لحقوق الإنسان إلى قطر تكشف عن انتهاكات جسيمة ضد العمال المهاجرين
قامت بعثة مركز الخليج لحقوق الإنسان في قطر بتوثيق الانتهاكات الجسيمة للحقوق المدنية والإنسانية للعمال الأجانب.
وبحسب شهادة عدد من العمال الوافدين، فإن هذه الانتهاكات تبدأ في بلدانهم الأصلية عندما يتم اختيارهم للسفر والعمل في قطر، وتستمر عند وصولهم والعمل هناك.
بعد البعثة، أصدر مركز الخليج توصيات مهمة إلى حكومة قطر والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بهدف حماية العمال المهاجرين من أي تمييز أو سوء معاملة ومنحهم الفرصة لبناء حياة صحية وثرية لهم ولأسرهم.
الانتهاكات في مرحلة التوظيف
يدفع العمال الوافدين مبالغ طائلة في بلدانهم لسماسرة أو شركات تشغيل من أجل أن يتم اختيارهم للسفر والعمل في قطر.
بالرغم من ذلك، فأنهم عندما يصلون إليها يتفاجؤوا بالأجور الضئيلة التي تُدفع لهم، وحشرهم بأعدادٍ كبير في مساكن مكتظة وسيئة الحالة، إضافة إلى انعدام الرعاية الصحية المناسبة.
أجرى مركز الخليج لحقوق الإنسان مقابلات مع عدد من العمال المهاجرين الذين لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم، خوفاً من الانتقام، كما حدث لبعض أولئك الذين عبروا عن آرائهم علناً في الماضي.
يقول (ب.س) من أوغندا: “دفعت 2000 دولار كرسوم للتسجيل والتدريب والفحوصات الطبية كي يتم قبولي للسفر والعمل في قطر، وهو مبلغ كبير جداً في بلدي اضطررت لاستدانته من عددٍ كبير من الأقرباء والأصدقاء”.
هناك آخرون دفعوا أكثر من ضعف هذا المبلغ في بلدان أخرى ولم يلاقوا توقعاتهم أبداً عند وصولهم إلى قطر.
معاملة مهينة أثناء السفر
تم إجبار الذين تم اختيارهم للسفر إلى قطر على ارتداء قميص خاص كتب على ظهره معلومات عن الجهة التي قامت بتوظيفهم، ووُضعوا جنب بعض في مؤخرة الطائرة.
يقول (س.د) من أوغندا، “هذه هي السفرة الأولى لي خارج بلدي وكنت أتمنى أن يسمح لي بارتداء ملابسي الخاصة، ولكن التعليمات كانت صريحة تنص على أن ارتداء هذا القميص هو اجباري”.
وأضاف يقوله: “كان إجبارنا على الجلوس مع بعض في خلف الطائرة له طعم الإهانة لنا جميعاً. لا ندري لماذا واجهنا هذا التمييز غير المبرر، ولماذا لم يُسمح لنا الجلوس حيث نشاء في أرجاء الطائرة مثل بقية الراكبين”.
انتهاكات السكن
يمثل السكن غير اللائق والذي يفتقد الشروط الصحية الضرورية مشكلة مزمنة لمعظم العمال الوافدين في قطر.
يقول (م.ي) من الهند بألم: “جميع العاملين الوفدين في شركتنا قد تم إسكان بين 5-6 منهم في غرفة واحدة بعمارة اكتظت بعددٍ يصل إلى 200 عاملاً منا. لا نملك أية خصوصية تُذكر، والمرافق الصحية في حالة يرثى لها.
وأضاف: “ندما ذهبنا للشكوى قالوا لنا بالنص، (من لا يعجبه السكن ليسكن في الشارع)”.
انعدام الرعاية الصحية
معظم العمال الوافدين في قطر وبضمنهم العاملات في المنازل غير مؤمنين صحياً وعليهم دفع تكاليف العلاج والرعاية الصحية من دخلهم الضئيل ابتداءً.
كذلك فأن في الحالات التي يقوم فيها أرباب العمل بتأمين العمال الوافدين صحياً، فإن ما يدفعونه لمتطلبات العالج هو ضئيل جداً.
يقول (ح.ث) من أثيوبيا، “أصبت بالتهاب حاد في الجهاز التنفسي وبالرغم من كون التأمين الصحي كان ضمن عقد العمل الذي وقعته، فأن الشركة التي أعمل بها لم تدفع من نفقات علاجي سوى 100 دولاراً فقط”.
عدم دفع الرواتب لأشهر عديدة
يقول (ن.ر) من كينيا ما يلي: “دفعت مبلغاً كبيراً من أجل القدوم هنا ومرت خمس أشهر وبالرغم من العمل الشاق الذي أقوم به فلم تُدفع لي مستحقاتي المالية لحد الآن”.
أما (س.م) من الفليبين فذكر ما يلي: “بعد مرور ستة أشهر على عدم دفع رواتبي من قبل الشركة الأمنية التي كنت أعمل فيها اضطررت لترك العمل والبحث عن عمل آخر، ولم تُدفع لي مستحقاتي من قبل الشركة القديمة أبداً”.
لقد وجدت بعثة مركز الخليج لحقوق الإنسان، أن تأخر دفع المرتبات أو عدم دفعها مطلقاً هي مشكلة مزمنة يعاني منها الآلاف من العمال الوافدين في قطر.
عاملات المنازل اللائي يعشن في ظروف ترقى إلى العبودية، ويواجهن الاعتداء الجنسي
أمضت البعثة وقتًا طويلاً في إجراء مقابلات مع عاملات المنازل، ووثقت تعرضهن لانتهاكات جسيمة دون أن يتم تزويدهن بأي دعم قانوني أو صحي، ولا فرصة للحصول على حقوقهن وتقديم الجناة إلى العدالة.
كما لم يُعرض عليهن تعويض عادل، بالإضافة إلى عدم اهتمام أصحاب العمل برفاههن ورعايتهن. يعيش الكثير منهن في ظروفٍ ترقى إلى مستوى العبودية، وأفاد بعضهم بتعرضهن للاعتداء الجنسي.
(م.ر) فتاة شابة تبلغ من العمر 23 سنة فقط، وصلت إلى قطر بعد أن دفعت مبلغاً كبيراً أرهق كاهل أسرتها.
أخبرت البعثة بما يلي: “واجهت منذ بداية عملي في هذا المنزل تحديات كبيرة منها، نقص الطعام الذي يُقدم لي، مضايقات وانتهاكات مستمرة وتأخير الراتب الضئيل الذي يبلغ 200 دولار شهرياً فقط”.
استرسلت بقولها: “هناك أيضاً عدم احترام رب الأسرة ومعظم أفرادها لي، وتوجيه الاتهامات الباطلة ضدي. لا يوجد لي يوم كعطلة، وعملي متواصل لمدة 18 ساعة”.
لقد أوضحت بقولها: “لا أملك أية حرية على الإطلاق، وحتى لو كنت مريضة فعلي العمل”.
أخيراً أضافت ما يلي: “مؤخراً حصل مالم يكن في الحسبان وحطم نفسيتي من الداخل فقد قام أحد الأبناء باغتصابي، ولم يتم اتخاذ إي إجراء بالرغم من تقديمي شكوى لرب العمل”.
“الآن أعيش بذل وقد فقدت كرامتي، وكل الذي أريده أن أعود الى بلدي بعد انتهاء مدة العقد حيث رفض رب العمل منحي رسالة عدم الاعتراض الضرورية للانتقال إلى عمل آخر”.
لقد قابلت البعثة عدداً آخر من العاملات الشابات في البيوت وقد اتفقن على كل ما ذكرته زميلتهن (م.ر) وأكدن على عدم وجود أية آلية واضحة لتقديم الشكوى القانونية.
والحل الوحيد حالياً الذي يضمن عدم ترحيلهن هو السكوت عما يتعرضن له من انتهاكات أثناء عملهن في البيوت الخاصة.
ساعات عمل طويلة ورواتب ضئيلة وانعدام الحوافز والحرمان من الإجازة السنوية
لا تتناسب الأجور التي تُدفع للعمال الوافدين مع ساعات العمل الطويلة والعمل الشاق الذي يؤدونه. يقول (ق.س) من غانا، “أعمل 14 ساعة في اليوم، من بينها 5 ساعات إضافية لا تُدفع لي أجورها أبداً”.
لقد أوضح قائلاً: “أنهم لا يقدرون إمكانياتك بسبب لون بشرتك. إذا تقدمت بطلب للحصول على منصب أعلى أو أي ترقية، فسيتن رفض طلبك ولن تحصل على نفس المعاملة التي يعامل بها الآخرين القادمين من البلدان الغربية”.
أما (م.ي) من النيبال فيقول: “العمل كثير جداً لا ينتهي، والرواتب التي تُدفع لي ولزملائي قليلة جداً تتراوح بين 400-500 دولار، ولا تستطيع السفر إلى بلدك في إجازة إلا بعد انتهاء مدة العقد”.
العاملون في قطاع البناء وبضمنها منشئات كأس العالم
يعاني العمال الوافدين من العاملين في قطاع البناء وبضمنها منشئات كأس العالم 2022 من تعرضهم إلى انتهاكات واسعة لحقوقهم.
أنهم يعملون قسرياً لساعات طويلة متواصلة ويتم منحهم رواتب ضئيلة جداً، والتي بالرغم من ضآلتها لا تدفع لهم إلا بعد تأخر كبير.
يقول (ت.ن) من بنغلاديش: “راتبي هو 300 دولار شهرياً وأعمل بشكل إجباري دون توقف منذ سنتين ولم يتم السماح لي بالتمتع بأي إجازة، ونسكن في بناية قذرة تكتظ بنا، ومن يصيبه المرض لن يُفكر به أحد”.
الحرمان من الحق في تكوين النقابات والحق في التظاهر السلمي
يقول (ث.س) من الباكستان: “حاولت مع زملاء لي في الشركة التي أعمل فيها تأسيس نقابة تمثلنا وتدافع عن حقوقنا”.
وأضاف: “لم يمر وقت طويل حتى تم استدعائي من قبل رب العمل وتم إخباري بصريح العبارة أنه إن لم أتوقف عن ذلك فوراً فأني سأواجه خطر فقدان عملي والترحيل خلال 24 ساعة”.
وأضاف موضحاً: “لم أفهم ما يجري، ولكني أخبرت زملائي بذلك وقررنا التوقف عن ذلك حيث لم يكن لدينا أي خيار آخر”.
كذلك، فأن السطلات الأمنية في قطر وعلى رأسها جهاز أمن الدولة سيء الصيت والمعروف بسياساته القمعية الشديدة، لا يعطي الحق لا للمواطنين ولا للعمال الوافدين في التظاهر السلمي.
بتاريخ 14 أغسطس/آب 2022، قام العشرات من العمال الوافدين القادمين من بلدان مثل مصر، النيبال، بنغلادش، الهند، والفليبين، بتنظيم تظاهرة في العاصمة الدوحة مطالبين بدفع رواتبهم، بما في ذلك بعضهم من الذين لم يتقاضوا رواتبهم لمدة 7 أشهر.
لقد قامت القوات الأمنية بتفريق التظاهرة بالقوة، واعتقال العشرات من المحتجين في مركز شرطة وترحيل ما يقارب 60 منهم إلى بلدانهم.
تملك القوات الأمنية قدرات واسعة على اعتقال كل من يفكر بالتظاهر السلمي والمتحضر للمطالبة بحقوقه.
لكنها لا تملك الإرادة أو الرغبة في تقديم أولئك الذين يرتكبون الانتهاكات الجسيمة بحق العمال الوافدين وبضمنهم العاملات في المنازل إلى العدالة.
بناءً على النتائج التي توصلت إليها بعثته الأخيرة، مركز الخليج لحقوق الإنسان يوصي الحكومة القطرية بأن:
- تشرع قانوناً يحمي العاملات الوافدات اللائي يعملن في المنازل والعمل الجاد من أجل تقديم كل الذين قاموا بارتكاب الانتهاكات الجسيمة بحقهم إلى المحاكمة.
- وتعويضهن تعويضاً يتناسب وما تعرضهن له.
- وضع أليات قانونية صارمة توفر لهن الحماية القانونية التي تمنع تعرضهن لمثل هذه الانتهاكات بعد الآن.
- على السلطات في قطر منح العمال الوافدين الحق في النقابات التي تمثلهم وتدافع عن حقوقهم وكما ورد في المادة (23) الفقرة (4) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
- حماية حقهم في حرية التعبير وحرية التظاهر السلمي كما ورد في الإعلان نفسه.
- التأكد من حريتهم الكاملة في التنقل من عمل إلى عمل آخر يوفر لهم حياةً أفضل.
- بذل جهود مضنية لوضع حد للاستغلال الشنيع للعمال الوافدين.
- ضمان حصولهم على سكن لائق وتأمين صحي ملائم عند وصولهم إلى قطر.
- معاقبة جميع أصحاب العمل الذين يتأخرون في دفع المستحقات المالية لهم.
- على الحكومة القطرية وبالتعاون مع أصحاب العلاقة الأخرين وفي مقدمتهم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وبالتشاور مع ممثلي العمال الوافدين من الذين أصيبوا بضرر ما بسبب عملهم في منشئات كأس العالم في قطر، أن يقدموا لهم جميعاً التعويض الذي يستحقونه.