الحكومة التونسية حوّلت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في سياستها القمعية
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته اليوم إن الحكومة التونسية حوّلت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في سياستها القمعية التي تهدف إلى حرمان الناس من حقوقهم المدنية والسياسية.
وأكدت المنظمة أنه يتعين على السلطات أن تضع حدا لحملتها القمعية ضد من تعتبرهم منتقدين لها، وأن تفرج عن جميع المحتجزين تعسفيا لمجرد ممارستهم لحقوقهم الإنسانية في كثير من الحالات.
يوثّق تقرير “’كلنا متآمرون‘: استخدام الاحتجاز التعسفي في تونس لسحق المعارضة”، الصادر في 40 صفحة، اعتماد الحكومة المتزايد على الاحتجاز التعسفي والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية لترهيب ومعاقبة وإسكات منتقديها.
وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات 22 شخصا محتجزين بتهم تعسفية، بما في ذلك الإرهاب، على خلفية تصريحاتهم العلنية أو أنشطتهم السياسية.
ومن بين هؤلاء محامون ومعارضون سياسيون ونشطاء وصحفيون ومستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي ومدافعون عن حقوق الإنسان. قد يواجه ما لا يقل عن 14 محتجزا عقوبة الإعدام في حال إدانتهم. وكان هناك أكثر من 50 شخصا محتجزين لأسباب سياسية أو لممارستهم حقوقهم حتى يناير/كانون الثاني 2025.
قال بسام خواجا، نائب مديرة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لم يحدث منذ ثورة 2011 أن شنّت السلطات التونسية مثل حملات القمع هذه. أعادت حكومة الرئيس قيس سعيّد البلاد إلى حقبة السجناء السياسيين، وسلبت التونسيين حرياتهم المدنية التي اكتسبوها بشقّ الأنفس”.
عقب استيلاء الرئيس سعيّد على مؤسسات الدولة التونسية في 25 يوليو/تموز 2021، كثفت السلطات بشكل كبير من قمعها للمعارضة. منذ أوائل 2023، كثفت السلطات من الاعتقالات التعسفية والاحتجازات ضد الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم منتقدون للحكومة، مستهدفة المعارضين من مختلف الأطياف السياسية.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الرئيس سعيّد يغذي استهداف قوات الأمن والسلطات القضائية للمعارضة. وغالبا ما اتهم علنا منتقدي الحكومة وخصومه السياسيين الذين لم يسمهم بأنهم “خونة” بل و”إرهابيون”.
سجنت السلطات خصوم سعيّد السياسيين البارزين وشخصيات معارضة بارزة، بمن فيهم عبير موسي، رئيسة “الحزب الدستوري الحرّ”، وراشد الغنوشي، الرئيس السابق لـ”حركة النهضة” المعارضة ورئيس البرلمان السابق. ومن بين الأشخاص البارزين الذين تم اعتقالهم لانتقادهم العلني للسلطات سنية الدهماني، وهي محامية، ومحمد بوغلاب، وهو صحفي.
اعتمدت السلطات على مجموعة من الأدوات القانونية العدائية، بما في ذلك التهم الأمنية والإرهابية التي لا أساس لها من الصحة بموجب “المجلة الجزائية” و”قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015″، الذي يمنح قوات الأمن صلاحيات واسعة للمراقبة والرصد، ويسمح باحتجاز المشتبه بهم لمدة تصل إلى 15 يوما، ويسمح بعدم الكشف عن هوية المخبرين والشهود.
استخدمت السلطات أيضا القوانين التي تنتهك حرية التعبير والحق في الخصوصية، بما في ذلك أحكام المجلّة الجزائية و”مجلّة الاتصالات” إضافة إلى “المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال”. وجهت إلى العديد من المحتجزين الذين تم توثيق حالاتهم في هذا التقرير تهمة “محاولة تبديل هيئة الدولة”، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
احتجزت السلطات التونسية العديد من المنتقدين لأكثر من 14 شهرا قبل المحاكمة، وهو الحد الأقصى المسموح به بموجب القانون التونسي. خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن السلطات القضائية دأبت على توجيه تهم إضافية أو إصدار أوامر احتجاز جديدة لإبقاء شخصيات بارزة وراء القضبان، أحيانا دون عرض المعتقلين على قاضٍ.
قوّضت هجمات السلطات المتكررة على القضاء، بما في ذلك حلّ الرئيس سعيّد للمجلس الأعلى للقضاء، استقلاليته بشكل كبير وعرّضت حق التونسيين في محاكمات عادلة للخطر.
كما استهدفت السلطات التونسية المحامين بالمضايقات القضائية والملاحقة الجنائية والمنع من السفر بسبب ممارستهم المشروعة لمهنتهم. حاكمت السلطات التونسية وأدانت واحتجزت مدنيين اعتبرتهم منتقدين للسلطات في محاكم عسكرية، وهي محاكم لا ينبغي أن يكون لها اختصاص قضائي على المدنيين.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن المحتجزين غالبا ما يُحتجزون في ظروف احتجاز قاسية، وأن السلطات لم توفر الرعاية الطبية الكافية للعديد من السجناء المحتجزين بسبب آرائهم السلمية أو أنشطتهم السياسية.
وفي بعض الحالات، يخضعون للمراقبة بالكاميرات على مدار الساعة والإضاءة الاصطناعية طوال الوقت، أو التفتيش بالتجريد من الملابس.
تُواجه شذى الحاج مبارك، وهي صحفية لديها إعاقة سمعية وتقضي عقوبة خمس سنوات بتهمة “محاولة تبديل هيئة الدولة” من صعوبة في سماع عائلتها أثناء الزيارات بسبب سوء التجهيزات المادية وغياب الدعم في التواصل. منعتها سلطات السجن من الحصول على أدويتها، حسبما قال شقيقها أمين لـ هيومن رايتس ووتش.
قال: “فقدت مصدر رزقها وارتباطها بقضية تآمر وإرهاب جعلها تشعر بأنها منبوذة”.
تونس دولة طرف في “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”، اللذين يكفلان الحق في حرية التعبير والتجمع، والمحاكمة العادلة، وعدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي.
أكدت هيومن رايتس ووتش أن على السلطات التونسية الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفا وإسقاط التهم التعسفية الموجهة إليهم، والتوقف عن ملاحقة الأفراد بسبب ممارستهم لحقوقهم الإنسانية. يتعين على شركاء تونس الدوليين أن يحثوا الحكومة التونسية على إنهاء حملتها القمعية وحماية مساحة حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع.
وشددت على أنه على “الاتحاد الأوروبي” ودوله الأعضاء، الذين امتنعوا إلى حد كبير عن التحدث عن الوضع المزري لحقوق الإنسان، أن يُعربوا علنا عن قلقهم بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في تونس، وأن يُراجعوا أي تعاون مع تونس لضمان ربطه بالامتثال للالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
ونبهت إل أنه ينبغي على “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” أن تحث تونس على الامتثال الفوري للأحكام المُلزمة الصادرة عن “المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب”.
قال خواجا: “يتجاهل شركاء تونس الدوليون باستمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تونس، في الوقت الذي يتلقى فيه المعارضون والمنتقدون السياسيون أحكاما ثقيلة بالسجن واحدا تلو الآخر. تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية ملحة لبذل قصارى جهده للسعي للإفراج عن جميع المحتجزين ظلما”.