هيومن رايتس ووتش: تستنكر تكثيف الرئيس التونسي هجماته ضد استقلال القضاء
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – طالبت “هيومن رايتس ووتش” اليوم السلطات التونسية بإعادة النظر فوراً في القضاة ووكلاء الجمهورية الذين عزلهم الرئيس قيس سعيّد تعسفا.
رفضت وزارة العدل إعادة 49 قاضياً ووكيلا للجمهورية رغم أمر بالقيام بذلك صادر عن محكمة إدارية في 9 أوت/آب 2022، وهو حكم لا يمكن للسلطات استئنافه.
وبدلا من ذلك، أعلن وزير العدل المعين من قبل سعيّد عن التحضير لقضايا جنائية ضد القضاة المعزولين.
وصف أربعة منهم قابلتهم هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل التعسف في عزلهم وجهود السلطات لتبرير ذلك بتوجيه اتهامات جنائية ضدهم بعد حكم المحكمة الإدارية.
قالت سلسبيل شلالي، مديرة شؤون تونس في “هيومن رايتس ووتش”: “تعكس هذه الضربات لاستقلال القضاء تصميم الحكومة على إخضاع وكلاء الجمهورية والقضاة للسلطة التنفيذية”.
وأضافت أن: “ذلك على حساب حق التونسيين في محاكمة عادلة أمام قضاة مستقلين ونزيهين. ينبغي ألّا تُستخدم مكافحة الفساد لأغراض سياسية وأن تتم في إطار الامتثال لسيادة القانون”.
رفضُ إعادة القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين هو من بين الإجراءات الأخيرة ضد السلطة القضائية التي اتخذها سعيّد منذ إمساكه بالسلطة في 25 جويلية/تموز 2021.
قال الرئيس حينها إنه سيتولى الإشراف على النيابة العامة. ثم حل سعيّد في 12 فبراير/شباط 2022 من جانب واحد “المجلس الأعلى للقضاء”، وهو هيئة دستورية مكلفة بضمان استقلال القضاء، كجزء من الحرب التي أعلن أنه يشنها على الفساد.
استبدل سعيد المجلس، بموجب المرسوم عدد 11 لسنة 2022، بـ “المجلس الأعلى المؤقت للقضاء” حيث يُعيّن جميع الأعضاء البالغ عددهم 21، منهم تسعة معيَّنون من قبل الرئيس مباشرة.
كما منح المرسوم ذاته الرئيس سلطة التدخل في تعيين القضاة ووكلاء الجمهورية، ومساراتهم الوظيفية، وعزلهم.
في 1 يونيو/حزيران 2022، منح سعيد نفسه سلطة فصل القضاة والمدعين العامين من جانب واحد بموجب الأمر الرئاسي عدد 35 لسنة 2022.
وفي اليوم نفسه، أصدر مرسوما ثانياً (أمر رئاسي عدد 516 لسنة 2022)، بإقالة 57 قاضيا ووكيلا للجمهورية، متهما إياهم بالفساد المالي و”المعنوي”، وعرقلة التحقيقات.
في 12 فبراير/شباط، اعتقلت السلطات اثنين من هؤلاء القضاة ولم تُوجه إليهما تهم بعد، بحسب تقارير إعلامية.
قال كل من القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم علموا بعزلهم في 1 يونيو/حزيران بعد نشر أسمائهم في “الرائد الرسمي” (الجريدة الرسمية).
على عكس الإجراءات المعمول بها عادة لتأديب القضاة، لم يُبلّغ أي من الأربعة بأسباب العزل أو الأدلة ضدهم، ولم يمنح أي منهم جلسة استماع وحق الاستئناف، ما عدا فرصة تقديم التماس إلى المحكمة الإدارية بوقف تنفيذ العزل.
اتخذ الرئيس قراره بإقالة القضاة في مأمن من الاستئناف الفوري. إذ ينص الأمر الرئاسي عدد 35 لسنة 2022 على بدء الملاحقة الجنائية تلقائيا ضد القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين بموجب أحكامها.
لا يحدد المرسوم التهم الجنائية. وينص المرسوم على أنه لا يجوز للقضاة أو وكلاء الجمهورية الطعن في عزلهم إلا بعد أن تصدر المحاكم حكما نهائيا في قضاياهم الجنائية.
ومع ذلك، استأنف القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولون قرار عزلهم أمام المحكمة الإدارية بتونس والتي حكمت لصالح 49 منهم. إلا أنه، وفي ضربة أخرى لاستقلال القضاء، تجاهلت حكومة سعيّد أمر المحكمة بإعادة تعيينهم.
وقالت المحكمة إن عزلهم ينطوي على انتهاك للحق في محاكمة عادلة، وانتهاكات خطيرة لحقوق المثول أمام المحكمة، وافتراض البراءة، الحصول على الدفاع. الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بموجب “القانون الإداري المحلي” نهائب ونافذ فورا.
رغم مرور ستة أشهر، لم يعد أي من القضاة أو وكلاء الجمهورية إلى منصبه أو يستعد رواتبه ومزاياه، بما في ذلك التغطية الصحية.
أعلنت وزارة العدل في بيان صدر في 14 أوت/آب 2022 أن القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين في 1 يونيو/حزيران يخضعون لإجراءات جنائية.
قالت الوزارة بعد ستة أيام إن النيابة العامة تدرس 109 ملفات وفتحت تحقيقات تتعلق بجرائم مالية، واقتصادية، وإرهابية، وغيرها.
قال العياشي الهمامي، المحامي المنسق لـ “هيئة الدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة المعفيين” إنه لم يكن أي من القضاة ووكلاء الجمهورية الـ 49 في وقت عزلهم يواجه اتهامات جنائية أو الإدانة. وأضاف أن التحقيقات الجنائية لم تبدأ إلا بعد صدور حكم المحكمة.
قال الرئيس السابق لـ “المجلس الأعلى للقضاء” يوسف بوزاخر لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات “تفتح تحقيقات ضد القضاة المفصولين كذريعة لتجنب تطبيق قرار المحكمة الإدارية”.
وقال الهمامي إن قضاة التحقيق قدموا طلبا إلى مجلس الأعلى المؤقت للقضاء لرفع الحصانة، التي تحمي من المسؤولية المدنية والجنائية، عن 13 قاضيا معزولا يخضعون للتحقيق بتهم الإرهاب.
وقال الهمامي إنه من المتوقع أن تبت الهيئة القضائية المؤقتة في الأمر في مايو/أيار، لكن حتى الآن، ما زال جميع القضاة الـ 49 يتمتعون بالحصانة.
القضاة المعزولون ليسوا التونسيين الوحيدين الذين يواجهون تهما تتعلق بتحركات السلطات لتقويض استقلال القضاء.
إذ يواجه الهمامي نفسه اتهامات بسبب تعليقاته التي تنتقد معاملة القضاة ووكلاء الجمهورية، والتي قد يواجه بسببها عقوبة السَّجن عشر سنوات في حالة إدانته.
قال المحامي والوزير السابق الازهر العكرمي لـ هيومن رايتس ووتش إنه يواجه أيضا تهما بناء على شكوى قدمها وزير العدل لانتقاده العزل التعسفي للقضاة على خلفية فيديو نشره على “فيسبوك”.
يواجه العكرمي في حالة إدانته السَّجن حتى أربع سنوات بموجب الفصل 128 من المجلة الجزائية، التي تعاقب “كل من ينسب لموظف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم… دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك”، وبموجب الفصل 86 من مجلة الاتصالات بتهمة “الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات”.
في 13 فبراير/شباط، اعتقلت السلطات العكرمي، بالإضافة إلى شخصيات سياسية وإعلامية أخرى.
لم تُوجَّه أي اتهامات ضده حتى الآن، لكن تشير مذكرة بحث منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاشتباه في “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.
قال ثلاثة قضاة معزولين وواحد ما يزال في منصبه، في مقابلات مع هيومن رايتس ووتش، إنهم تعرضوا للمضايقات عبر الإنترنت لعدة أشهر على الأقل على صفحات التواصل الاجتماعي التي تُعتبر داعمة للسلطات.
تعرض أنس الحمادي، الذي ما يزال في محكمة الاستئناف بالمنستير ورئيس “جمعية القضاة التونسيين”، التي عارضت إجراءات الرئيس، لسلسلة من التعليقات التشهيرية على صفحات التواصل الاجتماعي على خلفية أنشطته في الجمعية.
استدعت “المفتشية العامة لوزارة العدل” الحمادي عدة مرات. رفع المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الحصانة عنه في سبتمبر/أيلول حيث يخضع للتقاضي بموجب الفصل 136 من المجلة الجزائية بتهمة التسبب “بالعنف أو الضرب أو التهديد أو الخزعبلات في توقف [قاض] عن العمل”.
الدستور التونسي الجديد، الذي صادق عليه سعيّد ونال الموافقة في استفتاء وطني في 25 جويلية/تموز 2022 بمشاركة رسمية بنسبة 30.5%، يقوّض استقلال المحاكم.
وقد منح الدستور الرئيس السلطة النهائية لتعيين القضاة، بناء على ترشيح المجلس الأعلى للقضاء، ويحرم القضاة من حق الإضراب.
قال الهمامي إن 37 قاضيا قدموا شكاوى فردية في 23 يناير/كانون الثاني 2023 ضد وزير العدل بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة لعدم امتثاله لأمر المحكمة الإدارية، بناء على الفصل 315 من المجلة الجزائية والمادة 2 من قانون مكافحة الفساد لعام 2017.
قالت شلالي: “ينبغي للسلطات أن توقف فورا هجماتها على القضاء واستهداف القضاة من خلال الملاحقة القضائية والترهيب”.
وأضافت: “ينبغي لها إعادة القضاة الذين تم عزلهم تعسفا، وضمان تمتعهم الكامل بحقوقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع”.