السعودية: الإفراج عن العشرات لكنّ الاعتقالات مستمرة
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات السعودية أفرجت عن عشرات الأشخاص ممن يقضون فترات سجن طويلة لممارسة حقوقهم سلميا، لكنها تواصل السَّجن والاحتجاز التعسفي بحق الكثيرين.
بين ديسمبر/كانون الأول 2024 وفبراير/شباط 2025، أفرجت السلطات السعودية عن 44 سجينا على الأقل، وفقا لأقاربهم ومنظمات حقوقية. منهم الناشط الحقوقي محمد القحطاني (59 عاما)؛ وطالبة الدكتوراه في “جامعة ليدز” سلمى الشهاب؛ وأسعد الغامدي، وهو شقيق ناشط حقوقي معروف يعيش في المنفى. على الحكومة السعودية إنهاء قمعها الكاسح ضد حرية تكوين الجمعيات، والتعبير، والمعتقد.
قالت جوي شيا، باحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش: “الإفراج عن عشرات السجناء تطور إيجابي، لكن ينبغي للحكومة السعودية الإفراج عن الباقين جميعا الذين تحتجزهم تعسفا. هذه البادرة الإيجابية ليست بديلا عن إنهاء السياسات القمعية في المملكة”.
يستمر السجناء المفرج عنهم في الخضوع لقيود مثل منع السفر التعسفي وإلزامهم بارتداء جهاز مراقبة على الكاحل. ويستمر أولئك الذين ما زالوا محتجزين بسبب ممارسة حقوقهم الأساسية في الخضوع لانتهاكات ممنهجة للإجراءات القانونية الواجبة وحقوق المحاكمة العادلة، بحسب ما أفاد أفراد أسرهم ومحاموهم. تواصل السلطات السعودية احتجاز الأفراد وسجنهم على أساس حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والمعتقد. ويستمر احتجاز سجناء بارزين، مثل رجل الدين والمفكر الإسلامي البارز سلمان العودة، والحقوقي والمحامي الحائز على جوائز وليد أبو الخير، وعامل الإغاثة عبد الرحمن السدحان.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه لا يوجد ما يشير إلى تحول جذري في سياسة السلطات السعودية. ما يزال الكثيرون مسجونين بسبب ممارسة حقوقهم سلميا.
أُفرج عن القحطاني، وهو مؤسس مشارك لـ “جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية”، في 7 يناير/كانون الثاني. أدانتهالسلطات السعودية في 9 مارس/آذار 2013 بتهم شملت “إنشاء منظمة غير مرخصة” و”بث معلومات غير صحيحة لجهات خارجية” وحكمت عليه بالسجن عشر سنوات، تليها عشر سنوات أخرى من منع السفر. كان من المقرر إطلاق سراح القحطاني عام 2022، لكنه احتُجز لفترة تتجاوز تاريخ إطلاق سراحه المتوقع، وأُخفِيَ قسرا عامين و10 أيام، بحسب منظمة “القسط لحقوق الإنسان” السعودية.
اعتقلت السلطات السعودية الشهاب عام 2021 وحكمت عليها بالسَّجن 34 عاما لمجرد نشاطها السلمي على مواقع التواصل الاجتماعي والمتعلق بقضايا حقوق المرأة في البلاد. خفضت محكمة سعودية حكمها إلى 27 عاما في 2023، ثم إلى أربعة أعوام في سبتمبر/أيلول 2024، على أن تنتهي هذه المدة في ديسمبر/كانون الأول 2024. أفرجت السلطات السعودية عن الشهاب في فبراير/شباط 2025.
حكمت “المحكمة الجزائية المتخصصة” السعودية سيئة السمعة على أسعد الغامدي في مايو/أيار 2024 بالسَّجن 20 عاما بتهم الإرهاب بسبب نشاطه السلمي على مواقع التواصل الاجتماعي. قال أقاربه إن السلطات السعودية أفرجت عنه في فبراير/شباط.
لم تُصدر السلطات السعودية قائمة بأسماء السجناء المفرج عنهم، ولم تُفصّل شروط إطلاق سراحهم.
في 2 مارس/آذار، دعا عبد العزيز الهويريني، رئيس “رئاسة أمن الدولة” السعودي، وهي جهاز أمني ارتكب انتهاكات حقوقية متكررة، المعارضين المنفيين إلى العودة إلى السعودية دون عواقب، بموجب عرض عفو صادر عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
صرّح الهويريني لوسائل إعلام رسمية بأن “المملكة ترحب بعودة من يسمون أنفسهم معارضين في الخارج”. إلا أن الهويريني وجه الدعوة إلى من “استُغّلوا من قبل المغرضين… أو غُرّر بهم”، بدلا من الإشارة إلى تحول في سياسة الحكومة نحو التسامح مع حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والمعتقد.
ما يزال كثيرون مسجونين في السعودية بتهم لا تُعتبر جرائم معترف بها في القانون الدولي. بينهم أشخاص مثل الطبيب النفسي المتهم زورا بالإرهاب صبري شلبي؛ ومدافعون بارزون عن حقوق الإنسان، مثل وليد أبو الخير ومناهل العتيبي؛ وأقارب معارضين سياسيين، كمحمد الغامدي.
في بعض الحالات، صعَّدت السلطات السعودية انتهاكاتها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ووسّعتها. من الذين ما يزالون محتجزين مناهل العتيبي، وهي مدربة لياقة بدنية سعودية أخفيت قسرا في 15 ديسمبر/كانون الأول. سُمح لها بالاتصال بأختها في 16 مارس/آذار، وفقا لما قاله أحد أقاربها لـ هيومن رايتس ووتش. اعتُقلت في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بموجب “نظام مكافحة جرائم المعلوماتية” السعودي لدعمها حقوق المرأة على موقع “إكس”، “تويتر” سابقا، وإقدامها على نشر صور لنفسها بدون عباءة في برنامج “سناب شات”، بحسب قريبها.
شقيق أسعد الغامدي، المدرس المتقاعد محمد الغامدي، اعتُقل في يونيو/حزيران 2022، حُكم عليه بالإعدام في يوليو/تموز 2023 بتهم الإرهاب بناء على نشاطه السلمي على موقعي إكس و”يوتيوب”. ما يزال مسجونا.
سعيد بن ناصر الغامدي، وهو شقيق أسعد ومحمد الغامدي، منتقد بارز للحكومة وباحث إسلامي يعيش في المنفى في بريطانيا. من المعروف أن الحكومة السعودية تنتقم من أفراد عائلات المعارضين في الخارج لإجبارهم على العودة إلى السعودية.
حُكم على شلبي في البداية في أغسطس/آب 2022 بالسَّجن 20 عاما، ثم خُفف الحكم إلى 10 أعوام في ديسمبر/كانون الأول 2022، بتهم إرهاب زائفة. تدهورت صحته، وحُرم مرارا من العلاج الطبي المتخصص.
تواصل السلطات السعودية استهداف من يُنظر إليهم على أنهم منتقدو الحكومة أو يُعتقد أنهم على صلة بمنتقديها واعتقالهم تعسفا.
اعتقلت السلطات السعودية أحمد الدوش، وهو مواطن بريطاني وأب لأربعة أولاد، في 31 أغسطس/آب 2024، في مطار الرياض أثناء عودته إلى بريطانيا، بحسب ما أفاد أحد أفراد عائلته لـ هيومن رايتس ووتش، على ما يبدو على خلفية نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي. أبلغت القنصلية البريطانية عائلة الدوش أنه استُجوب بشأن منشورات على إكس.
حُبس الدوش انفراديا وبمعزل عن العالم لأسبوعين، قبل أن يُسمح له بالاتصال بصهره في السعودية لإبلاغه بأنه محتجز، ولكن ليس بمكانه أو سبب احتجازه، وفقا لقريبه. لم يُسمح له بمكالمة هاتفية أطول مع زوجته إلا بعد شهرين في 17 نوفمبر/تشرين الثاني.
احتجزت السلطات السعودية الدوش دون تهمة لأكثر من خمسة أشهر، استُجوب خلالها مرارا دون محام. في 27 يناير/كانون الثاني، أبلغ القاضي الدوش بالتهم الموجهة إليه خلال أول جلسة استماع له. حُددت الجلسة دون إشعار مسبق، ولم يكن لدى الدوش تمثيل قانوني في الجلسة، بحسب أحد أفراد عائلته. علم حينها أن الاتهامات استندت إلى نشاط محذوف في وسائل التواصل الاجتماعي في حسابه في إكس يعود تاريخه إلى ست أعوام، وارتباط مزعوم بشخص مجهول في بريطانيا ينتقد السعودية، بحسب ما قاله محاميه في بريطانيا لـ هيومن رايتس ووتش.
تواصل هيومن رايتس ووتش توثيق الانتهاكات المتفشية في نظام العدالة الجنائية السعودي، بما فيها الاحتجاز الطويل دون تهمة أو محاكمة، والحرمان من التمثيل القانوني، والاعتماد على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب أساسا وحيدا للإدانة، وغيرها من الانتهاكات المنهجية للإجراءات القانونية الواجبة وحقوق المحاكمة العادلة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السعودية تفتقر إلى قانون عقوبات رسمي، وإن قانون العقوبات القادم يجب أن يتوافق تماما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. تستخدم السلطات السعودية أحكاما فضفاضة وغامضة من قانون مكافحة الإرهاب لإسكات المعارضة واضطهاد الأقليات الدينية. ينتهك القانون الإجراءات القانونية الواجبة وحقوق المحاكمة العادلة، إذ يمنح السلطات صلاحيات واسعة لاعتقال الأشخاص واحتجازهم دون إشراف قضائي.
قالت شيا: “ينبغي ألا ينخدع حلفاء السعودية والمجتمع الدولي بقرارات الإفراج الأخيرة. ينبغي للسلطات السعودية الالتزام الصادق بالإصلاح بمعالجة الانتهاكات المنهجية في النظام الجزائي في البلاد، وإطلاق سراح كل من سُجن لمجرد ممارسة حقوقه”.