هيومن رايتس ووتش تندد بالحملة التي تشنها السلطات الليبية على المنظمات غير الحكومية
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – أكدت “هيومن رايتس ووتش” أن الحكومة الليبية تقمع المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية.
وطالبت المنظمة حكومة الوحدة الوطنية سحب المتطلبات المرهقة للتسجيل والإدارة، والتأكد من تمكن الجماعات المدنية من العمل بحرية.
في تعميم بتاريخ 21 مارس/آذار 2023، قال مكتب رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس إنه ليس بإمكان المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية الاستمرار في العمل إلا إذا “صحّحت وضعها القانوني” بما يتماشى مع قانون عام 2001 المتشدد من عهد معمر القذافي.
جاء هذا التعميم بعد أشهر من تزايد القيود على أنشطة الجماعات المدنية، بما في ذلك المضايقة والاحتجاز والملاحقة القضائية للموظفين المحليين.
اضافة إلى العقبات التي تحول دون حصول غير الليبيين العاملين في المنظمات الإنسانية والحقوقية وغير الحكومية على تأشيرات دخول.
قالت حنان صلاح، مديرة مشاركة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تسحق السلطات الليبية الفضاء المدني متذرعةً بتطبيقها للقوانين”.
وأضافت صلاح: “ينبغي للسلطات بدل ذلك حماية هذا الفضاء عبر دعم الحق في حرية تكوين الجمعيات”.
في 8 مارس/آذار، أصدر القسم القانوني في “المجلس الأعلى للقضاء”، الذي يشرف على الشؤون القضائية ومهنة المحاماة، مرسوما يقضي بأن “جميع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ستغدو غير قانونية ما لم تعّدل وضعها وفقا لأحكام القانون رقم 19/2001 بشأن المنظمات غير الحكومية”. جاء المرسوم ردا على طلب “مفوضية المجتمع المدني” بطرابلس، ونص أيضا على أن الجماعات المدنية المنشأة بموجب أي لوائح أخرى تعتبر “لاغية وباطلة”.
ردا على ذلك، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية في 13 مارس/آذار تعميما يأمر جميع المؤسسات الحكومية بالالتزام به حتى إشعار آخر.
في 21 مارس/آذار، تراجعت حكومة الوحدة الوطنية عن التعميم ومنحت المنظمات غير الحكومية وضعا قانونيا مؤقتا لكي “تصحح وضعها القانوني”، من دون تحديد جدول زمني واضح.
يقيد القانون 19/2001 العائد إلى حقبة القذافي بشأن إعادة تنظيم المنظمات غير الحكومية عمل المجتمع المدني بشكل كبير، ويسمح فقط بتسجيل المجموعات الراغبة في العمل على القضايا الاجتماعية أو الثقافية أو الرياضية أو الخيرية أو الإنسانية، ويحول دون تسجيل المنظمات الراغبة في العمل على قضايا مثل القضايا الحقوقية. لم توضح الحكومة كيف يمكن لهذه المنظمات العمل بشكل قانوني.
يُدرج القانون 19/2001 أيضا متطلبات تسجيل مرهقة ويُمكّن السلطات من التدخل في قيادة الجمعيات وحلها من دون أمر من المحكمة. ذكرت مجموعة” فرونت لاين ديفندرز” في 2015 أن 22 منظمة فقط كانت مسجلة بموجب القانون.
يزعم بعض الخبراء القانونيين الليبيين أن القانون 19/2001 عُلِّق فعليا مع اعتماد “المجلس الوطني الانتقالي” لـ”الإعلان الدستوري” في 2011، والذي يضمن حرية تكوين الجمعيات والتعبير والتجمع.
لكن لم يُلغِ المشرعون حتى الآن أحكام العقوبات المشددة في قانون العقوبات، والموجودة منذ عهد القذافي، لتأسيس جمعيات “غير قانونية”، بما في ذلك عقوبة الإعدام.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات الليبية وجماعات مسلحة مختلفة في عموم البلاد تقيّد على مدى سنوات قدرة المنظمات غير الحكومية وموظفيها على العمل.
خلصت “بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا” في تقريرها الصادر في مارس/آذار إلى أن “الهجمات ضد … المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحفيين وجمعيات المجتمع المدني، [ساهمت] في خلق جوٍّ من الخوف دفع الناس إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو الاختباء أو الاغتراب”.
كما سلطت البعثة الضوء على عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة التي صدرت في ديسمبر/كانون الأول 2022 في طرابلس بحق أربعة أعضاء من “حركة تنوير”، وهي منظمة شعبية تروج للأنشطة الثقافية والفنية، بتهم “الإلحاد واللاأدرية والنسوية والكفر”.
كان الأربعة ضمن مجموعة من تسعة رجال اعتقلهم “جهاز الأمن الداخلي” بطرابلس، وهو جماعة مسلحة، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ومارس/آذار 2022، بناء على مجموعة من الاتهامات من قبيل الإلحاد والمشاعر المعادية للإسلام.
ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات “لاعترافات” لبعضهم، يبدو أنها انتُزعت بالإكراه.
سُجن ثلاثة من الرجال الأربعة الذين صدرت عليهم أحكام قضائية، في حين لا يزال الخمسة الآخرون رهن الاعتقال السابق للمحاكمة.
في مارس/آذار 2022، حّل أعضاء حركة تنوير الذين فروا إلى الخارج المنظمة وأزالوا تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، وشجبوا في بيانهم الختامي حملة القمع، داعين إلى إطلاق سراح زملائهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن سجن أعضاء تنوير، بحجة الدين، سيثني الشباب الليبي عن الانخراط في أنشطة المجتمع المدني.
فرضت السلطات منذ أواخر 2022 قيودا كبيرة على تأشيرات الدخول للموظفين غير الليبيين العاملين في الوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى. قال مسؤولو “الأمم المتحدة” إن الإجراءات أثرت أيضا على الوكالات المرتبطة بالأمم المتحدة.
قالت ريم السالم، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، التي زارت ليبيا في ديسمبر/كانون الأول، في بيان لها إنها واجهت عقبات متعددة، بما في ذلك عدم الوصول إلى مراكز الاحتجاز التي تحتجز النساء والفتيات، وكذلك قيام “القوات المسلحة العربية الليبية”، الجماعة المسلحة بقيادة خليفة حفتر التي تسيطر فعليا على شرق ليبيا، بمنعها من مغادرة مطار بنغازي لإجراء الزيارات والاجتماعات التي خططت لها هناك.
السالم هي ثاني خبيرة أممية تزور ليبيا منذ 2011، بعد زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للنازحين داخليا في 2018.
لا تزال طلبات الزيارة من تسعة خبراء آخرين على الأقل معلقة، بمن فيهم المقررون الخاصون المعنيون بالتعذيب والاتجار والمهاجرين والعبودية.
قالت بعثة تقصي الحقائق إن سلطات حكومة الوحدة الوطنية لم تمنحها حق الوصول إلى مرافق الاحتجاز في أي مكان في ليبيا خلال فترة ولايتها التي استمرت عامين، ولم تسمح لهم حكومة الوحدة الوطنية ولا القوات المسلحة الليبية بالوصول إلى المنطقة الجنوبية لليبيا، التي تسيطر عليها القوات المسلحة الليبية إلى حد كبير.
قد يؤدي منع تأشيرات الدخول لموظفي منظمات الإغاثة إلى عرقلة إيصال المساعدات إلى الفئات الضعيفة من السكان.
قال أعضاء من المنظمات غير الحكومية لـ هيومن رايتس ووتش إن موظفيهم الأجانب لم يتمكنوا من نيل تأشيرات دخول منذ نهاية 2022. كان من بينهم منظمات إنسانية وحقوقية دولية، وشركاء تنفيذيون للأمم المتحدة في ليبيا.
لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد من سلطات حكومة الوحدة الوطنية على طلباتها للحصول على تأشيرات الدخول منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ثمة قوانين عديدة غامضة الصياغة ناظمة للتعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والجرائم الإلكترونية والجرائم ضد الدولة، وتقيد بشدة عمل المنظمات غير الحكومية في ليبيا.
تتمتع مفوضية المجتمع المدني، وهي هيئة مقرها طرابلس ومكلفة بتسجيل واعتماد المنظمات المدنية وأنشطتها، بصلاحيات واسعة لفحص الوثائق ومراقبة التمويل وإلغاء التسجيل وتصاريح العمل للمنظمات المحلية والأجنبية.
ثمة هيئة ثانية في بنغازي بوظائف مماثلة تتبع “حكومة الاستقرار الوطني”.
تتنافس على الشرعية السياسية الوطنية والسيطرة في ليبيا حكومتان: حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، والتي رشحها مندوبو “منتدى الحوار السياسي الليبي” في مارس/آذار 2021 بعد محادثات سياسية يسرتها الأمم المتحدة، وحكومة الاستقرار الوطني المناوئة لها في الشرق ومقرها سرت، والتي رشحها مجلس النواب في مارس/آذار 2022 وتتحالف مع القوات المسلحة العربية الليبية.
ينبغي للمشرعين والسلطات الليبية ضمان ما يلي على سبيل الأولوية:
- اعتماد قانون لمنظمات المجتمع المدني يضمن الحق في حرية تكوين الجمعيات والتعبير بما يتفق مع القانون الدولي وأفضل الممارسات.
- إصلاح مواد قانون العقوبات التي تقوّض حرية تكوين الجمعيات والتجمع، وإعادة تعريف الأفعال الإجرامية بشكل يستبعد إيقاع عقوبات بالممارسة السلمية للحق في التعبير عن الرأي والتجمع وتكوين الجمعيات.
- الإفراج عن أعضاء حركة تنوير المحتجزين وأي شخص آخر محتجز لممارسته السلمية لحقوقه الأساسية.
- إلغاء الإعدام كعقوبة على إنشاء منظمات غير قانونية أو المشاركة فيها.
- السماح بإنشاء الجمعيات بحرية من دون قيود على ما تدعو إليه أو تروّج له، باستثناء تلك التي تروّج للعنف أو تحرّض عليه أو على جرائم خطيرة أخرى.
- ضمان عدم تعليق أو حل لأي منظمة غير حكومية إلا بأمر قضائي وجرّاء انتهاكات جسيمة للقانون الوطني تتسبب في خطر واضح ووشيك، وتكون متناسبة بشدة مع الهدف المشروع المنشود، ولا تُستخدم إلا عند تكون التدابير الأخرى المتخذة غير كافية.