السعودية: إجراءات توطين العمالة لا ينبغي أن تأتي على حساب آلاف العمال اليمنيين
لندن – قالت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان إنها تنظر بعين القلق لاستمرار السلطات السعودية تنفيذ سياسة تهدف إلى تقليص وجود العمالة اليمنية إلى الحد الأدنى بشكل قسري، حيث كانت آخر خطواتها تسريح مئات العاملين في مجال التدريس والرعاية الطبية جنوبي السعودية.
وقالت منظمة الفكر إن السلطات السعودية تنفذ حملة جديدة وواسعة منذ أشهر، ارتفعت وتيرتها خلال الشهر الماضي، لإنهاء عقود مئات الأكاديميين والمعلمين والأطباء اليمنيين في جامعات ومدارس ومستشفيات السعودية، وإجبارهم على العودة إلى بلادهم التي تواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وأضافت إنه إلى جانب مئات العاملين الذين تم إنهاء عقودهم بالفعل، فإن آلافًا آخرين يبقون يواجهون مصيرًا مجهولًا في ظل خشيتهم بأن تطالهم الإجراءات السعودية، خاصة وأن تلك الإجراءات تستهدف العاملين من الجنسية اليمنية بشكل كبير.
وتعمل السعودية منذ سنوات على معالجة مشكلة ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين السعوديين من خلال تطبيق سياسة “السعودة” (توطين العمالة)، لإحلال المواطنين السعوديين مكان العمالة الوافدة في المؤسسات السعودية.
ووصلت إمباكت الدولية إلى أحد المعلمين اليمنيين المهددين بالطرد في السعودية (رفض الكشف عن اسمه)، حيث قال: “أنا لم يصلني إشعار بإنهاء عقدي ولكن العديد من زملائي في مناطق أخرى أعلموا بإنهاء عقودهم وضرورة البحث عن عمل آخر خلال ثلاثة أشهر، وفي حال عدم حصولهم على عمل، فإنه يتوجب عليهم المغادرة من المملكة فورًا”
وأضاف: “هذا شرط تعجيزي، إن كانت هناك قرارات بتسريح العاملين اليمنيين، كيف يمكن لأولئك المسرحين الحصول على فرص عمل أخرى؟ اليوم لم يتم تسريحي لكن من يعلم ماذا يمكن أن يحدث غدًا!”
واطلعت إمباكت على محضر إبلاغ (سري) أشعرت فيه السلطات السعودية أصحاب المنشآت بالقرار “من منطلق سياسات التوطين وسياسات الانكشاف المهني وسياسة توازن الجنسيات”. وأبلغت السلطات السعودية أصحاب الأعمال بضرورة “نقل جميع العمالة من الجنسية المحددة لأي فرع آخر خارج منطقة العسر/الواحدة/نجران/جيزان”.
وطالبت السلطات ممثلي المنشآت بـ “عدم إيواء العمالة من الجنسية المجدد أو تجديد عقود السكن لهم في المناطق الجنوبية بعد انتهاء المهلة، وتحمله كامل المسؤولية في ذلك، وتطبيق العقوبات النظامية بحقه”
وقالت “سارة بوراشد”، الباحثة في إمباكت الدولية، إن “من حق السلطات السعودية إيجاد حلول لمعالجة البطالة وتشغيل المواطنين السعوديين، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب أكثر من مليون ونصف عامل يمني، معظمهم يتلقى رواتب منخفضة”.
وأضافت “بوراشد” أن معظم العاملين اليمنيين في المحافظات الجنوبية لم يُترك لهم خيارًا سوى الرحيل، خاصة في مناطق جيزان وعسير ونجران والباحة، حيث تلقى المهاجرون اليمنيون منذ شهر يوليو الماضي إشعارات بإنهاء عقودهم، وتضمن ذلك إنهاء عقود الإيجار في سكنهم وإعلامًا بترحيلهم حال عدم حصولهم على وظائف أو أعمال في مناطق أخرى.
وشددت “بوراشد” على أن إجراءات إنهاء التعاقدات للعاملين في مختلف المؤسسات يجب أن تتم وفقًا لضوابط ولوائح تحفظ حقوقهم كاملة.
وأفادت وسائل إعلام محلية أن السلطات السعودية كانت وجهت إنذارات نهائية للمؤسسات في المحافظات الجنوبية بضرورة اتخاذ خطوات لإنهاء عقود العمالة اليمنية فيها تمهيدًا لترحيلهم.
وكانت وزارة المالية السعودية أعلنت في عام 2017 عن بدء فرض رسوم إضافية على العمال الوافدين ومرافقيهم، وصلت إلى 400 ريال شهريًا عن كل فرد في بداية عام 2020، الأمر الذي دفع العديد من العمال الوافدين إلى مغادرة السعودية إما إلى دول أخرى أو العودة إلى أوطانهم، لعدم قدرتهم على تغطية تكاليف الإقامة فيها.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه عشرات الآلاف من الأسر في اليمن على أبنائها العاملين في السعودية لإرسال الأموال التي تسهم في تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية، فإن قرارات الترحيل المتعاقبة ضد المئات منهم تنذر بتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون.
وبدأت حركة نزوح وهجرة اليمنيين من بلادهم بشكل واسع منذ عام 2015، منذ انطلاق عملية “عاصفة الحزم” بقيادة المملكة العربية السعودية، حيث حصدت الحرب حياة أكثر من 233 ألف يمني حتى نهاية عام 2020، وفقًا للأمم المتحدة.
ودعت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان السلطات السعودية إلى حفظ حقوق العمالة الوافدة على أراضيها خلال إجراءاتها الهادفة إلى معالجة مشكلة البطالة بين السعوديين.
وطالبت وزارة العمل السعودية باتخاذ التدابير اللازمة لضمان الحقوق العمالية لعشرات الآلاف من العاملين المهاجرين في البلاد، وتنفيذ إجراءات إنهاء التعاقدات وفقًا لمعايير ولوائح تحفظ حقوقهم.