الأورومتوسطي: الصمت الدولي على إبادة إسرائيل الجماعية في غزة يهدد بتكرارها في الضفة الغربية
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن العملية العسكرية الواسعة التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية جزء من العدوان الواسع والخطير الذي تشنه إسرائيل ضد الفلسطينيين، جنبًا إلى جنب مع عنف جماعات المستوطنين المسلحة، وتوسيعًا لجريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وتابع الفريق الميداني للأورومتوسطي في الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة ارتفاع وتيرة ومستوى الانتهاكات الإسرائيلية بالقتل والاقتحام والتدمير، إلى جانب تمكين وتسهيل ارتكاب المستوطنين جرائم عنف ضد الفلسطينيين في مختلف أرجاء الضفة الغربية، بما في ذلك جرائم قتل وتهديد وتدمير الممتلكات المنقولة وغير المنقولة الخاصة وتدمير وسرقة المحاصيل الزراعية.
وأبرز الأورومتوسطي أن الاعتداءات المستمرة أخذت شكلًا تصعيديًّا جديدًا بإعلان الجيش الإسرائيلي البدء بتنفيذ عملية عسكرية واسعة تستهدف شمال الضفة الغربية تحت اسم “مخيمات الصيف”، تركزت حتى الآن في جنين وطوباس وطولكرم، وقتل خلالها الجيش 9 فلسطينيين وأصاب 18 آخرين على الأقل بجروح في حصيلة أولية.
وذكر الأورومتوسطي أن القوات الإسرائيلية التي كانت مصحوبة بعدد كبير من الآليات والجرافات وغطاء من تحليق الطائرات المروحية والمسيرة، بدأت منتصف ليل الثلاثاء/الأربعاء باقتحام مدن ومخيمات جنين وطوباس وطولكرم، من عدة محاور وفرض حصار مشدد عليها.
وأفاد بأنه في جنين، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي المدينة من حاجز “الجلمة” العسكري، وحاصرت مستشفيي “جنين” الحكومي، و”ابن سينا”، وسط اندلاع مواجهات عنيفة، قتلت خلالها الشابين “قسام محمد جبارين” (25 عامًا)، و”عاصم وليد ضبايا” (39 عامًا)، وأصابت آخرين بجروح.
وأشار إلى أن طائرة إسرائيلية مسيرة قصفت سيارة بين قريتي صير ومسلية جنوب جنين، ما أدى إلى مقتل ثلاثة شبان كانوا بداخلها، وهو هجوم يأتي امتدادًا لعودة إسرائيل لاستخدام الطيران بأنواعه الحربي والمروحي والمسير في شن غارات على منازل وسيارات وتجمعات الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث وثق الأورومتوسطي ما لا يقل عن 47 غارة تسببت بعدد كبير من القتلى والجرحى الفلسطينيين.
أما في طوباس، فوثق فريق الأورومتوسطي قيام طائرة مسيرة إسرائيلية بقصف تجمع في مخيم الفارعة، جنوب المدينة، ومنعت القوات الإسرائيلية طواقم الإسعاف من الوصول إلى المنطقة المستهدف بالقصف، وفرضت حصارًا مشددًا على مخيم الفارعة. وأسفر القصف الإسرائيلي عن مقتل 4 فلسطينيين، منهم الطفلان الشقيقان: “مراد” (13 عامًا) و”محمد مسعود جعايصة” (17 عامًا)، إضافة إلى كل من “إبراهيم عبد القادر غنيمي” (22 عامًا)، و”أحمد صالح نبريصي” (23 عامًا).
وأبرز الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي استنسخ سياسته المنهجية المروعة في استباحة المؤسسات الصحية التي استخدمها في قطاع غزة، فأقدم فورًا على حصار المستشفيات ومراكز الإسعاف والطوارئ في المناطق التي توغل فيها في الضفة الغربية.
وأفاد الطبيب “وسام بكر”، مدير مستشفى جنين الحكومي بأنه تلقى إخطارًا من مكتب الارتباط الفلسطيني حول نية الجيش الإسرائيلي اقتحام المستشفى الذي يخضع للحصار منذ وقت مبكر.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أن قوات الجيش الإسرائيلي اقتحمت طولكرم، من محورها الغربي، وانتشرت في أحيائها، ونشرت فرق المشاة والقناصة في الأحراش والمزارع المحيطة بالمخيم، وسط تحليق مكثف للطائرات المسيّرة.
وقصفت طائرة مسيرة إسرائيلية “حارة المنشية” في مخيم نور شمس، ما أدى إلى إصابة فلسطينيين بجروح. كما حاصرت تلك القوات مستشفيي “الإسراء التخصصي” في الحي الغربي، ومستشفى “الشهيد ثابت ثابت” الحكومي، وأعاقت حركة تنقل مركبات الاسعاف، واحتجزت أحدها أمام المستشفى الحكومي، وفتشتها.
وفي كل المناطق التي توغلت فيها، نفذت قوات الجيش الإسرائيلي عمليات تدمير للممتلكات والبنى التحتية، خاصة الشوارع. وبالتزامن مع اقتحام تلك المناطق تم تنفيذ اقتحامات في أغلب مدن الضفة الغربية وشن اعتقالات وعمليات تدمير وسط إطلاق نار أدى إلى إصابة العديد من الفلسطينيين.
وأبرز الأورومتوسطي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ جرائم القتل العمد في الضفة الغربية على نحو منهجي وواسع النطاق، حيث قتل فيها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 660 فلسطينيًا.
ويحذر المرصد الأورمتوسطي من قيام إسرائيل بارتكاب جريمة التهجير القسري ضد آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما فعلت في قطاع غزة، خاصة وأن هنالك العديد من المواقف العلنية والتحريضات التي صدرت من الوزراء الإسرائيليين في الحكومة الإسرائيلية التي تؤشر على وجود نية لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في الضفة الغربية، بما يشمل تهجير الفلسطينيين قسرًا هناك، بما في ذلك تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كات”، الذي قال إنه يجب على إسرائيل التعامل مع الضفة “تمامًا كما نتعامل مع البنية التحتية في غزة، بما في ذلك إخلاء مؤقت للسكان وأي خطوات قد تكون مطلوبة”.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أنه من المحتمل “أن يتم تنفيذ إخلاء منظم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقًا لمراكز القتال المتوقعة” خلال العلمية العسكرية، وهو مؤشر واضح على نية إسرائيل ارتكاب جريمة إبادة جماعية في الضفة الغربية كما هو في قطاع غزة.
وأشار الأورومتوسطي إلى ما وثقه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية خلال المدة بين يومي 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و19 آب/أغسطس 2024، حيث هدمت السلطات الإسرائيلية 1,416 مبنًى من المباني الفلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في شتّى أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى تهجير أكثر من 3,200 فلسطيني، من بينهم نحو 1,400 طفل، وهو ما يزيد عن الضعف بالمقارنة مع الفترة نفسها قبل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث هُجر 1,299 فلسطينيًا، بمن فيهم 606 أطفال.
وتشمل عمليات الهدم حوالي 500 منشأة مأهولة، وأكثر من 300 منشأة زراعية، وأكثر من 100 منشأة من منشآت المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، و200 مبنى يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم. ويشكل نحو 28 حادثًا من حوادث الهدم والتدمير التي طالت البنية التحتية، ومعظمها في طولكرم وجنين، غالبية المباني المتضرّرة.
ويذكر الأورومتوسطي في هذا السياق ما أعلنته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة والآثار المترتبة على ذلك والصادر في 19 تموز/يوليو، بأن سياسة التخطيط التي تتبعها إسرائيل فيما يتعلق بالبناء الفلسطيني، وخصوصًا ممارستها بهدم ممتلكات ومنازل الفلسطينيين وبشكل مختلف عن المستوطنين دون مبرر، يشكل تمييزًا محظورًا، بما يتعارض مع المواد 2، الفقرة 1، و26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، و المادة 2، الفقرة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة 2 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وبالتالي، يشكل إحدى أوجه انتهاك إسرائيل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وشدد على أن هذا التصعيد والإمعان في جريمة العدوان والإبادة الجماعية وامتدادها من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، ما كان له ليتواصل ويتصاعد لولا الغطاء والشراكة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، والصمت من غالبية دول العالم، الذي عليه أن يتحمل مسؤولياته واتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين الفلسطينيين ووقف القتل الجماعي ومنع استكمال جريمة الإبادة الجماعية.
وجدد الأورومتوسطي مطالبته لجميع الدول بتحمل مسؤولياتها الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم الخطيرة التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وضمان امتثال إسرائيل لقواعد القانون الدولي وفرض العقوبات الفعالة عليها، ووقف أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري كافة المقدمة إليها، بما يشمل التوقف الفوري عن عمليات نقل الأسلحة إليها، بما في ذلك تراخيص التصدير والمساعدات العسكرية، وإلا كانت هذه الدول متواطئة وشريكة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية.
كما حث المرصد الأورومتوسطي المحكمة الجنائية الدولية على المضي في التحقيق في كافة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه الجرائم لتشمل جميع المسؤولين عنها، وإصدار مذكرات قبض بحقهم، والاعتراف والتعامل مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل باعتبارها جريمة إبادة جماعية دون مواربة، كونها من الجرائم الدولية التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالعمل فورا على إنهاء الأسباب الجذرية لمعاناة الشعب الفلسطيني واضطهادهم على مدار 76 عامًا، والعمل فورًا على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي المفروض على الأرض الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة، وتفكيك نظام الفصل العنصري المفروض ضد الفلسطينيين جميعًا، وإنهاء الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة وسكانه على مدار 17 عامًا، والتدخل الحاسم لدعم مسار تحرر الشعب الفلسطيني وممارسته لحقه في تقرير المصير.