السعودية: موت عمال وافدين صعقا وسقوطا وبانفصال الرأس
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن عشرات العمال الوافدين في السعودية يفقدون حياتهم في حوادث مروعة مرتبطة بمكان العمل ويمكن تجنبها، تشمل السقوط من المباني، والتعرض للصعقات الكهربائية، وحتى انفصال الرأس عن الجسم. لم توفر السلطات السعودية الحماية الكافية للعمال من الوفيات التي يمكن تفاديها، ولم تحقق في حوادث متعلقة بالسلامة في مكان العمل، ولم تضمن تعويضات كافية وفي الوقت المناسب للعائلات، بسبل تشمل سياسات التأمين الإلزامية على الحياة وضمان حصول الورثة على مستحقات.
يبيّن تحقيق مستقل منفصل نشرته “فيرسكوير” اليوم أيضا نقصا خطيرا في السياسات والعمليات الفعالة من جانب الحكومة السعودية لتحديد أسباب وفيات العمال الوافدين.
تتزايد مخاطر الوفيات والإصابات المهنية مع تكثيف الحكومة السعودية أعمال البناء استعدادا لاستضافة “كأس العالم فيفا 2034” بالإضافة إلى “مشاريع كبرى” أخرى. قالت عائلات إن أصحاب العمل والسلطات في السعودية لم يقدموا سوى معلومات شحيحة عن ظروف وفاة ذويهم، ورفض بعض أصحاب العمل تغطية تكاليف إعادة الجثامين إلى الوطن، بل ضغط بعضهم على العائلات لدفن ذويهم في السعودية، مقدمين حوافز مالية لفعل ذلك. سعت الشركات أيضا في كثير من الأحيان إلى عدم تسليم ممتلكات العمال الوافدين المتوفين وأجورهم المستحقة إلى عائلاتهم.
قال مايكل بَيْج، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “الحوادث المروعة التي تودي بحياة عمال وافدين في أماكن عملهم في السعودية ينبغي أن تدق ناقوس الخطر للشركات ومشجعي كرة القدم والاتحادات الرياضية التي تسعى إلى الشراكة مع الفيفا في كأس العالم للرجال 2034، وغيرها من المشاريع السعودية الكبرى. بما أن السلطات السعودية لم تضمن بما يكفي إجراءات السلامة الأساسية والضمان الاجتماعي للعمال الوافدين، تواجه الشركات المحلية والدولية مسؤولية أكبر لضمان تفادي الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في جميع عملياتها التجارية في السعودية”.
قابلت هيومن رايتس ووتش عائلات 31 عاملا وافدا من بنغلاديش والهند ونيبال أعمارهم بين 23 و52 عاما توفوا في السعودية، وعاملَين اجتماعَييْن في بلديهما الأصليين قدما دعما لإعادة جثامين العمال إلى وطنهم، وثلاثة عمال وافدين حاليين شهدوا وفاة زملائهم. راجع الباحثون “شهادات عدم الممانعة” للعمال المتوفين عند توفرها، وهي وثيقة إلزامية تُصدرها سفارات بلدانهم الأصلية قبل السماح بإعادة جثمان العامل الوافد إلى وطنه، وشهادات الوفاة، وغيرها من الوثائق الرسمية ذات الصلة.
تماشيا مع ما خلصت إليه مجموعة من الأبحاث حول تصنيف العديد من وفيات العمال الوافدين في السعودية بشكل غير صحيح على أنها “طبيعية” ولا يُحقق فيها ولا تُعوَّض، وجدت هيومن رايتس ووتش أنه حتى حالات الوفاة المتعلقة بالعمل المصنفة بشكل صحيح في شهادة وفاة العامل الوافد لا تُعوّض أحيانا كما ينبغي وفقا للقانون السعودي ومعايير العمل الدولية. في حالات وفاة الوافدين التي يُعوّض عنها، تكون العملية طويلة ومرهقة.
قطاع البناء هو الأكثر عرضة لحوادث العمل، وفقا للسجلات الرسمية لـ”المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية” في السعودية. تُظهر الأرقام أن أكثر ثلاث إصابات في مكان العمل تحدث بسبب “التعرض لقوى ميكانيكية غير حية”، والسقوط، والحوادث المرورية، مع تأثر العمال الوافدين بشكل غير متناسب.
تُلزم القوانين السعودية أصحاب العمل الذين يُشغّلون 50 عاملا أو أكثر بتطبيق سياسة للصحة والسلامة، وإجراء التدريب، وتقييم مخاطر مكان العمل، وتوفير معدات الحماية والإسعافات الأولية اللازمة. صرّح “المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية” بأن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تُجري بشكل منتظم عمليات تفتيش، وعمليات تحقق من الامتثال، وتحقيقات في حوادث مكان العمل بالتنسيق مع الجهات المعنية، وأنه سيتم معالجة الانتهاكات بالإجراءات القانونية أو العقوبات على النحو الذي تحدده لوائح العمل.
لكن هيومن رايتس ووتش وجدت أن العمال في جميع قطاعات العمل والمناطق الجغرافية في السعودية لا يزالون يواجهون انتهاكات عمل واسعة النطاق ومخاطر مهنية في مواقع عملهم. بينما تُدرج المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية “الأمراض الناجمة عن التعرض لدرجات حرارة عالية” في جدولها المعتمد للأمراض المهنية، إلا أن الحماية المتعلقة بالحر والتحقيقات ذات الصلة، بما فيها الوفيات المرتبطة بالحر الشديد، لا تزال غير كافية على الإطلاق.
منحت الفيفا السعودية حق استضافة كأس العالم 2034 دون بذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان، أو ضمانات بمتطلبات حماية فعالة للعمال، بما فيها الحماية من الحر الشديد، أو الضمان الاجتماعي للعمال، بما يشمل مستحقات عائلات الضحايا وتعويضات أخرى، مثل التأمين الإلزامي على الحياة. قالت هيومن رايتس ووتش إن الفيفا تخاطر عمدا ببطولة أخرى ستترتب عليها تكلفة بشرية باهظة يمكن تجنبها.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات السعودية والفيفا وأصحاب العمل الآخرين ضمان التحقيق السليم في جميع وفيات العمال الوافدين، بغض النظر عن السبب المفترض أو الزمان أو المكان، ومعاملة عائلات العمال المتوفين بكرامة، وتوفير تعويضات عادلة وفي الوقت المناسب.
أشارت الفيفا في ردها على هيومن رايتس ووتش إلى أنها تنوي إنشاء نظام رعاية للعمال مُخصص للمعايير الإلزامية وآليات التنفيذ لأعمال البناء وتقديم الخدمات المتعلقة بكأس العالم في السعودية، دون تقديم تفاصيل عن التدابير الملموسة لمنع وفيات العمال الوافدين والتحقيق فيها وتعويضهم، مثل تدابير الحماية من الحر القائمة على المخاطر أو التأمين على الحياة. لم تردّ السلطات السعودية على رسالة من هيومن رايتس ووتش في 25 مارس/آذار بشأن أسئلة تتعلق بحماية العمال الوافدين. وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا أن قطر، التي استضافت كأس العالم لكرة القدم 2022، شجعت مقاوليها على شراء تأمين خاص على الحياة للعاملين لديهم منذ 2019. لكن في 2022، وجدت هيومن رايتس ووتش أن 23 مقاولا فقط اشتروا بوالص تأمين خاصة على الحياة لعمالهم. قال أحد المقاولين إن ذلك كلّفه أقل من 14 دولار أمريكي لكل عامل سنويا، مقابل منفعة قدرها 20,599 دولار لأسرة العامل المتوفي عندما لا تُصنف الوفاة على أنها متعلقة بالعمل وبالتالي لا يحق للأسرة الحصول على تعويض.
قال بَيْج: “يتعيّن على الفيفا التي تدّعي أنها محرك لإصلاحات عمالية إيجابية في البلدان المضيفة لكأس العالم أن تتعلم من كوارث حقوق الإنسان في البطولات السابقة، وأن تُطالب بشكل عاجل بآليات فعّالة للوقاية من إصابات العمال الوافدين وفياتهم والتحقيق فيها والتعويض عنها”.
للاطلاع على النتائج التفصيلية، يرجى مواصلة القراءة أدناه.
جمع الباحثون معلومات حول وفيات العمال الوافدين من مصادر حكومية هندية وبنغلاديشية ونيبالية. عُزيت معظم وفيات العمال، من مختلف الجنسيات، إلى “أسباب طبيعية”، حيث شكلت 74% من إجمالي 1,420 حالة وفاة للعمال الوافدين الهنود المسجلة في السفارة الهندية بالرياض عام 2023؛ و80% من إجمالي 887 حالة وفاة للعمال الوافدين البنغلاديشيين خلال الأشهر الستة الأولى من 2024، و68% من إجمالي 870 حالة وفاة للعمال الوافدين النيباليين بين 2019 و2022.
خمس من الحالات التسع التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، والتي تُصنفها الوثائق الرسمية على أنها غير متعلقة بالعمل، بما فيه لـ “أسباب طبيعية”، تتعلق بعمال انهاروا في أماكن عملهم ثم توفوا لاحقا، وفقا لعائلاتهم. أخبر شهود على حالتي وفاة عاملين عائلاتهم أن زميليهما في العمل توفيا نتيجة حوادث في مكان العمل؛ أحدهما صعقا كهربائيا والثاني في حادث مصعد. كما أخبر شهود عائلتين من العمال المتوفين أن عاملَين وافدَين توفيا أثناء نومهما. تثير هذه النتائج مخاوف من نقص تسجيل حوادث العمل في السعودية، وتصنيفها بشكل خاطئ، و/أو عدم التحقيق فيها بشكل كاف.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت “شهادة عدم الممانعة” لوفاة عامل بنغلاديشي بسبب وفاة دُوِّنت على أنها بسبب صعقة كهربائية إلى عدم إمكانية التعويض وأن السبب غير متوفر، بينما في حالتين أخريين من حوادث العمل المُصادق عليها رسميا، وُضعت علامة تشير إلى أن إمكانية التعويض تتوقف على محضر الشرطة.
إضافة إلى ذلك، انتهك أصحاب العمل، أو سعوا للتهرب من، التزامهم بموجب القانون السعودي الذي يفرض على أصحاب العمل تحمل تكاليف إعادة جثمان المتوفى إلى وطنه ما لم تكن مشمولة بتغطية المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. قال أفراد عائلات تسعة عمال بنغلاديشيين متوفين إن أصحاب العمل عرضوا دفنهم في السعودية، وعرضوا عليهم مبالغ مقطوعة أو تغطية نفقات شهرية مثل تعليم الأطفال. رغم ظروفها الاقتصادية المتردية، قالت ثماني عائلات إنها رفضت هذه العروض، بينما تكفلت ست عائلات بتكاليف الإعادة بنفسها. في إحدى الحالات، قالت زوجة عامل نيبالي إن زوجها دُفن في السعودية دون موافقة الأسرة، ولم يتلق أي منهم تعويضا حتى الآن.
قال ابن رجل بنغلاديشي توفي بصعقة كهربائية إن صاحب عمل والده اشترط دفنه في السعودية للحصول على التعويض. رفضت الأسرة هذا العرض، واضطرت إلى دفع أكثر من 500 ألف تاكا بنغلاديشي (حوالي 4,134 دولار) لإعادة الجثمان، وهو مبلغ اقترضته. حصلت الأسرة على 335 ألف تاكا (2,770 دولار) كتعويض من الحكومة البنغلاديشية. قال الابن: “كانت ديوننا أكثر من التعويض”.
تكافح عائلات العمال الوافدين المؤهلة للحصول على مستحقاتها من الضمان الاجتماعي الحكومي السعودي، حتى بمساعدة سفارات بلدانهم أو قنصلياتها. تشير مواقع سفارات البلدان الأصلية إلى أن الحصول على التعويض يستغرق وقتا طويلا جدا، ويتطلب جهدا كبيرا، وقد يستغرق سنوات. قالت أرملة عامل متوفى إنها استغرقت 10 سنوات للحصول على مستحقاتها: “ابناي عمرهما 11 و13 عاما. عندما توفي زوجي، كان عمرهما 11 شهرا وسنتين. لو تلقينا تعويضا بعد وفاته مباشرة، لكان ذلك وفر لنا عونا كبيرا”.
في حالة أخرى، استغرق الأمر عائلة وافد متوفى نحو 15 عاما للحصول على مستحقاتها من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. قال شقيقه لـ هيومن رايتس ووتش: “كان ينبغي أن يأتي التعويض في وقت أبكر. كان سيُخفف عن والديّ الحزينين بعض الشيء، ويخفف عنهما عبء القروض. توفيا بعد ست سنوات من وفاة أخي”.
عدم الاعتراف بوفيات العمل وعدم توفير الضمان الاجتماعي في الوقت المناسب لعائلات العمال المتوفين يمكن أن يُرسّخ الفقر والضرر الذي يمتد لأجيال أو يفاقمهما، بما يشمل الضغط لإخراج الأطفال من المدارس وإرسالهم إلى العمل. قالت أرملة عامل وافد من بنغلاديش: “لتغطية نفقاتي، شغّلت ابني البالغ من العمر 14 عاما، ونستخدم المال القليل الذي يكسبه لتغطية نفقاتنا اليومية”.
قال بعض الشهود إن أصحاب العمل طلبوا منهم استئناف العمل بعد أن شهدوا وفيات زملائهم في حوادث متعلقة بالعمل. وصف عامل الدوار الذي شعر به عندما نقل جثة صديقه بعد وفاته في حادث مرتبط بالآلات. استأنف عمله في اليوم التالي دون الحصول على إجازة حداد أو دعم اجتماعي أو نفسي.
قال آخر إن المشرفين تساءلوا عن سبب توقفه هو وزملائه عن العمل بعد أن شهدوا وفاة صديقهم. أُجبِروا على استئناف العمل في اليوم نفسه. قال: “الأمر صعب في بلد أجنبي، ولم نجرؤ على التحدث عن هذه القضية وظللنا صامتين خوفا”.
وفيات وتقاعس بالغ عن احترام السلامة في أماكن العمل
وفيات ناجمة عن السقوط وتساقط مواد البناء
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 48 عاما وعمل في البناء في السعودية لأكثر من عقدين:
توفي إثر سقوطه من الطابق الخامس لمبنى قيد الإنشاء. أبلغني زملاؤه المتواجدون في الموقع أن مكان سقوطه كان منطقة هبوط المصعد، حيث كانت تُلقى القمامة وقطع الحديد. كان يعمل على إنشاء هيكل مؤقت لدعم الخرسانة عندما انفصل حزام الأمان، ما أدى إلى سقوطه… ونظرا لوجود العديد من الأجسام الثقيلة والصلبة هناك، أصيب بجروح في أجزاء مختلفة من رأسه وجسمه. فقد وعيه، لكنه كان على قيد الحياة. وصلت الشرطة السعودية بسرعة كبيرة وأنقذته من موقع الحادث ونقلته إلى مستشفى قريب. بعد تقديم الإسعافات الأولية له، أُدخل إلى وحدة العناية المركزة وتوفي بعد ساعتين. كنت أتحدث معه عدة مرات يوميا. ومثل كل يوم، اتصل بي بعد الغداء في يوم وفاته، وكانت تلك آخر محادثة بيننا.
قالت أرملة عامل وافد بنغلاديشي توفي عن 36 عاما وعمل في البناء في السعودية لأكثر من ثماني سنوات:
كان أحد أقاربي يعمل ويعيش معه في نفس الشركة. كان متواجدا يوم الحادث في موقع العمل وأبلغنا بوفاة زوجي. قال لي: “نحمل طوبا ثقيلا في العمل، وقد تراكمت كمية كبيرة منه في موقع البناء. عندما كان أخي [زوجي] يمر من هناك، هَوَت عليه مجموعة من الطوب فجأة. ونظرا لكثرتها، لم نتمكن من إنقاذه بأيدينا. استُقدمت رافعة لإزالة الطوب الذي غطى جثته، لكن فات الأوان. كان أخي [زوجي] قد توقف عن التنفس، كما تهشم جسده من ثقل الطوب.”
قالت أرملة عامل وافد بنغلاديشي توفي عن 33 عاما، مضت على تواجده في السعودية سبعة أشهر فقط:
يعمل بعض أقاربي في السعودية. سمعوا أن زوجي سقط من نافذة الطابق الثالث لمبنى كان على وشك الهدم بغية إعادة إعماره… كان زوجي في الطابق الثالث يضرب الجدار بمطرقة ليهدمه عندما سقط. لم يمت على الفور. لكن أحدا لم يتقدم لمساعدته خوفا من الوقوع في مشاكل قانونية، بما أن ذلك كان حادثا.
وفيات بسبب صعق كهربائي
قالت أرملة رجل نيبالي توفي عن 25 عاما، عمل في السعودية لعامين:
بعد أن تعرض زوجي لصعقة كهربائية في العمل، انهار ونُقل إلى المستشفى. بعد بضعة أشهر، شعرنا بالارتياح لسماع أنه استعاد وعيه، لكننا أُبلِغنا فجأة بوفاته. رغم أن الوفاة ناجمة عن أسباب تتعلق بالعمل، إلا أنها صُنِّفت رسميا وفاة طبيعية. لم نستلم جثمان زوجي، بل أُبلغنا أن مراسم تشييعه قد أُقيمت في السعودية دون إذننا، ما زاد من معاناتنا. نعتقد أن الأمر كان مخططا مُحكما لحرماننا من التعويض. هناك أسئلة كثيرة بلا إجابة… من سمح لهم بدفن [زوجي] بدلا من إعادة جثمانه إلى الوطن؟… يقول شهود عيان إن الوفاة ناجمة عن صعقة كهربائية…
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 27 عاما، وعمل في السعودية لأربع 4 سنوات ونصف:
كان عدد من الزملاء حاضرا عندما تعرض [زوجي] لصعقة كهربائية، إذ وصفوا لنا عمله بالقرب من أسلاك كهربائية عندما تسببت صعقة كهربائية مفاجئة في سقوطه. رغم محاولات إنعاشه، أُعلِنت وفاته في مكان الحادث.
وفيات بسبب انفصال الرأس عن الجسم
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 46 عاما، عمل في البناء في السعودية لعامين:
وفقا لزملائه ورئيس العمال، لاحظ عطلا ميكانيكيا في الآلة التي كان يُشغّلها. أطفأ الآلة لإصلاحها، وكان يحاول إزالة حجر عالق بداخلها عندما أعاد أحدهم تشغيلها عن طريق الخطأ. علق رأسه داخل الآلة، وتوفي فورا. عندما وصلت جثته إلى بنغلاديش، رأينا رأسه منفصلا عن جسده. تطابق وصف زملائه الحادث مع حالته التي وجدناه عليها، لذلك لم يكن لدي خيار سوى تصديق الحادثة. مع ذلك، لا أستطيع الجزم ما إذا كان التحقيق في الحادث شاملا أم لا. عندما استلمنا جثته، أردتُ أن أحتضنه لآخر مرة، لكن ذلك لم يكن ممكنا. عندما رأيته على تلك الحالة، فقدت الوعي.
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 43 عاما، عمل في قطع الكتل الخرسانية في السعودية لعامين:
لم تكن لديه خبرة سابقة في تشغيل هذا النوع من الآلات العملاقة. ربما علقت الشفرة، لكنه لم يلاحظ أنها كانت تعمل في الجانب العلوي. وضع رأسه داخل الآلة عندما بدأت الشفرة تعمل فجأة. في تلك اللحظة، قُطع رأسه بالشفرة وانفصل عن جسده. توفي فورا. حضرت الشرطة وأخذت الجثة. لا أعرف ما حدث إلا مما قيل لي. لم أتمكن من التحقق من سبب الوفاة من بنغلاديش.
ضغط أصحاب العمل لدفن جثث العمال الوافدين المتوفين في السعودية
أخبرت عائلات العديد من العمال الوافدين هيومن رايتس ووتش أنهم واجهوا عقبات، من أصحاب عمل أفراد عائلاتهم المتوفين، أمام إعادة جثامينهم إلى أوطانهم.
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 48 عاما، عمل في البناء في السعودية لأكثر من عقدين:
في البداية، اقترح أشخاص من الشركة دفن جثمان زوجي في السعودية، وأكدوا لنا أن الشركة ستقدم تسهيلات مختلفة مقابل ذلك. لكن عندما أردنا نقل جثمان زوجي إلى بنغلاديش ودفنه هنا، قالت الشركة إننا سنتحمل جميع تكاليف نقل الجثمان… فتحملتها عائلتنا.
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 46 عاما، عمل في البناء في السعودية لعامين:
أراد الكفيل السعودي دفن زوجي في السعودية، لكنني رفضت. أردت إعادته لرؤيته للمرة الأخيرة. لم يقدم الكفيل أي مساعدة مالية. ما ساعدني هو وجود أقاربي في المملكة، حيث بذلوا قصارى جهدهم لضمان إعادة جثمان زوجي إلى الوطن. وللقيام بذلك، ساهم أقاربي بمبلغ ألف ريال سعودي (265 دولار) بالإضافة إلى أربعة آلاف ريال سعودي (1,065 دولار) من زملاء زوجي… لم يقدم الكفيل أي تعويض أو تأمين.
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 44 عاما، عمل سباكا في السعودية لأكثر من عقدين:
عند وفاته، تواصلت معي الشركة مرات عدة وعرضت عليّ مساعدات مالية متنوعة مقابل دفن زوجي في السعودية. أصرّوا ألّا أستعيد جثمانه. وعدوني بإرسال 800 ألف تاكا بنغالية (6,584 دولار)، وراتب زوجي المستحق، ومخصصات شهرية لتعليم أطفالي، لكنني أصريت على إحضار جثمانه إلى بنغلاديش.
قالت أرملة عامل بنغلاديشي توفي عن 32 عاما بسبب صعقة كهربائية:
وصل جثمان زوجي إلى بنغلاديش بعد حوالي ثلاثة أشهر من وفاته. حاول رئيس عمال الشركة إقناعي بشتى الطرق بأنني سأحصل على مزايا عديدة من الشركة إذا لم أُعِد الجثمان إلى الوطن. وقال إن الشركة ستساعدنا حتى في نفقاتنا الشهرية ورسوم تعليم الأطفال وغيرها. وعندما لم نوافق على دفن الجثة في السعودية، اتصل رئيس العمال بنفسه بالشركة وأحضر الجثمان إلى بنغلاديش.
رفض التعويض عن وفيات العمال الوافدين، بما يشمل حوادث العمل
تغطي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في السعودية الإصابات أو الوفيات الناجمة عن حوادث العمل. يعتمد هذا التأمين الإلزامي على مساهمة 2% من الراتب، ويحصل أفراد أسرة المتوفى على راتب 84 شهرا، بحد أقصى 330 ألف ريال سعودي (88 ألف دولار).
تُعزى معظم الوفيات في السعودية إلى أسباب غير متعلقة بالعمل، بما في ذلك الوفيات “لأسباب الطبيعية” والتي تمر دون تحقيق كافٍ، ما يحرم أفراد أسرة المتوفى من التعويض. مع ذلك، تُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش أن الأسر غالبا ما تواجه تحديات كبيرة وتأخيرات في الحصول على التعويض، حتى في حالة وفاة العمال الوافدين في حوادث عمل مُسجلة في شهادات الوفاة.
يكمن الملاذ الأخير للعديد من العمال الوافدين العائدين، وأسرهم، في برامج الرعاية الاجتماعية التي تُنشئها حكوماتهم خصيصا لمواجهة الانتهاكات التي تؤدي إلى الوفاة والإصابة. تُستخدم عادة “صناديق رعاية المهاجرين” المساهِمة، والتي تُموّل بشكل كبير من مساهمات المهاجرين، في العديد من بلدان المنشأ لتمويل برامج الرعاية هذه. ومع ذلك، غالبا ما يكون هذا الدعم مشروطا بتصاريح عمل سارية، وهو ما لا يملكه جميع العمال المهاجرين. علاوة على ذلك، يختلف مستوى وشمولية الدعم المقدم للعمال المهاجرين كثيرا بحسب البلدان الأصلية.
التعويضات من السعودية والبلدان الأصلية للعمال المتوفين
قالت أرملة عامل بناء طرق نيبالي توفي عن 28 عاما بعد أن صدمته مركبة ثقيلة:
حصلت على 700 ألف روبية هندية (8,065 دولار) من حكومة نيبال في صيغة تعويض، ومليون و400 ألف روبية هندية (16,130 دولار) من شركة التأمين [النيبالية]. وواجهت العديد من العقبات للحصول على التعويض من السعودية. تولى صهري زمام المبادرة. استغرق الأمر عامين، واضطررت إلى زيارة العديد من المكاتب. كان تأمين الأوراق مرهقا… كان من الواضح أنني لا أستطيع التعامل مع إجراءات التعويض بمفردي. ثم لجأ صهري إلى الأخصائيين الاجتماعيين الذين ضغطوا على السفارة النيبالية في السعودية. وبعد متابعتهم المتكررة، حصلنا أخيرا على تعويض في حسابي وحساب ابني المصرفيَّين… لولا [التعويض]، لما تمكنا من تغطية نفقاتنا…
قال شقيق عامل نيبالي متوفى، عانى للحصول على تعويض نيابة عن زوجة أخيه:
حصلنا على تعويض من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن وفاة أخي بعد 15 عاما. كنت مصمما على الحصول على التعويض، لذلك واصلت المتابعة. ما كان لشخص آخر أن يفعل الشيء نفسه. نصحني أفراد عائلتي بالاستسلام، لكنني كنت مصمما على الحصول على التعويض بأي ثمن. إذا لزم الأمر، كنت مستعدا للذهاب إلى السعودية للدفاع عن قضيتي. لكن على الأقل حصلنا على المال – أفضل من عدم الحصول على أي شيء… خفف عني بعض الشيء.
قالت أرملة عامل نيبالي توفي عن 34 عاما في حادث سير:
وفرت مبلغ التعويض في حسابي المصرفي، وأحاول ألا أستخدمه. أحتاج إلى ادخاره لمستقبل أطفالي. أحاول إدارة نفقاتي المنزلية من خلال زراعة [ما تحتاج إليه العائلة]، والتحويلات النقدية للأرامل من الحكومة النيبالية، والمنح الدراسية لأبناء المهاجرين المتوفين من خلال “مجلس التوظيف الخارجي” [برنامج منح دراسية ممول من صندوق رعاية المهاجرين المساهم].
تعويضات من السعودية أو البلدان الأصلية للعمال المتوفين
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 44 عاما، عمل سباكا في السعودية لأكثر من عقدين:
لم أتلقَّ مساعدة مالية كبيرة عند وصول الجثمان، لكن بعد ثلاثة أشهر، قدمت لي حكومة بنغلاديش 350 ألف تاكا بنغالية (2,879 دولار). لم تقدم الحكومة السعودية ولا الشركة أي مساعدة مالية. كانت الشركة قد وعدت سابقا بمساعدتي، لكنني لم أتلقَّ أي دعم.
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 26 عاما، عمل في السعودية كعامل بناء لأكثر من خمس سنوات قبل أن تسحقه رافعة حتى الموت:
استغرقت عملية إعادة جثمانه إلى بنغلاديش أكثر من ثلاثة أشهر بسبب التأخيرات البيروقراطية ورفض صاحب العمل تحمل المسؤولية… لم تدفع الشركة أي أجور متأخرة، أو مستحقات نهاية الخدمة، أو أي تعويضات إضافية رغم الطلبات المتكررة. تلقينا 300 ألف تاكا بنغالية (2,466 دولار) من الحكومة عبر صندوق رعاية المغتربين…
قالت أرملة رجل بنغلاديشي توفي عن 32 عاما بسبب صعقة كهربائية:
عند وفاته، كان يستحق راتب شهر لم يُدفع بعد، أرسلته الشركة إلينا لاحقا. لكننا لم نسترد أيا من أمواله في البنك ولا ممتلكاته الأخرى… حصلنا على 35 ألف تاكا بنغالية (287 دولار) من الحكومة البنغالية عند استلامنا الجثة، و300 ألف تاكا بنغالية (2,466 دولار)، كما أرسل لنا أصدقاؤه في العمل دعما قدره 150 ألف تاكا بنغالية (1,233 دولار). غير الراتب، لم تقدم الشركة أي مزايا متبقية أو أموال تأمين…
قالت أرملة سباك هندي توفي عن 44 عاما “لأسباب طبيعية”، وهو ما لا تصدقه الأسرة:
دفعت الشركة 300 ألف روبية هندية (3,511 دولار). لا ندري إن كانت الأموال مستحقة على الراتب أو مكافأة نهاية الخدمة أو تعويضا… تحدثنا إلى راجيف (عامل وافد آخر في الشركة) وهو المسؤول الوحيد عن التواصل مع العائلة من الشركة. قال إن الشركة غير مستعدة لدفع أي مبلغ إضافي. الشركة مدينة لنا بمزيد من المال تعويضا عن وفاته، لأنها وفاة في موقع العمل.
حالات من دون تعويض
قالت أرملة رجل نيبالي توفي عن 45 عاما، عمل في المملكة في بناء الطرق لأكثر من 11 عاما:
توسلت إلى الشركة عدة مرات للحصول على مبلغ التأمين. لكنهم قالوا إن ذلك غير مُدرج في لوائحهم ولا يفعلون هذا، لأنه ليس لديهم تأمين على الحياة، بل تأمينا ضد الحوادث فقط. قضيتنا ليست حادث عمل. هل يجب أن تسقط أو تصاب بحجر أو تُجرح بآلة أثناء العمل؟ أغمي عليه بسبب ضغط العمل الشديد. أعتقد أن التحقيق في هذه القضية لم يكن مكتملا. مضطرون لقبول كلامهم. لا يمكننا الذهاب هناك [إلى السعودية] لفهم الوضع بشكل أفضل. كانت أموال التعويض لخففت عنا. كما لم نتلقَّ أي تعويض من حكومة نيبال. كانت صلاحية تصريح عمله منتهية، لذا لم يكن مؤهلا للحصول على تعويض من صندوق الرعاية الاجتماعية أو التأمين.