السودان.. تعديلات قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية أطلقت يد السلطات لخنق الرأي الآخر
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء تصعيد الحكومة الانتقالية في السودان من ممارساتها التقييدية ضد الصحفيين والنشطاء في البلاد.
وحذر من استخدام قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية لشرعنة استهداف الصحفيين والتوسع في سياسة تكميم الأفواه وإلغاء الرأي الآخر.
وأبرز المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيان صحفي اليوم، استغلال الحكومة السودانية للتعديلات التي أُدخلت في يوليو/تموز 2020 على قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية لسنة 2018، لفرض عقوبات أكثر تشدّدًا فيما يتعلق بالمدد الجزائية – أحكام السجن- للعديد من الممارسات الإلكترونية.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّه رصد خلال الأشهر الماضية، وخاصةً بعد تعديل القانون، تعرّض عدد من الصحفيين والنشطاء السودانيين للملاحقة والتهديد بسبب منشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد السلطات السودانية.
وتصاعد ذلك بعد تعيين الجيش السوداني في يوليو/تموز الماضي مفوضًا خاصًا لمراقبة ما سمّاه “التطاول على المؤسسة العسكرية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ سيعمل على رفع دعاوى قضائية ضد النشطاء والصحفيين استنادًا إلى عدة قوانين من بينها قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية المعدّل.
وبيّن الأورومتوسطي أنّه تلقى معلومات بتعرّض 4 صحفيين سودانيين لتهديدات بالسجن على خلفية نشاطهم الصحفي وهم؛ الصحفية “لنا عوض” من شمال دارفور، والتي تعرضت لتهديد مباشر من الحاكم العسكري بسبب انتقادها المؤسسة العسكرية، والصحفي “مبارك جمعة موسى” من دارفور، والذي تم اعتقاله وتهديده من قوات الدعم السريع بسبب انتقاده لهم، والصحفية “عايدة عبد القادر”، والتي تم استدعائها من الاستخبارات العسكرية، والصحفي “عادل كلر”، والذي تم تهديده على الهواء مباشرة خلال أحد البرامج التلفزيونية حينما كان في لقاء مع أحد المستشارين الأمنين، حيث تم فتح بلاغ باسمه في المحكمة عقب اللقاء.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ المادة (24) في القانون المعدل رفعت الحد الأقصى لعقوبة السجن من سنة واحدة إلى أربع سنوات أو الجلد أو العقوبتين معًا، في حال نُشرت “أخبار أو تقارير كاذبة عبر شبكة الإنترنت أو الاتصالات أو أي من وسائل المعلومات أو التطبيقات، تهدد السلام العام أو الطمأنينة أو الانتقاص من هيبة الدولة”.
وأشار المرصد إلى أن نص المادة يتضمن تجريمًا لعباراتٍ فضفاضة ومبهمة، ما يمكّن السلطات من فرض قيود واسعة على عمل الصحفيين والنشطاء، وحرية التعبير والنشر الإلكتروني بشكل عام.
وأضاف أنّ المادة (21) من القانون المعدل تتيح للسلطات التعسف في إيقاع العقوبات بناء على أفعال مبهمة ومصطلحات فضفاضة وغير دقيقة التعريف، إذ يُعاقب بموجب هذه المادة بالسجن مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات أو الجلد أو العقوبتين معًا، كل من ينشر أفكارًا أو برامج أو أقوالًا أو أفعالًا مخالفة للنظام العام والآداب عبر شبكة الإنترنت أو أي من وسائل المعلومات.
وفي شهادتها للمرصد الأورومتوسطي، قالت الصحفية السودانية “درة قمبو”: “اعتقلت لفترة قصيرة لدى جهاز المخابرات أثناء الاحتجاجات الشعبية، وبعد خروجي كتبت منشورًا على حسابي في “فيس بوك” عن مشاهداتي في المعتقل، وذكرت أنني التقيت فتياتٍ في مكان الاعتقال تعرضن للتهديد بالاغتصاب.
بعدها بفترة وأثناء وجودي في مكتب إحدى القنوات الإخبارية قابلني ضابط وأبلغني أنّ الدعاوى المرفوعة بشأن حوادث الاغتصاب في فض الاعتصام مصدرها حديثي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهددني قائلاً: “عليكِ أن تتحملي نتائج ذلك في المستقبل”.
وأوضح الأورومتوسطي أنّ التهديدات التي يتلقاها الصحفيون من مؤسسات الدولة تأخذ أشكالاً عدة؛ منها التهديد بفتح بلاغات جرائم إلكترونية والتي يتم بناءً عليها يتم تحويل الشخص للمحكمة، ومنها تهديدات مباشرة من صفحات قادة بارزين في الجيش عبر مواقع التواصل الاجتماعي تخبر الصحفي بضرورة التوقف عن نشاطه في قضية معينة حفاظًا على سلامته، وبعض التهديدات تكون من خلال إرسال رسائل عبر أقرباء الصحفي أو الناشط بضرورة الابتعاد عن تناول بعض الموضوعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجنّبًا لتعريض حياته للخطر.
وقال المرصد الأورومتوسطي أن مستشاره القانوني طارق عبد الرازق قال: “إن تعديل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية جاء فيما يبدو دون أن يراعي المعايير المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية، فهو يمثل نكسة إضافية لحرية الرأي والتعبير في السودان، والتي ما فتأت السلطات العسكرية فيه عن ملاحقة المواطنين والصحفيين لمجرد التعبير عن آرائهم، خاصةً في ظل الأزمات التي تعيشها الدولة على جميع المستويات”.
وطالب المرصد الحقوقي الدولي الحكومة الانتقالية السودانية بالتوقف عن ملاحقة النشطاء والصحفيين على خلفية آرائهم ومعتقداتهم، ومراجعة التعديلات الواردة على قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية كونها تمس حقوقًا أساسية يحظر المساس بها، والتوجه بدلًا من ذلك إلى التأكيد على صون وحماية حرية التعبير عن الرأي، ووقف أي آليات للقمع على خلفية الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت.
ودعا المرصد الأورومتوسطي مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان إلى العمل مع السلطات السودانية للتأكد من احترام الأخيرة للحقوق والحريات الأساسية لمواطنيها، ووضع حد للتجاوزات التي تضر بالمبادئ الأساسية للتحوّل الديمقراطي الذي يتطلع إليه السودانيون عقب الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي أدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل 2019.
اقرأ أيضاً: سكاي لاين تحذر من تعديلات قانونية في العراق تستهدف تشديد تكميم الأفواه