مراكز حقوقية تستنكر بشدة الانتهاكات بحق الصحفيين اللبنانيين

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – صرحت مراكز حقوقية تختص بالعمل الصحافي بأن الصحفيون في لبنان يتعرّضون في السنوات الأخيرة للعديد من الممارسات والضغوطات على حرياتهم، ما أثار جدلًا واسعًا في الوسط الصحفي والمجتمع.

حيث اعتبر البعض أنّ الاستدعاءات والتحقيقات التي يتعرض إليها الصحفيين بأنها تمثل تهديدًا لحرية الصحافة وحرية التعبير في البلد.

هذا بالإضافة إلى عن كون هذه الممارسات خارج نطاق صلاحية المحكمة العسكرية باعتبار أنّ الصحفيين يمثلون أمام محكمة المطبوعات.

تعرّض الصحفي رياض قبيسي الذي يعمل حاليًا في قناة الجديد للتوقيف على خلفية تغطية ملف الفساد في الجمارك في عام 2013، غير أن قضيته لم تعرض على أي محكمة.

ويقول قبيسي في هذا الشأن: “حتى السّاعة القضية في المحكمة العسكرية ولم يصدر قرار، فلا يمكننا مراجعة القضية مع المحكمة ولا نستطيع معرفة تاريخ البت بها”.

يُشار إلى أن قبيسي نال في عام 2023 جائزة “فارس الصحافة الدولية” من المركز الدولي للصحفيين تكريمًا لعمله في الكشف عن الفساد على أعلى المستويات.

فقد كان له دور فعال في أحداث انفجار مرفأ بيروت عام 2020، كما حاز على جائزتَين من شبكة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)“.

غير أن الصدمة الأكبر أصابت الناشطين من أجل حرية الصحافة حين صدر حكم بالسجن ضد إحدى الصحفيات هذا العام.

فبحسب مؤسسة “مهارات”، حكمت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت في يوليو/تموز 2023 على الصحفية ديما صادق بالسجن لمدة عام.

هذا وتم تغريمها بـ 110 ملايين ليرة لبنانية (أي ما يعادل حوالي 1,200 دولار أمريكي بسعر السوق) بتهم القدح والذم والتحقير.

بالإضافة إلى اتهامات مثل “إثارة النعرات المذهبية والعنصرية” و”نشر أخبار كاذبة”، بعد أن انتقدت أعضاء حزب سياسي على موقع إكس.

 

وفي قضية أخرى بارزة شهدها الصحافة اللبنانية مؤخرًا، استدعى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في 20 يونيو/حزيران 2023 الصحفية باسكال أبو نادر بسبب شكوى قدح وذم مقدَّمة ضدها.

كما سبقها استدعاء المديرية العامة لأمن الدولة في لبنان الصحفي جان قصير، مدير تحرير موقع “ميغافون”، على خلفية مقال نشره الموقع بعنوان “لبنان يحكمه فارّون من العدالة”.

حيث وجّه إصبع الاتهام إلى مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بتعطيل ملف تفجير المرفأ.

كما من الجدير ذكره أنّ الاستدعاء لم يتم وفق الأصول أي في مكان إقامته أو عمله، بل من قبل عنصرَين ينتسبان إلى دائرة أمن الدولة قاما باعتراض طريقه وهو يقود سيارته في 30 مارس/آذار 2023.

لذلك، لم يتوجّه قصير إلى المديرية العامة لأمن الدولة، باعتبار أنّ الأجهزة الأمنية ليست الجهة الصالحة للتحقيق مع الصحفيين.

بناءً على ذلك، حضرت عنه وكيلة “ميغافون”، المحامية ديالا شحادة، وتقدّمت بطلب “تكريس الحصانة المكفولة بموجب قانون المطبوعات للصحفيين فيما يتعلق بأفعالهم الصحفية”، كما دُوّنَ في المحضر حرفيًا.

ما سبق ما هو إلاّ عيِّنة عن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في لبنان.

إذ تقوم السلطات باستدعاء الصحفيين والناشطين عبر رسائل من المباحث الجنائية، ويتم تهديدهم بالأجهزة الأمنية والقضاء العسكري، ويتعرضون للاعتقال بسبب آرائهم.

في هذا التحقيق، نناقش الأسباب والدوافع وراء هذه الأحكام، ونوضح حجم الضرر الذي تتعرض له حرية الصحافة في لبنان.

أصدرت نقابة محرري الصحافة، في 04 أبريل/نيسان 2023، تقريرها السنوي حول حرية ووضع الصحافة لعام 2022 وفق منهجية جديدة.

فصّل الملحق رقم (1) من التقرير انتهاكات الحريات حسب أنواع الاعتداءات منها اعتداءات جسدية، واعتداءات على مؤسسات إعلامية ومكاتب ومنازل.

إضافة إلى توقيف وتحقيق لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والقوى الأمنية، ومنع عن التغطية، وملاحقات قانونية وأحكام ودعاوى.

وأيضاً قدح وذم و”شتائم” وتحريض، وفصل من العمل، وتهديد وتنمّر على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحرش جنسي.

تتراجع حرية التعبير والصحافة بشكل صادم وغير مسبوق في بلد لطالما اعتُبِر منبرًا للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. يعود ذلك إلى عدّة عوامل، من بينها:

  • الضغط السياسي: يتعرض الصحفيون اللبنانيون المستقلون للضغوط السياسية من قبل الأحزاب والجماعات المختلفة.

كما أنّ هذه الأخيرة تنتهك إطار أداء مهنتهم على أكمل وجه بحيث تحدّ من نقلهم للمعلومة بشفافية وموضوعية، فضلًا عن الانتقادات الحادة التي يتعرضون لها عند كتابة مقال يعبر عن رأي يختلف عن الرأي العام السائد.

  • الضغط المادي: يواجه الصحفيون صعوبة في تمويل مشاريعهم والحصول على الدعم المالي الكافي، ما يؤثر على جودة الصحافة وحرية التعبير.
  • الحدود القانونية: يواجه الصحفيون صعوبة في التعامل مع التشريعات القانونية والعسكرية، ما يعرضهم للملاحقة القضائية والاعتقال.
  • الأمن الشخصي: يواجه الصحفيون خطر التعرض للتهديد والاعتداء الجسدي واللفظي من قبل الأطراف المتنازعة في بعض الأحيان أو حتى من قبل أجهزة الدولة.

أمّا بالنسبة إلى الأسباب، فيُعزى ذلك إلى الأحداث السياسية والأمنية المتلاحقة التي يعيشها البلد منذ سنوات، إذ شهد لبنان حروبًا عنيفة، وتفجيرات إرهابية، وتوترات بين الأحزاب والجماعات المسلحة.

وقد اعتُقل صحفيون في إطار حملات اعتقال وتوقيف وتحقيق واسعة في محاولة للحدّ من التوترات السياسية والأمنية، غير أنّ البعض انتهز الفرصة وتجاوز صلاحياته لحماية مصالحه الشخصية.

توجد عدة أسباب وراء إدانة الصحفيين أمام المحكمة العسكرية في لبنان، ومن بين هذه الأسباب:

  • القوانين المتعلقة بالأمن القومي والدفاع عن البلاد: تُعتبر الصحافة وسيلة لنقل المعلومات والأخبار، ومنها معلومات تتعلق بالأمن القومي والدفاع عن البلاد. بناءً على ذلك، سُنت قوانين لمحاكمة الصحفيين الذين ينقلون معلومات تشكل خطرًا على الأمن القومي فيمتثلون أمام المحكمة العسكرية.
  • الصراعات السياسية والحروب في المنطقة: يشهد لبنان منذ سنوات عدة صراعات سياسية وحروب في المنطقة، ممّا يجعل الصحفيين والمؤسسات الإعلامية عرضةً لضغوط وتهديدات من جانب الأطراف المتنازعة. كما يُتهم الصحفيون بنقل معلومات لصالح أحد الأطراف المتنازعة.
  • القوانين المتعلقة بالإساءة للشخصيات السياسية: قد يتعرض الصحفيون للاتهام بالإساءة للشخصيات السياسية في لبنان، الأمر الذي يؤدي إلى اتهامهم بالتحريض على العنف والفتنة وتقديمهم إلى المحكمة العسكرية.
    صلاحيات وآلية الإجراءات في المحكمة العسكرية

أشارت الإعلامية إلسي مفرج، منسقة “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” في لبنان، إلى أن “المحكمة العسكرية في المفهوم القانوني والحقوقي تخالف عددًا كبيرًا من المبادئ والقواعد المتعلقة بالحق في التقاضي من ضمنها حقوق الأشخاص الموقوفين ودور المحامين”

“بالإضافة إلى درجات التقاضي حيث يُحرم الشخص من واحدة من درجات التقاضي عندما يُدان أمام المحكمة العسكرية. وبالنسبة إلى الصحفيين، يشمل ذلك أيضًا المدنيين إذ إن محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية هو أمر مرفوض”.

بدورها تعمل المحكمة العسكرية في لبنان وفقًا للقانون اللبناني، حيث تختص بالنظر في الجرائم التي تتعلق بالأمن الداخلي والأمن القومي والجرائم التي تتعلق بالمسلحين والعسكريين.

أما إجراءات المحاكمة في المحكمة العسكرية، فإنها تختلف عن إجراءات المحاكمات العادية.

ففي حالة اعتقال أي شخص بشبهة ارتكاب جريمة، يُنقل إلى المراكز الأمنية والعسكرية المختصة، وتجري الجهات الأمنية والعسكرية تحقيقًا بشأنه، ثم يتم إعداد ملف يضم جميع التحقيقات والمستندات والأدلة التي تم جمعها.

بعد ذلك، يُحال الملف إلى النيابة العامة التي تتخذ قرارًا بشأن مصير المتهم، أو يرسَل هذا الأخير إلى المحكمة العسكرية لبدء إجراءات المحاكمة أو الإفراج عنه بكفالة أو بشروط معينة.

عند بدء إجراءات المحاكمة، يتم استدعاء المتهم ومحاميه للمثول أمام المحكمة العسكرية، ويتم تقديم الادعاء والدفاع والأدلة من الطرفين.

تنتهك المحاكمات حقوق الصحفيين في الممارسات المتّبعة فيها كالحجز الانفرادي، والاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة، والأحكام التعسفية، والقدرة المحدودة على الاستئناف، بالرغم من أن قانون المطبوعات في المادة 28 منه ينص على أنّ محكمة المطبوعات هي المحكمة الخاصة التي تنظر في جميع القضايا المتعلقة بجرائم النشر.

كذلك، فإنّ المادة 29 ذكرت حرفيًا أنه إذا اقتضت الدعوى تحقيقًا قضائيًا، فعلى قاضي التحقيق أن يقوم به، ذلك لأن “الوصف القانوني للفعل المشكو منه يندرج ضمن إطار الجنحة وليس الجناية… فجريمة المطبوعات لا يمكن وصفها في أي حال من الأحوال بجريمة الافتراء الجنائي”.

فيما يتعلق بموضوع إدانة الصحفيين أمام المحكمة العسكرية، أفادت مفرج بأنه “كان لتجمع نقابة الصحافة البديلة أكثر من تحرك، “لاستنكار ورفض محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية أو استدعاء الصحفيين أمام الأجهزة الأمنية”.

أضافت بقولها: “نحن كتجمّع نقابة الصحافة البديلة نشدد على احترام قانون المطبوعات، بالرغم من علّاته، والحفاظ على الحصانة الممنوحة للصحفيين المتعلقة بأعمالهم الصحفية مثل مثول الصحفي أمام محكمة المطبوعات”.

وتستكمل فتقول إنّ: “لتجمّع نقابة الصحافة البديلة تحالفات واسعة مع منظمات حقوقية محلية ودولية تعمل على دعم أي صحفي وحمايته من أي ذل أو عنف”.

بغية التصدي لهذا الواقع، تبقى الإصلاحات القانونية والعامة هي الرادع الأكبر للانتهاكات واستدعاءات المحكمة العسكرية للصحفيين اللبنانيين.

أشارت مفرج إلى أن “الإصلاحات القانونية تكون بإلغاء هذه المحكمة تمامًا. أما في حال بقائها، فيجب حصر التقاضي أمامها بالعسكريين وليس المدنيين.

وأضافت: “بالنسبة إلى الصحفيين، لا يجب أن يمثلوا أمام المحكمة العسكرية، إذ إنهم يجب أن يمثلوا بحسب القوانين الموجودة والمعمول بها حاليًا أمام محكمة المطبوعات”.

لقد عرضت نقابة محرري الصحافة في لبنان بعض التوصيات في تقرير حول حرية ووضع الصحافة لعام 2022، منها إنشاء مجلس أعلى أو هيئة ناظمة للصحافة تكون المشرف العام على قطاع الصحافة في لبنان، بما في ذلك الصحافة العمومية شروطًا وإدارةً وممارسة مهنية.

ومن هذه التوصيات أيضًا إقرار قانون جديد للصحافة يأخذ بعين الاعتبار مجمل التطورات المتسارعة التي حصلت، ويحمل رؤية للمستقبل الصحفي وينظم الصحافة الرقمية.

ويشجع القانون على توسعها بوصفها مرفقًا وطنيًا عامًا يتناول التعبير وصناعة الرأي العام المتنوع والتنمية البشرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

قد يعجبك ايضا