الدنمارك تواجه انتقادات لمعاييرها المزدوجة في إنكار الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة
انتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رفض حكومة الدنمارك مواجهة أو الاعتراف بخطر ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، على الرغم من الحكم التاريخي الصادر عن محكمة العدل الدولية والعديد من البيانات الصادرة عن المؤسسات الدولية، بما في ذلك عن الأمم المتحدة وقانونييندوليين بارزين ومنظمات غير حكومية.
وأبرز الأورومتوسطي في بيان صحافي تعمد حكومة الدنمارك تجاهل عريضة شعبية وقعها 53188 دنماركيًا لمطالبة حكومتهم باحترام التزاماتها الدولية والوفاء بها وفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية، والتي أصبحت الدنمارك دولة طرفًا فيها منذ عام 2005، عبر الاعتراف بالإبادة الجماعية الحاصلة في غزة والعمل على منعها.
وبدأ تداول عريضة المواطنين الدنماركيين في 16 كانون ثانٍ/يناير 2024، وانتهت في 4 حزيران/يونيو، بعد أن حصلت على أكثر من 50 ألف توقيع، مما يلزم مجلس النواب بالنظر فيها. مع ذلك، فإنه وخلال المناقشة في البرلمان، سرعان ما أصبح واضحًا أن الحكومة، جنبًا إلى جنب مع الجناح اليميني، تعتزمان تقويض العريضة الشعبية، إذ أعلن وزير الخارجية الدنماركي ” لارس لوكه راسموسن” أن الحكومة ليس لديها المتطلبات الأساسية لإجراء تقييمات قانونية ملموسة حول ما إذا كانت كل الأعمال العسكرية الإسرائيلية تتوافق مع القانون الدولي من عدمه.
وفي تشرين ثانٍ/نوفمبر 2023، بينما كان قطاع غزة المحاصر بشدة يتعرض بالفعل لقصف إسرائيلي مكثف، اختارت الدنمارك التدخل في قضية رفعتها غامبيا ضد ميانمار في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وفي بيان صحافي حول مشاركة الدنمارك النشطة في الإجراءات القانونية المتعلقة بالإبادة الجماعية لأقلية الروهينجا في ميانمار، قال “راسموسن” إن “جميع دول العالم ملزمة بمنع ومكافحة الإبادة الجماعية”.
مع ذلك، وبالرغم مقتل أكثر من 36 ألف فلسطيني في غزة، نحو نصفهم من الأطفال، ودق العشرات من خبراء الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن فشل النظام الدولي في التعبئة لمنع الإبادة الجماعيةالحاصلة في غزة، رفض “راسموسن” باستمرار استخدام كلمة “إبادة جماعية”، مفضلاً مصطلح “كارثة إنسانية” بدلاً من ذلك.
وكان تقرير مؤلف من 25 صفحة صدر في مارس/آذار عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة “فرانشيسكا ألبانيز”بعنوان “تشريح الإبادة الجماعية” خلص إلى أن هناك “أسباب معقولة للاعتقاد” بأن عتبة جريمة الإبادة الجماعية قد استوفيت في قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، أصدرت محكمة العدل الدولية في كانون ثانٍ/يناير 2024 تدابير تطالب من خلالها إسرائيل باتخاذ إجراءات مؤقتة تضمن منع ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وذلك في إطار نظرها في دعوى رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لانتهاكها التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، خلال تنفيذها عملياتها العسكرية التي تشنها ضد قطاع غزة وسكانه الفلسطينيين منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023.
وأكدت المحكمة في حينه أن “بعض الحقوق التي تطالب بها جنوب أفريقيا والتي تسعى إلى حمايتها هي حقوق معقولة، بما في ذلك حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية”.
ونبه الأورومتوسطي إلى أن العريضة الشعبية تنص على أن الدنمارك ملزمة بمنع الإبادة الجماعية،وتؤكد على ضرورة الاعتراف بوجود خطر وتدخل حكومتهم في سبيل منعه؛ ومع ذلك، في 4 حزيران/يونيو، حصلت على دعم 12 فقط من أصل 106 أعضاء في البرلمان الدنماركي.
ولفت الأورومتوسطي إلى أن الحكومة الدنماركية كانت تدخلت في عام 2022 في المحاكمة الدولية لمحكمة العدل الدولية بشأن خطر الإبادة الجماعية في أوكرانيا، وذكرت صراحة حينها أن منع الإبادة الجماعية ليس مسألة محلية فحسب، بل يتعلق بالمجتمع الدولي ككل.
وأكد الأورومتوسطي أن الموقف الدنماركي المنتقد للهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة غامض إلى حد كبير، حيث تم التقليل من شأن الأمر المؤقت لمحكمة العدل الدولية بشأن الوضع في القطاع والإشارة إليه فقط على أنه “انتقادات مرفوعة الإصبع القانوني” بحسب تصريحات لوزير خارجية الدنمارك.
وعقبت الباحثة في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان “ميكيلا بولييزي” بالقول إنه “بالنظر إلى أن إسرائيل سعت إلى إخفاء جرائمها من خلال وصف هجماتها بأنها تلتزم بالقوانين الإنسانية الدولية، ومن خلال تشويه القواعد العرفية للقانون الإنساني الدولي منذ ما يقرب من تسعة أشهر، فإن التجاهل القانوني الذي يبديه جزء كبير من المجتمع الدولي في هذه المرحلة هو أكثر إثارة للقلق.”
وأضافت: “النهج المتوازن الذي تتبعه معظم دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدنمارك، يدين كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بنفس الطريقة، ولكنه يقطع المساعدات المنقذة للحياة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في خضم الحرب، بينما يدعم بشكل لا نهائي حق إسرائيل فيالدفاع عن النفس، ماديًّا ومعنويًّا، وهو ما يمثل انتهاكًا لاتفاقية الإبادة الجماعية، حيث لا يمكن تبرير الإبادة الجماعية تحت أي ظرف من الظروف، بما في ذلك الدفاع المزعوم عن النفس”.
وعليه، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الحكومة الدنماركية إلى إعادة النظر في موقفها المتجاهل للعريضة الشعبية لمواطنيها والاستماع إلى إرادتهم، والاعتراف بالإبادة الجماعية الحاصلة في قطاع غزة، والعمل الفاعل على وقفها وفقًالالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 والقوانين الدولية.
وشدد الأورومتوسطي على أن جميع الدول التي كانت متواطئة فيما يمكن اعتباره بشكل معقول إبادة جماعية – من خلال الدعم المالي وتسليم الأسلحة أو الحماية الدبلوماسية للجناة من المساءلة – مثل الدنمارك، يجب أن تخضع للمساءلة وتقديم التعويضات بما يتناسب مع الدمار والموت والأذى الذي لحق بالشعب الفلسطيني.