تونس: عقوبات حكومية على التجمع دفاعًا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية
قالت منظمة العفو الدولية، إن السلطات التونسية استهدفت على مدار السنوات الخمس الماضية أشخاصًا من مجتمعاتٍ مُهمَّشة وفقيرة بسبب مشاركتهم في احتجاجاتٍ أو إضراباتٍ سلمية بشأن قضايا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وذلك في ظل أزمة متفاقمة تتعلق بتكاليف المعيشة والبيئة، وبالرغم من التعهدات المتكررة بتعزيز العدالة الاقتصادية والاجتماعية للفئات الأكثر حرمانًا.
ويُبيِّن التقرير، الصادر بعنوان “طالبنا فقط باحترام حقوقنا وكرامتنا“، كيف قامت السلطات التونسية بإيقاف أو استجواب أو ملاحقة أشخاصٍ بسبب مشاركتهم في احتجاجاتٍ أو إضراباتٍ سلمية بشأن قضايا اجتماعية واقتصادية وبيئية، من قبيل ظروف العمل السيئة، والتلوث، والحصول على المياه، باستخدام تهمة مُبهمة، هي “التعطيل”.
فخلال الفترة من فيفري/شباط 2020 إلى جانفي/كانون الثاني 2025، استهدفت السلطات ما لا يقل عن 90 من المحتجين السلميين والنشطاء والنقابيين والعمال لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التجمع السلمي، وفي تكوين نقابة والانضمام إليها، وفي تنظيم إضراب والمشاركة فيه.
في هذا الصدد، قالت سارة حشاش، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “يُعَدّ الحق في حرية التجمع السلمي ركنًا أساسيًا لأي مجتمع مزدهر، ويشكّل وسيلة ضرورية لتعزيز حقوق الإنسان وحماية حقوق العمال.
يسلِّط هذا التقرير الضوء على نمط مقلق من التجريم الجائر لأنشطة سلمية، عادةً ما تتم على مستوى محلي، حيث تحتشد تجمعات سكانية أو مجموعات من العمال دفاعًا عن حقوقهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية الأساسية.
ويُعد هذا النمط مظهرًا آخر، وإن كان أقل وضوحًا، لقمع المعارضة السلمية، في سياق حملة أوسع من الانقضاض على حقوق الإنسان وسيادة القانون في تونس، مما يزيد من تهديد الحيِّز المدني في البلاد.
بدلًا من استخدام تهمة “التعطيل” المُبهمة من أجل خنق أشكال التعبير عن المعارضة السلمية، أو عن الاستياء من وضع الحقوق الأساسية المتعلقة بالبيئة، أو عن بواعث قلق متصلة بالعمل، أو للمعاقبة على هذه الأشكال، يجب على السلطات التونسية أن تعمل على ضمان وتعزيز الحق في حرية التجمع السلمي تماشيًا مع التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان”.
وقد تقصَّت منظمة العفو الدولية تسع قضايا باعتبارها أمثلة توضيحية لنمطٍ أوسع من تجريم التجمعات السلمية باستخدام تهمة “التعطيل”، وهي قضايا لا تحظى على الأرجح بتغطية إعلامية كافية بسبب طابعها المحلي، وافتقار المجتمعات المُتضرِّرة إلى سُبل الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان، فضلًا عن الخوف من التعرُّض لأعمال انتقامية من جانب السلطات وأصحاب العمل.
وأجرت المنظمة مقابلاتٍ مع 26 شخصًا، وثمانية من محاميهم، وأربعة من أفراد العائلات، لتوثيق هذه القضايا التي شملت استجواب أو إيقاف أو ملاحقة 90 شخصًا بتهمة “التعطيل”. والملاحظ أن تلك البنود القانونية مُبهمة الصياغة لا تفي بمبدأ القانونية، ولا تنصُّ على حظر إحدى الجرائم الجنائية المعترف بها دوليًا.
وقد اتُخذت الإجراءات القانونية انتقامًا من أولئك الأشخاص بسبب تجمعاتهم السلمية أو أنشطتهم النقابية، والتي ارتبطت غالبًا بالاتحاد العام التونسي للشغل، وبهدف ردع المحتجين وغيرهم عن المشاركة في أي احتجاجاتٍ أو إضراباتٍ مستقبلًا.
وكان من بين الذين استُهدفوا 16 شخصًا اعتُقلوا واحتُجزوا لمدد تراوحت بين ثلاثة أيام و20 شهرًا. ومن بين الأشخاص الذين استُهدفوا بعض السكان ونشطاء الحقوق البيئية، ممن احتجّوا دفاعًا عن حقهم في المياه وفي بيئة صحية، بالإضافة إلى عمال ونقابيين نظَّموا احتجاجاتٍ وإضراباتٍ بشأن ظروف التوظيف والعمل.
ووصفت عاملة، شاركت في إضراب في مصنع للأحذية بولاية القيروان، الوضع قائلةً: “كانت هذه هي القشة الأخيرة، فقررنا التحرك… لسنا محميين من المواد الكيماوية التي نستخدمها في المصنع… في الصيف نعمل في درجات حرارة عالية جدًا؛ ولا توجد مياه، وليس هناك احترام لسلامتنا… إذا مرض أي منا يُخصم جزء من الراتب… ونُفصل إذا كنَّا غير قادرين على العمل… نتعرض دائمًا للكثير من الشتائم والإهانات”.
وذكرت العاملة أن الشرطة استدعت العمال المضربين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قبل الموعد المقرَّر لاجتماعٍ تأسيسي لتشكيل نقابة جديدة. وأضافت: “كانوا [أفراد الحرس] يريدون منا أن نقول [إن هناك مَنْ] تلاعب بنا لدفعنا إلى القيام بعمل غير قانوني، أو إن لدينا دوافع أخرى مشبوهة، ولكن لا أساس لكل هذا. طالبنا فقط باحترام حقوقنا وكرامتنا”.
وبالرغم من أن معظم الأشخاص المعنيين أُدينوا وحُكم عليهم بغراماتٍ أو بأحكامٍ بالسجن مع وقف التنفيذ، أو ظلوا مطلَقي السراح لحين المحاكمة، فقد كان لهذا النمط تأثير مروِّع على منْ يفكّرون في المجاهرة ببواعث قلق بشأن حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وتحدث أحد سكان بلدة برقو، في ولاية سليانة شمال البلاد، ممن شاركوا في اعتصام بشأن الحصول على المياه، في فيفري/شباط 2023، فقال: “ما فعلناه لا يسمى حتى اعتصام. وقفنا على جانب الطريق ونحن نحمل لافتات، ولم يكن هناك أي تعطيل. ومع ذلك، استدعى [الحرس] عشرات الأشخاص بسبب ذلك”.
وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قال ناشط من ولاية صفاقس شرق البلاد، كان قد أُدين بسبب مشاركته في احتجاج بيئي، في جوان/حزيران 2023: “أخذوا الجميع إلى المحكمة. كانت هذه طريقة لإسكاتنا، قدّموا عدة شكايات، لكي يقولوا لنا أغلقوا أفواهكم وإلا ستذهبون إلى السجن”.
وفي فيفري/شباط 2020، استدعت السلطات مجموعة نساء من عاملات الحظائر في صفاقس، في أعقاب تنظيمهم وقفة احتجاجية للاعتراض على ظروف عملهن. وطلبت الشرطة منهن التوقيع على إفادات يتعهَّدن فيها بعدم الاحتجاج مرة أخرى، ما يُعَد انتهاكًا لحقهن في التجمع السلمي.
بالإضافة إلى ذلك، وقعت انتهاكات جسيمة للحق في محاكمة عادلة وفي اتباع الإجراءات الواجبة في خمس من القضايا التي وُثِّقت، بما في ذلك حالات حُرم فيها المتهمون من حقهم في الحصول على معلومات وفي إعداد دفاعٍ كافٍ.
وفي ثماني قضايا من القضايا التسع التي تقصَّتها المنظمة، استخدمت السلطات الفصل 136 من المجلة الجزائية بشأن “تعطيل حرية العمل”، وفي قضية واحدة استخدمت الفصل 107 من المجلة الجزائية بشأن “تعطيل خدمة عمومية”.
وفي بعض الأحيان، لجأت السلطات أيضًا إلى تهم “التعطيل” ضمن مجموعة من التهم الأخرى التي وُجِّهَت إلى شخصيات بارزة في العمل السياسي والمجتمع المدني، ممن عبروا عن معارضتهم للرئيس قيس سعيّد، ومن بينهم القاضي أنس الحمادي، والمعارضة السياسية ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
وأضافت سارة حشاش: “إن التطبيق التعسفي لهذه البنود القانونية مُبهمة الصياغة بخصوص “التعطيل”، فضلًا عن انتهاكات المحاكمة العادلة، يمثل انتهاكًا لالتزامات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسان، ويبعث برسالة مروِّعة لكل من يتجرَّأ على رفع صوته دفاعًا عن حقوقه.
وأكدت المنظمة أنه يجب على السلطات التونسية أن تلغي فورًا أحكام الإدانة وإسقاط التهم في جميع القضايا المتعلقة بمشاركة أفراد في إضرابات عمالية واحتجاجات سلمية في الشوارع. كما يتعيّن على السلطات إلغاء الفصلين 107 و136 من المجلة الجزائية أو تعديلهما بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
بعدما استولى الرئيس قيس سعيّد على السلطة في 25 جويلية/تموز 2021، صعَّدت السلطات التونسية من حملتها الأوسع للانقضاض على حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير وجميع أشكال المعارضة، باستخدام قوانين قمعية وتهمٍ لا أساس لها، لكي تلاحق قضائيًا وتحتجز تعسفيًا عددًا من المعارضين السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني والمحامين وغيرهم ممن تعتبرهم منتقدين، بينما عملت في الوقت نفسه على الانتقاص من استقلال القضاء وسيادة القانون.
ويُذكر أن الحق في حرية التعبير وفي التجمع السلمي هما من الحقوق المكفولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، اللذين تشكل فيهما تونس دولة طرفًا.
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يقع على عاتق الدول التزام بالتسامح مع التعطيل المؤقت الناجم عن التجمع السلمي، مثل عرقلة حركة مرور المركبات أو المشاة أو الأنشطة الاقتصادية. ولا ينبغي النظر إلى مجرد تعطيل التحركات أو حركة المرور على أنهما فعلين متساويين مع العنف.