السلطات السعودية ترفض مخاوف الخبراء الأمميين بشأن انتهاكات نيوم
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – ترفض الحكومة السعودية، في ردها على نداء عاجل موجه من سبعة خبراء أمميين في مجال حقوق الإنسان، “مخاوفهم العميقة” بشأن أحكام الإعدام وأحكام السجن المطولة الصادرة بحق أبناء قبيلة الحويطات الذين عارضوا سلميا عملية الإجلاء من أجل إقامة مشروع مدينة نيوم العملاقة الذي تدعمه الدولة.
وتواصل إصرارها، دون دليل، على أن الرجال أُدينوا بأعمال إرهابية بعد مراعاة الأصول القانونية الواجبة، وتنكر بشدةٍ كل الادعاءات المتعلقة بارتكاب انتهاكات في مشروع نيوم التي وجهها لها المكلفون بولايات في إطار الإجراءات الخاصة التابعين للأمم المتحدة.
وجاء النداء العاجل بعدما قدّمت القسط ومنَا لحقوق الإنسان تقريرًا قائما على شهادات مباشرة لضحايا وشهود، على النحو المفصل في تقرير الجانب المظلم من مشروع نيوم.
وسلط التقرير المشترك الضوء على قضايا أبناء القبيلة الذين لوحقوا قضائيا على خلفية معارضتهم السلمية لعمليات الإخلاء الجماعي، بما في ذلك الحكم بالإعدام على ثلاثة منهم (شادلي أحمد محمود وإبراهيم صالح أحمد وعطالله موسى محمد الحويطي) والحكم على ثلاثةٍ آخرين بالسجن لمدد تتراوح ما بين 27 و50 عامًا (عبد الناصر أحمد محمود وعبد الله دخيل الله ومحمود الحويطي).
وأعرب الخبراء الأمميون عن “قلقهم البالغ” إزاء خطر الإعدام الوشيك الذي يحدق بالثلاثة المذكورين وأحكام السجن المطولة بحق الآخرين، ولفتوا الانتباه إلى التقارير التي تحدثت عن تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز.
وتصر السلطات السعودية على نحو متكرر، في ردها على الخبراء الأمميين الذي تكوّن من 27 صفحة، على أن أولئك الأفراد أدينوا في جرائم “إرهابية”، مكتفيةً بالإشارة إلى “أدلة” غير محددة ضدهم. ووُجهت مجموعة من التهم الزائفة ضد أبناء الحويطات مثل “الإفصاح عن التعاطف مع إرهابي”، وهو ما يشير بوضوحٍ إلى عبدالرحيم الحويطي الذي عارض بشكلٍ صريحٍ عمليات الإخلاء وقُتل رميا بالرصاص في منزله في أبريل 2020 على يد القوات الخاصة السعودية، و”إنشاء حساب على تويتر لتمزيق اللحمة الوطنية”.
ولا يمتثل نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله والعديد من تشريعات السعودية الأخرى لالتزامات المملكة المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب العديد من الاتفاقات الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التعذيب.
ومع ذلك، يشير رد السلطات السعودية على الخبراء الأمميين إشارةً متكررةً، وباستفاضةٍ، إلى الأحكام المضمنة في التشريع المحلي التي يبدو، نظريا، أنها تحظر كافة الانتهاكات التي يزعم مبلّغو الخبراء وقوعها، وتدعي بأنها “متوافقة مع المعايير الدولية ذات الصلة”.
ولكن القسط وغيرها من المنظمات الحقوقية وثّقت مرة تلو الأخرى عدم امتثال السلطات السعودية في الواقع العملي لتلك المعايير وارتكابها بشكل اعتيادي انتهاكات جسيمة.
وتؤكد السلطات عدة مرات في ردها على الخبراء الأمميين أن الهيئة الحقوقية الرسمية التابعة للسعودية، أي هيئة حقوق الإنسان، “ترصد عمليات مصادرة الأراضي من أجل المصلحة العامة” و”تطورات مشروع نيوم” و”لم تلاحظ أي مؤشرٍ على ارتكاب انتهاك حقوقي في مجال اختصاصها”. ومع ذلك، لا تملك هيئة حقوق الإنسان أية مصداقية لدى المجتمع الدولي لحقوق الإنسان لأنها غير مستقلة عن الدولة.
وتَمثّل الادعاء الآخر الذي قدمته السلطات كحجة على تطبيق الإجراءات والضمانات المناسبة في أن “المحامين في المملكة يتمتعون بالاستقلالية وحماية القانون”، مع الإشارة إلى لوائح الهيئة السعودية للمحامين.
ولكن خلُص بحثٌ أجرته القسط (لم يُنشر بعد) إلى أن الهيئة السعودية للمحامين هيئةٌ أخرى يسيطر عليها وزراء الحكومة وأن المحامين يتعرضون لضغوط لكيلا يطعنوا في المخالفات التي ترتكبها السلطات.
وتفيد السلطات السعودية بأن “عدد السكان الذين تأثروا حتى الآن بالانتقال إلى أماكن أخرى” من أجل بناء نيوم “يصل إلى 1143 أسرة تتألف مما مجموعه 6360 فردًا”.
وتتكون قبيلة الحويطات في الواقع من قرابة 20 ألف شخص، بحيث يُعتقد أن أغلبهم هُجّروا. ووصف مشروعُ نيوم في وقتٍ سابقٍ المنطقةَ المخصصة للمشروع في شمال غربي السعودية التي تبلغ مساحتها 26500 كيلومتر مربع بكونها أرضا “بكرا”، في محاولةٍ لإعطاء انطباع بأنها غير مأهولة بالسكان.
ومن المثير للاهتمام أن السلطات تشير أيضا في ردها إلى تسلُّم 1352 “تظلمًا” بشأن “مجموعة واسعة من المسائل من أصحاب الممتلكات والمقيمين المتضررين من الانتقال”، بمعدل يبدو أنه يزيد عن شكوى واحدة لكل عائلة. وتقول السلطات إن العديد من تلك المسائل قد جرى حلها ولاتزال أخرى قيد نظر ديوان المظالم.
وردًّا على طلب الخبراء معلومات عن كيفية “إجراء تشاور حقيقي” مع الأشخاص المهددين بالإخلاء القسري والتهجير بسبب مشروع نيوم، تصف السلطات السعودية كيف شرحت المشروع وفوائده التي ستعود على سكان المنطقة وأجابت على أسئلة الناس “الذين أعربوا بعد ذلك عن دعمهم للمشروع”.
ولكن وثائق القسط تُظهر بوضوحٍ أن الأهالي هُجّروا أمام معارضة قوية من أبناء الحويطات. وفي يناير 2020، التقت القبيلة بمسؤول اللجنة المعنية لنزع الملكية، وتُظهر مقاطع فيديو مفتوحة المصدر عددًا كبيرًا من أبناء القبيلة يعارضون بقوة المشروع، مؤكدين أن ملكية الأراضي تعود إليهم منذ أجيال، ويَعرضون في بعض الحالات عقود ملكية الأراضي.
وبعد ذلك اللقاء، وقّع 174 فردًا من أفراد القبيلة عريضةً وجرى تداول وسوم في السعودية منها #الحويطات_ضد_الترحيل.
وراسل الخبراء الأمميون شركة نيوم ومالكها على السواء، صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يسيطر عليه ولي العهد محمد بن سلمان، مشيرين إلى “زعم تورطهما في المشروع وما ترتب عنه من انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة المفصلة في هذه الرسالة” وطلبوا الحصول على ردّهما على الادعاءات. ولم يُسجَّل أي ردٍّ منهما.