الأورومتوسطي: حملة احتجاز جديدة في تونس، ضمن استراتيجية تجريم النشاط المعارض
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – استنكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استمرار السلطات التونسية ممارسة الاحتجاز التعسفي ومصادرة الحريات.
وأكد المرصد أن تلك الممارسات تؤشر على تصميم السلطات التونسية على المضي قدماً في استراتيجية تجريم وتحييد المظاهر المعارضة، وإلغاء الحقوق الدستورية المكفولة للكيانات والأفراد.
وتابع المرصد الدولي في بيان صحافي اليوم بقلق عميق احتجاز أجهزة الأمن التونسية خلال الأيام الماضية معارضين سياسيين وقضاة سابقين ورجل أعمال.
وذلك كله كان على خلفية تهم تبدو فضفاضة وذات أبعاد سياسية، وتتسق مع الحملة المتصاعدة التي تشنها السلطات على الحريات منذ إعلان الرئيس قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021.
ولفت إلى أنّ من بين المحتجزين القاضيَيْن السابقَيْن “البشير العكرمي” و”الطيب الراشد” والسياسيَّيْن “خيام التركي” و”عبد الحميد الجلاصي“.
بالإضافة إلى احتجاز رجل الأعمال “كمال الطيف“، إلى جانب موظفَيْن متقاعدَيْن من الحرس الوطني والسلك الدبلوماسي.
وفيما لم تصدر السلطات أي بلاغ رسمي حول احتجاز هؤلاء الأشخاص، قالت وسائل إعلام مقرّبة من السلطات إنّ حملة التوقيف جاءت “في إطار البحث المتعلّق بشبهات التآمر على أمن الدولة والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة”.
يذكر أن عقوبة هذه التهم إلى عقوبات قد تصل إلى الإعدام بموجب الفصل (72) من قانون العقوبات التونسي.
ووفق “مريم الجلاصي” ابنة السياسي المحتجز “عبد الحميد الجلاصي“، اقتحم 12 فردًا من قوات الأمن مساء السبت منزل العائلة واحتجزوا والدها وصادروا هاتفه المحمول وجهاز الكمبيوتر الخاص به.
هذا بالإضافو إلى مصادرة الأمن هاتفه المحمول الخاص بوالدتها. ولم توضح القوة الأمنية سبب تفتيش المنزل واحتجاز والدها أو المكان الذي سيُنقل إليه.
ويُعرف عدد من المُحتجزين بنشاطهم السياسي الفاعل، وقيادة أنشطة علنية مناهضة للإجراءات التي اتخذتها الرئيس سعيّد خلال العامين الماضين وسيطر بموجبها على جميع السلطات تقريبًا، بما في ذلك سلطة إصدار التشريعات والقوانين.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ تجريم الأنشطة المعارضة بناء على حجج أمنية فضفاضة لا يمكن أن يبرر التعدي على حق الأفراد في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي.
وأكد المرصد أن اعتبار حرية الرأي المعارض جريمة لا يُسهم سوى في مزيد من التراجع لحالة حقوق الإنسان في تونس، والتي طالما تعهد الرئيس “سعيّد” بعدم المساس بها.
وأوضح المرصد أنّه بالتزامن مع عمليات الاحتجاز، رصد فريق المرصد الأورومتوسطي حملة قد تكون منسّقة قادتها حسابات إلكترونية تبدو مرتبطة بالسلطات التونسية على موقعي “فيسبوك” و”تويتر”.
إذ روّجت تلك الحسابات لتورّط الأشخاص المحتجزين بالتخطيط “للانقلاب على الدولة”.
وزعمت أنّ حملة التوقيف ستستمر وستشمل شخصيات أخرى، في محاولة على ما يبدو لتبرير وتطبيع مصادرة الحريّات أمام الرأي العام.
وبيّن المرصد الدولي أنّ الخلط المتعمد بين النشاط السلمي المعارض و”الانقلاب على الدولة” يهدف إلى تجريم المشاركة السياسة.
وأشار المرصد أن ذلك فيه ترهيب للأفراد والكيانات ودفعها للامتناع عن الانخراط في أي أنشطة مناهضة للسياسات والإجراءات التي تتبعها السلطات، في إطار تعزيز الحكم الشمولي وإلغاء التعددية السياسية.
وأكّد أنّ المراسيم والأوامر الرئاسية التي أصدرها “سعيّد” خلال العامين الماضين- لا سيما المرسومين 54 لعام 2022، و11 لعام 2022- شرعنت على نحو تعسفي احتجاز المعارضين ومصادرة حرياتهم.
ولفت المرصد إلى أن ذلك ساعد السلطات التنفيذية في إحكام قبضتها على القضاء، واستخدامه للانتقام من الخصوم والمعارضين وتغييبهم.
وشدّد المرصد الحقوقي على أنّ الدستور التونسي الجديد الذي أشرف على إعداده الرئيس “سعيّد“، وصدّق عليه دون توافق سياسي وبعد استفتاء شعبي مثير للجدل، أكّد على حظر تقييد الحريات.
إذ جاء في الفصل (55) منه: “لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني، أو الأمن العام، أو الصحة العمومية، أو حماية حقوق الغير، أو الآداب العامة”.
وجاء فيه أيصاً أنه: “يجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور”.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات التونسية إلى الإفراج فوراً عن جميع الأشخاص الذين احتجزتهم على خلفية ممارستهم لحقوقهم المشروعة في الرأي والتعبير والتجمع السلمي.
وطالب المرصد بالكف عن استخدام تهم ذات دوافع سياسية لمصادرة الحريات وتجريم النشاط المعارض، ووقف جميع الممارسات الأمنية التي من شأنها تقويض ممارسة الأفراد لحقوقهم الدستورية.