السودان.. مؤشرات على ارتكاب الدعم السريع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بعد السيطرة على الفاشر

جنيف – أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه على مصير مئات الآلاف من المدنيين في مدينة الفاشر غربي السودان عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها، مشيرًا إلى أن إفادات ميدانية وشهادات موثوقة تشير إلى ارتكاب تلك القوات جرائم مروّعة بحق المدنيين خلال عملية السيطرة على المدينة، وذلك بعد حصار امتدّ لنحو ثمانية عشر شهرًا.

وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم الثلاثاء أنّه تحقّق من شهادات ميدانية وتقارير موثوقة ومصادر محلّية متعددة تشير إلى ارتكاب قوات “الدعم السريع” انتهاكاتٍ جسيمة يُحتمل أن تُشكّل جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في مدينة الفاشر، إذ نفّذت تلك القوات عمليات إعدام ميداني لعشرات الأشخاص، واختطفت مئات آخرين، ولاحقت المدنيين الفارّين إلى المدن والقرى المجاورة، واعتدت على عدد منهم بالقتل والاختطاف، وذلك في إطار هجومها الواسع النطاق والمنهجي الذي يستهدف المدنيين في المدينة.

وأوضح الأورومتوسطي أنّ قوات “الدعم السريع” سيطرت على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بعد استيلائها على مقرّ الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، ومنذ ذلك الوقت تفرض سيطرة عنيفة على المدينة وتنفّذ انتهاكات واسعة النطاق، إذ تتصرّف عناصرها بدوافع ترهيبية وانتقامية ضد العسكريين والمدنيين على حدّ سواء، وتقوم بـعمليات إعدام ميداني وحرق ونهب لمنازل وممتلكات المدنيين، دون أيّ تقيد بالضوابط الأخلاقية أو القانونية.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّه تلقّى معلومات موثوقة ومتطابقة تفيد بأنّ قوات “الدعم السريع” نفّذت جرائم قتل عمد واختطاف بحقّ عدد من النشطاء والعاملين في المجال الإنساني ممّن كانوا يقدّمون الخدمات الأساسية للسكان أو يوثّقون الأوضاع الميدانية والإنسانية طوال مدة الحصار، من بينهم صحافيون، ونشطاء اجتماعيون، وممرضون، وعاملون في مطابخ الإغاثة، ومتطوعون في فرق الاستجابة المحلية.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ هذا النمط من الاستهداف يُشكّل انتهاكًا جسيمًا لمبادئ الحماية الخاصة بالعاملين في المجالين الإنساني والإعلامي، ويشكّل جرائم حرب بموجب القانون الدولي، ويعكس سياسة متعمّدة لإسكات الشهود ومنع التوثيق وحرمان المدنيين من أيّ شكل من أشكال المساعدة أو الحماية.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّه اطّلع على مقاطع مصوّرة نشرها أفراد في قوات “الدعم السريع” تُظهر بوضوح تنفيذ عمليات إعدام ميداني واختطاف جماعي وتنكيل بحقّ مدنيين في مدينة الفاشر، موضحًا أنّ أحد المقاطع يُظهر إعدام المسلّحين نحو عشرة مدنيين بعد اختطافهم والسيطرة عليهم، فيما يُظهر مقطعٌ آخر إعدام نحو 25 شخصًا، كان بعضهم يرتدي زيًّا عسكريًا، فيما يبدو أنّهم أُعدموا ميدانيًا بعد أسرهم. كما وثّق مقطع ثالث اختطاف خمسة أفراد على الأقل من طواقم الهلال الأحمر من داخل نقطة طبية، والاعتداء عليهم بالضرب والإهانة، والعبث بالمستندات والتجهيزات الطبية.

وفي السياق ذاته، وثّقت “شبكة أطباء السودان” اختطاف عناصر من قوات “الدعم السريع” لأربعة أطباء وصيدلي وممرّض في مدينة الفاشر، وطلب فدية مالية تُقدّر بنحو 100 مليون جنيه سوداني (نحو 170 دولارًا أمريكيًا) من ذويهم مقابل الإفراج عنهم.

كما وثّق المرصد الأورومتوسطي ارتكاب عناصر من قوات “الدعم السريع” انتهاكات جسيمة بحقّ المدنيين الفارّين من مدينة الفاشر، حيث نشر المسلّحون مقاطع مصوّرة تُظهر تجميع واختطاف مئات المدنيين، وإطلاق النار عليهم من داخل مركبات الدفع الرباعي أثناء محاولتهم الفرار، في مشهدٍ يُظهر استهدافًا متعمّدًا لأشخاصٍ لا يشاركون في الأعمال العدائية، بما يُعدّ جريمة حرب بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي.

كما وثّق مقاطع أخرى قيام عناصر مسلّحة بدهس مدنيين بعرباتهم العسكرية أثناء فرارهم، ما أدّى إلى مقتل وإصابة عدد غير محدّد منهم، بينهم نساء وأطفال ومسنّون، في انتهاك للقواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني.

وبحسب المعلومات التي حصل عليها المرصد الأورومتوسطي، تُظهر المقاطع المنتشرة جزءًا محدودًا فقط من حجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قوات “الدعم السريع” عقب سيطرتها على مدينة الفاشر؛ حيث أفاد مدنيون تمكّنوا من الفرار إلى مدينة “طويلة” شرق الفاشر بأنّ عمليات الإعدام الميداني والاختطاف والتنكيل ونهب الممتلكات العامة والخاصة وحرق المنازل لم تكن حوادث متفرّقة أو فردية، بل شكّلت نمطًا منهجيًا من الانتهاكات شمل معظم أحياء المدينة.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ انقطاع الاتصالات مع من تبقّى داخل الفاشر حال دون توثيق شامل للانتهاكات الجارية أو معرفة حجم الخسائر البشرية بدقة، في ظلّ ترجيحات بأنّ عدد الضحايا قد يبلغ المئات.

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ المدنيين في الفاشر كانوا يعانون أصلًا من حصارٍ مطبقٍ فرضته قوات “الدعم السريع” طوال الأشهر الماضية، ما أدّى إلى تفشّي الجوع والأمراض المعدية وانهيار الخدمات الأساسية. وأشار إلى أنّ الأوضاع الإنسانية بلغت في الأيام الأخيرة حدًّا يقترب من المجاعة، الأمر الذي فاقم معاناة السكان، ولا سيما الجرحى والمصابين وأصحاب الأمراض المزمنة الذين حُرموا من الرعاية الطبية والتغذية الملائمة منذ مدة طويلة بسبب القيود المفروضة على الإمدادات الإنسانية ومنع وصول المساعدات، مؤكدًا أنّ استخدام الحصار والتجويع كوسيلة للسيطرة أو العقاب الجماعي يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويشكّل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وقبل سيطرتها على مدينة الفاشر، فرضت قوات “الدعم السريع” حصارًا خانقًا استمرّ لأكثر من 18 شهرًا، احتجزت خلاله أكثر من 250 ألف مدني، بينهم عدد كبير من الأطفال، ومنعت دخول الإمدادات الحيوية، وفي مقدّمتها الغذاء والدواء والوقود، كما قطعت جميع الطرق المؤدية إلى المدينة وعزلتها بالكامل عن محيطها، ما أدى إلى تدهورٍ كارثي في الأوضاع المعيشية والإنسانية، ووفاة أعداد من المدنيين بسبب الجوع وانتشار الأوبئة والأمراض القابلة للعلاج.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّه خلال فترة الحصار، شهدت مدينة الفاشر اشتباكاتٍ عنيفة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، استخدمت خلالها الأخيرة الأسلحة الرشاشة وقذائف المدفعية والطائرات المسيّرة بشكلٍ عشوائي ودون أيّ اعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني، مؤكدًا أنّ هذه الهجمات استهدفت أحياء سكنية مكتظّة، ومخيمات للنازحين، ومدارس، ومستشفيات ومرافق طبية، ما يُشكّل انتهاكًا صارخًا لمبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية، ويُظهر نمطًا من الهجمات العشوائية وغير المتكافئة التي ترقى إلى جرائم حرب.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ تجاهل المجتمع الدولي للحصار المفروض على الفاشر واستمرار استهداف المدنيين فيها طوال الأشهر الماضية لا يُشكّل فشلًا أخلاقيًا فحسب، بل تنكّرًا صريحًا للالتزامات القانونية الواقعة على عاتق الدول والهيئات الأممية المعنية بموجب ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، ولا سيّما واجبها في حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية السكان المدنيين.

وأكّد المرصد أنّ عجز مجلس الأمن عن التحرك لاتخاذ تدابير فعّالة لوقف الجرائم أو فرض إجراءات رادعة بحق مرتكبيها يُعدّ فشلًا مؤسسيًا خطيرًا، يُقوّض الثقة في منظومة الأمن الدولي ويُفرغ القانون الدولي من مضمونه كأداة لحماية الأبرياء في وجه الانتهاكات الواسعة النطاق.

ودعا المرصد الأورومتوسطي الأمم المتحدة إلى تفعيل لجنة تقصّي الحقائق المستقلة المعنية بالسودان وتوسيع نطاق عملها للتحقيق في الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قوات “الدعم السريع” في مدينة الفاشر، على أن تُقدّم تقريرًا تفصيليًا عاجلًا إلى الهيئات الأممية المختصّة، تمهيدًا لـتحديد المسؤولين المباشرين والقادة عن تلك الجرائم ومساءلتهم أمام جهات الاختصاص الدولية.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ استمرار إفلات مرتكبي الانتهاكات في دارفور من العقاب سيُكرّس مناخ الحصانة ويشجّع على تكرار الجرائم، داعيًا إلى تحرّك دولي منسّق يضمن المساءلة والعدالة للضحايا، ويضع حدًا للانتهاكات المنهجية ضد المدنيين في الإقليم.

وطالب الأورومتوسطي المحكمة الجنائية الدولية بتوسيع نطاق تحقيقها القائم بشأن دارفور ليشمل الجرائم المرتكبة في سياق الصراع الحالي، ولا سيّما جرائم القتل والاختطاف والنهب والتجويع والهجمات الموجهة ضد المدنيين في مدينة الفاشر وغيرها، وحثّ المدعي العام على إعطاء أولوية عاجلة للتحقيقات الميدانية وإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين عنها، بما يضمن عدم الإفلات من العقاب وإنصاف الضحايا على نحو عادل وشامل.

وحثّ المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جميع الأطراف والدول المتورطة في تمويل الصراع في السودان أو تسليحه أو دعمه سياسيًا، لا سيما الإمارات، والتي كشف تقرير حديث عن اطلاع مجلس الأمن الدولي على ملفين يحتويان على وثائق تؤكد تسليم الإمارات قوات الدعم السريع أسلحة ومعدات عسكرية بريطانية لدعمها في النزاع ضد الجيش السوداني، إلى التوقف الفوري عن تغذية آلة القتل والتجويع وانتهاك الكرامة الإنسانية للمدنيين، مشددًا على ضرورة وقف أي إمدادات مالية أو عسكرية أو لوجستية لأطراف النزاع، واستخدام نفوذها لوقف التصعيد وإنهاء الأعمال الحربية وإفساح المجال أمام الجهود الإنسانية والدبلوماسية.

قد يعجبك ايضا