العفو الدولية:إحلال سلام دائم يتطلب العدالة الدولية لجميع ضحايا الجرائم المُرتكَبة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة

علقت منظمة العفو الدولية على الاستنتاج الذي خلصت إليه جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، قائلة إنه يجب على الدول إبداء التزامها بالعدالة الدولية لضمان محاسبة فعلية للمسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المرتكبة ضد جميع الضحايا في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل.

وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: “يتعرّض نظام العدالة الدولية لاعتداءات ويواجه خطرًا وجوديًا. ولم يسبق أن تعرَّض نظام العدالة لاختبار أشد وطأةً مما يحدث في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة. يجب على الدول إبداء التزامها بالعدالة الدولية، عن طريق دعم مؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية وحماية قدرتها على محاسبة الجناة”.

ووثقت منظمة العفو الدولية بشكل مكثف الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، على الرغم من وقف إطلاق النار، وممارساتها في ظل الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في نظام الأبارتهايد.

وأشارت كالامار إلى أن “قادة العالم قد رحبوا بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الشهر الماضي، الذي حدد فيه خطة بشأن غزة باعتبارها مخططًا أساسيًا لإحلال سلام دائم. ولكنها قالت إنه “لا يمكن التغاضي عن الجرائم الدولية المُرتكَبة على مدى عقود من الزمن بإبرام اتفاقيات تغفل محاسبة الجناة وتُرسِخ جذور الظلم؛ فإظهار الحقيقة وإقامة العدالة وتعويض الضحايا أركان أساسية لإحلال سلام دائم”.

ودعت منظمة العفو الدولية جميع الأطراف في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة والمجتمع الدولي القلق بشأن العيوب الجلية في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى وضع خارطة طريق لإقامة العدالة وتقديم التعويضات للضحايا والالتزام بهذه الخارطة. وينبغي أن ترمي هذه الخارطة إلى إنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ونظام الأبارتهايد الذي تفرضه واحتلالها غير المشروع للأرض الفلسطينية؛ وينبغي كذلك أن تتطرق هذه الخارطة إلى الجرائم المشمولة في القانون الدولي التي ترتكبها حركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة. وتوصي منظمة العفو الدولية بأن تقوم خارطة الطريق على التكامل بين مختلف الآليات والمؤسسات القضائية، لضمان إقامة العدالة على نحو فعال وحقيقي وعدم تكرار وقوع الجرائم.

ويشمل ذلك تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل والجماعات الفلسطينية.ويجب إجراء هذه التحقيقات بدون أي عوائق وإتاحة السبل التي تسهل وصول المحققين والجهات القضائية الفاعلة إلى إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، وينبغي النظر، خلال هذه التحقيقات، في ما ارتكبته ولا تزال ترتكبه إسرائيل من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في ظل الأبارتهايد، والجرائم التي ارتكبتها الجماعات الفلسطينية المسلحة قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وخلالها وتلك التي لا تزال ترتكبها منذ ذلك الحين؛ ويرمي ذلك إلى ضمان محاسبة جميع الأشخاص، بمَن فيهم الذين يقع عليهم الجزء الأكبر من المسؤولية ممن لا يزالون على قيد الحياة.

وينبغي أن تُلزِم خارطة الطريق الدول بدعم جهات مثل لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، والتعاون معها بالكامل. ويتعين عليها تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان رفع العقوبات والقيود عن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، التي وثقت انتهاكات القانون الدولي ومثلت جميع الضحايا على حد سواء، على مدى عقود من الزمن.

وبالتوازي مع الآليات الدولية، يمكن للدول وضع مسار جديد قائم على العدالة القضائية من أجل إحلال السلام، وذلك بممارسة الولاية القضائية الجنائية المحلية أو العالمية، أو أي شكل آخر من أشكال الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية، بشأن الجرائم الدولية المُرتَكَبة في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل.

وقالت كالامار إن “ضحايا الفظائع المُرتَكَبة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة يستحقون عدالة حقيقية. ولا يقتصر ذلك على مجرد محاكمة الجناة وإدانتهم فحسب، بل يشمل أيضًا ضمان تقديم التعويضات الكافية والمناسبة إليهم والضمانات الكافية بعدم تكرار وقوع تلك الفظائع بحقهم. فلا مفر من الأهمية البالغة لهذه الخطوات في سبيل إحلال السلام والأمن على نحو دائم”.

بعد شهرين من إعلان وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء، تُواصِل السلطات الإسرائيلية ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل، في ظل إفلات تام من العقاب؛ إذ لا تزال تتعمّد إخضاعهم لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم المادي، بدون أن تبدي أي تغيُر في قصدها.

وقد نشرت منظمة العفو الدولية مؤخرًا تحليلًا قانونيًا للأوضاع الراهنة، وأوضحت فيه استمرار ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وأوردت فيه شهادات من سكان محليين وأفراد طواقم طبية وعاملين في المجال الإنساني، وقد بيَّنوا فيها استمرار معاناة الفلسطينيين من ظروف معيشية مروِّعة في قطاع غزة. وخلصت المنظمة إلى أنه على الرغم من تقليص إسرائيل لنطاق هجماتها وإجراء بعض التحسينات الضئيلة، لم تتغير الظروف التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة تغييرًا جوهريًا يُذكَر، ولم يظهر أي دليل على تبدُّل قصد إسرائيل.

فقد قُتِل ما لا يقل عن [[370]] شخصًا، من بينهم [[140]] طفلًا، إثر الهجمات الإسرائيلية منذ إعلان وقف إطلاق النار في 9 أكتوبر/تشرين الأول. وفي إطار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل على مدى أكثر من عامَيْن، تعمَّدت تجويع المدنيين الفلسطينيين، مانعةً عنهم المساعدات الإنسانية وإمدادات الإغاثة الحيوية، بما في ذلك المستلزمات الطبية والمعدات الضرورية لإصلاح البنى التحتية اللازمة لاستمرار الحياة، وذلك على الرغم من بعض التحسينات المحدودة. علاوةً على ذلك، عرَّضت إسرائيل الفلسطينيين لموجات متتالية من التهجير القسري غير الإنساني، ما ضاعف معاناتهم الكارثية. وبلغ عدد القتلى الفلسطينيين أكثر من [[70,000]]، بينما تجاوز عدد المصابين [[200,000]]، ولحقت بالكثير منهم إصابات خطيرة غيرت مجرى حياتهم.

ويستمر الاحتمال الموضوعي بأن تؤدي الظروف الراهنة إلى تدمير الفلسطينيين في غزة. ومع ذلك، لم تبدِ السلطات الإسرائيلية أي تغيُر في قصدها؛ فقد تجاهلت ثلاثة أوامر مُلزِمة صادرة عن محكمة العدل الدولية، ولم تُجرِ أي تحقيقات مع المشتبه بمسؤوليتهم عن ممارسات الإبادة الجماعية ولا حاكمتهم، ولم تُحاسب المسؤولين الذين أدلوا بتصريحات تحض على الإبادة الجماعية. ولا يزال المسؤولون الإسرائيليون الضالعون في تنسيق الإبادة الجماعية وارتكابها في مناصبهم، ما يمنحهم فعليًا الحرية المطلقة لمواصلة ارتكاب تلك الفظائع بحق الفلسطينيين.

وترتكب إسرائيل الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة في مناخ يسوده الإفلات من العقاب على جريمة الأبارتهايد المستمرة ضد الإنسانية، إلى جانب احتلالها غير المشروع للأرض الفلسطينية على مدى عقود من الزمن.

وذكرت كالامار أن “إسرائيل تعمّدت، في ظل نظام الأبارتهايد والاحتلال غير المشروع للأرض الفلسطينية، التجويع الجماعي للفلسطينيين وسفك دمائهم على نحو غير مسبوق وإلحاق أشكال مروعِّة من الدمار، وتهجير السكان على نطاق واسع، وتضييق الخناق عمدًا على المساعدات الإنسانية، ويُعَد كل ذلك دليلًا على جريمة الإبادة الجماعية المستمرّة”.

وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لحقت بالفلسطينيين خسائر فادحة من جراء نظام الأبارتهايد القاسي الذي تفرضه إسرائيل واحتلالها غير المشروع للأرض الفلسطينية. فقد قتلت العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، بما فيها الهجمات الجوية [[995]] فلسطينيًا على الأقل، من بينهم 219 طفلًا، وشرّدت عشرات الآلاف وألحقت دمارًا كبيرًا بالبنية التحتية المدنية الأساسية والمنازل والأراضي الزراعية. وشهد العامان الماضيان تصاعد الاعتداءات من جانب المستوطنين المدعومين من الدولة، والتي أسفرت عن مقتل فلسطينيين وإصابة وتهجير آخرين. فقد وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية منذ يناير/كانون الثاني 2025 وقوع أكثر من 1,600 هجوم من جانب المستوطنين الإسرائيليين، ما أدى إلى خسائر بشرية و/أو أضرار بالممتلكات. وقد تضررت مجتمعات الرعي الفلسطينية في المنطقة ج على وجه الخصوص من هذه الموجة المتواصلة من أعمال العنف المدعومة من الدولة. وعلى الرغم من الإدانات الدولية وبعض التدابير التقييدية التي اعتمدتها دول ثالثة ضد المستوطنين والمنظمات الاستيطانية، لا تزال وتيرة أعمال العنف من جانب المستوطنين تتصاعد بسبب دعم الحكومة الإسرائيلية لهم وإفلاتهم التام من العقاب فعليًا على تلك الأعمال.

وكانت خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام آخر ما جاء في سلسلة من المبادرات التي شابتها أوجه خطيرة من القصور؛ إذ سعت إلى اقتراح “حلول” همشت القانون الدولي وكافأت إسرائيل ضمنيًا على احتلالها غير المشروع للأرض الفلسطينية وإقامتها للمستوطنات غير القانونية وفرضها لنظام الأبارتهايد، التي تُشكِّل كلها جذورَ الفظائع المستمرة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

وترسخ الشروط التي وُضِعَت خلال وقف إطلاق النار الحالي نظام الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل واحتلالها غير المشروع للأرض الفلسطينية وتُفاقِم من الظلم السائد. فتهدد منطقة “الطوق الأمني” (المنطقة العازلة) التي أقامتها إسرائيل في غزة بإدامة الاحتلال غير المشروع للأرض الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من أكثر أراضيهم الزراعية خصوبةً. وتهدد أيضًا بشرذمة الأرض الفلسطينية على نحو دائم، ما يُشكِّل الأساس الذي يقوم عليه نظام الأبارتهايد، وذلك بحرمان الفلسطينيين من حرية التنقل من سائر الأرض المحتلة وإليها.

وعلى نحو مماثل، ينعم أفراد القوات الإسرائيلية المسؤولون عن اعتقال الأسرى الفلسطينيين تعسفًا وإخفائهم قسرًا وتعذيبهم على نحو ممنهج بالإفلات من العقاب. وفي آخر مراجعات لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة لسجل إسرائيل، وصفت اللجنة أفعال إسرائيل بأنها “سياسة الدولة الفعلية التي تقوم على ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على نحو منظم ونطاق واسع، والتي اشتدت وطأتها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023″، وقد أعربت عن بواعث قلقها البالغ حيال “المزاعم المنتشرة على نطاق واسع حول الاعتداء الجنسي على الأسرى الفلسطينيين، سواءً كانوا رجالًا أو نساء، والذي يرقى إلى درجة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.

تقاعس المجتمع الدولي عمدًا عن محاسبة إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم مشمولة في القانون الدولي وعدم ممارسة أي ضغوط عليها كي تلتزم بتوصيات آليات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية قد رسخا الاحتلال غير المشروع للأرض الفلسطينية ونظام الأبارتهايد، ومكَّنا إسرائيل مباشرةً من ارتكاب ما نشهده اليوم من إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة

وقالت كالامار إن “سجل إسرائيل المروِّع الحافل بالانتهاكات المُرتكَبة بحق الفلسطينيين، بما في ذلك الاحتلال غير المشروع للأرض الفلسطينية على مدى عقود وممارسة الأبارتهايد ضد الفلسطينيين والإبادة الجماعية التي لا تزال ترتكبها بحق الفلسطينيين في غزة، لا يمكن على الإطلاق أن يبرر ارتكاب حماس والجماعات المسلحة الأخرى هذه الجرائم. ولا يمكنه أن يعفي الجماعات الفلسطينية المسلحة من التزاماتها بموجب القانون الدولي. ويجب الاعتراف بالانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات الفلسطينية المسلحة في سياق هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 باعتبارها جرائم فظيعة لا بد من إدانتها. ويجب على حركة حماس أيضًا إعادة الجثة المحتجزة في غزة والتي تعود إلى أحد الأشخاص الذين قُتلوا خلال الهجمات بمجرد تحديد مكانها، بشكل غير مشروط”.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تشكيل لجنة للتحقيق بشأن القرارات المُتَّخذة من الحكومة فيما يتعلق بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلا أن هذه الخطوة لاقت انتقادات من الكثير، بما فيهم الناجين من الهجمات وأسر القتلى، بسبب عدم استقلالية اللجنة وعدم اتباعها لنفس النمط السابق للجان التحقيق التي يترأسها قضاة.

وقالت كالامار إن “محاسبة الجناة مسألة غير قابلة للتفاوض. ولا بد من أن يواجه مرتكبو الجرائم الدولية العدالة وأن تلتزم المؤسسات التي يمثلونها بمسار جديد يقوم على اعتبارات حقوق الإنسان والقانون الدولي، بإصدار تشريعات تمنع وقوع الانتهاكات في المستقبل، من بين إجراءات أخرى”.

وأضافت أنه “يجب على جميع الأطراف الاعتراف بمسؤوليتهم والتعاون مع جهات التحقيق وآليات العدالة الدولية مثل لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، عن طريق تنفيذ التوصيات وإتاحة السبل أمامها لجمع الأدلة وحفظها وتحليلها من أجل محاسبة الجناة. ولا بد من أن يلقى الضحايا آذانًا مصغية وأن يُعترَف بمعاناتهم وأن تُتاح لهم سبل الانتصاف الفعال، بما في ذلك تقديم التعويضات إليهم. وبدون هذه الخطوات الملموسة بصدد إظهار الحقيقة وإقامة العدالة، لا يمكن للسلام أن يدوم طويلًا”.

قد يعجبك ايضا