العراق: الزيجات غير المسجلة تؤذي النساء والأطفال
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن رجال الدين في العراق يعقدون آلاف الزيجات سنويا، بما فيها زيجات الأطفال، التي تخالف القوانين العراقية وغير المسجلة رسميا.
وبحسب المنظمة الدولية تنتهك هذه الزيجات حقوق النساء والفتيات، وقد تجعلهن في أوضاع هشة بدون دعم اجتماعي أو مالي.
ووثق تقرير “زواجي كان غلط بغلط”: أثر الزواج خارج المحكمة على حقوق النساء والأطفال في العراق”، الصادر في 37 صفحة، آثار الزيجات غير المسجلة على النساء والفتيات اللواتي يُعقَد قرانهن، والآثار اللاحقة على أطفالهن.
وتخلق الزيجات غير المسجلة ثغرة في القيود القانونية على تزويج الأطفال، وتؤدي إلى آثار كارثية على قدرة النساء والفتيات على الحصول على الخدمات الحكومية والاجتماعية المرتبطة بأحوالهن الشخصية، واستصدار وثيقة ولادة لأطفالهن، أو المطالبة بحقهن بالمهر، والنفقة الزوجية، والميراث.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي للسلطات العراقية الاعتراف بأن الزيجات غير المسجلة تفتح المجال لتزويج الأطفال على نطاق واسع. كما عليها اتخاذ خطوات لإنهاء هذه الممارسة وعدم ربط حصول النساء والأطفال على خدمات أساسية، مثل الأوراق الثبوتية والرعاية الصحية، بأحوالهم الشخصية”.
قابلت هيومن رايتس ووتش ثماني نساء ورجلَيْن، جميعهم تزوجوا خارج المحكمة، وطفلا تزوج والداه خارج المحكمة، وأربعة منظمات غير حكومية محلية، ومنظمتين دوليتين.
كما قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا قاضيا في محكمة البياع في بغداد، وقاضيا في “مجلس القضاء الأعلى”.
خلال السنوات الـ 20 الماضية، استمرت معدلات زيجات الأطفال في العراق بالازدياد. بحسب “اليونيسف”، 28% من الفتيات في العراق يتزوجن قبل سن الـ 18.
أما “بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق” (يونامي)، فتفيد بأن 22% من الزيجات غير المسجلة في العراق هي لفتيات دون سن الـ 14.
ويزيد تزويج الأطفال خطر تعرُّض الفتيات للعنف الجنسي والجسدي، ويؤدي إلى آثار وخيمة على صحتهن الجسدية والنفسية، ويحرمهن من التعليم والوظائف.
مع أن العديد من المجتمعات المحلية في العراق تعتبر الزيجات الدينية مشروعة، إلا أنها غير قانونية بموجب “قانون الأحوال الشخصية” العراقي، ولا يُعترف بها رسميا إلا بعد تسجيلها في محكمة الأحوال الشخصية، وبعد ذلك، يصدر عقد زواج مدني للزوجين.
بدون عقد زواج مدني، لا تتمكن النساء والفتيات من الولادة في المستشفيات الحكومية، ما يجبرهن على اختيار الولادة في المنزل حيث لا تتوفر خدمات التوليد الطارئة بما يكفي. يزيد ذلك خطر التعقيدات الطبية التي تهدد حياة الأم والجنين معا، لا سيما عندما تكون الأم نفسها طفلة.
تزوجت إحدى النساء اللواتي تمت مقابلتهن، وهي من جنوب شرق بغداد، في سن الـ 14، وتطلقت في سن الـ 15.
قالت: “رفض زوجي المصادقة على وثيقة الزواج أو الطلاق، لذا أنا لا أزال عزباء [على هويتي] بحسب القانون. لا يمكنني المطالبة [بالدعم الشهري الحكومي] البالغ 105 آلاف دينار عراقي [80 دولار أمريكي تقريبا] للنساء المطلقات، إذ ليس بإمكاني إثبات زواجي أو طلاقي”.
بموجب “قانون تسجيل الولادات والوفيات” العراقي لسنة 1971، بإمكان الوالدين الحصول على حجة ولادة للأطفال المولودين ضمن إطار الزواج فقط.
وبدون حجة ولادة، لا يمكن للطفل الحصول على أي وثيقة ثبوتية أخرى، ويتعرض لخطر خسارة هويته أو أن يصبح بلا جنسية. وفي حال لم يُسوَّ وضع هؤلاء الأطفال، فإنهم سيُحرمون من التسجيل في المدارس، والوظائف، واستصدار وثائق سفر، والتملُّك، والزواج.
قالت إحدى النساء اللاتي تمت مقابلتهن: “تزوجت في سن الـ 14، وحملت بعدها بوقت قصير. هجر زوجي عائلتنا وأخذ بطاقة هويتي وعقد زواجنا [الديني] معه. كنت صغيرة جدا، واضطررت إلى الولادة في منزل والدتي مع قابلة قانونية، لأنني لم أتمكن من الذهاب إلى المستشفى. لم أتمكن من استصدار الوثائق لطفلتي، لقد صارت في سن الـ 16 اليوم ولا تزال بدون وثائق ثبوتية”.
قالت ابنتها: “عدم حصولي على أوراق ثبوتية يؤثر كثيرا على نفسيّتي. لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان ولا أشعر بالأمان إطلاقا”.
وعندما سُئلت كيف ستتغير حياتها إذا ما حصلت على أوراقها الثبوتية، أجابت: “ستسمح لي بالذهاب إلى المدرسة، وأن أشعر بمواطنيتي في وطني. مقارنة مع الآخرين، قد تكون طموحاتي متواضعة. أريد الحصول على بطاقة هوية، وأن أذهب إلى المدرسة، وأنال شهادة، وفي نهاية المطاف وظيفة”.
إثبات عقود الزواج غير المسجلة يتطلب إجراءات طويلة، ومعقدة، وبيروقراطية. وتتعقد الإجراءات أكثر في حالات الطلاق، أو الوفاة، أو الاختفاء، أو رفض أحد الزوجين الاعتراف بالزواج.
بالنسبة إلى العديد من النساء، لا يمكن تخطي المشقات الاجتماعية، والمالية، والنفسية المرافقة لهذه الإجراءات، ما يدفعهن إلى التخلي عن تسجيل عقد الزواج – ومعه حقوقهن.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه عندما يكون أحد الزوجين، أو كلاهما، دون السن القانونية ويذهبان لتسجيل زواجهما أمام المحكمة، يُوضَع القاضي أمام الأمر الواقع.
وإذا رفض القاضي تسجيل الزواج، فإنه يترك الزوجين وأطفالهما في وضع هش. لكن عندما يصادق القاضي على عقود زواج ديني تشمل أطفالا، فإنه يُضعِف حكم القانون، ويسهل انتشار زيجات الأطفال المتفشية في العراق. معظم القضاة يختارون تشريع زيجات الأطفال.