اليمن: الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة جريمة حرب محتملة

قالت “هيومن رايتس ووتش” إن الضربات الجوية الإسرائيلية على ميناء الحديدة اليمني مساء 20 يوليو/تموز 2024 شكلت هجوما يُفترض أنه عشوائي أو غير متناسب بشكل يخرق القانون، وقد يكون له تأثير طويل المدى على ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الميناء للغذاء والمساعدات الإنسانية.

جاءت الضربات الإسرائيلية بعد يوم من ضربة شنها الحوثيون بطائرة مسيّرة، والتي قد تشكل جريمة حرب، على حي سكني في تل أبيب، وقتلت مدنيا وأصابت أربعة آخرين.

والضربات الجوية الإسرائيلية، التي قتلت ستة مدنيين على الأقل وأصابت 80 آخرين على الأقل، أصابت أكثر من عشرين خزان نفط ورافعتين للشحن في ميناء الحديدة شمال غرب اليمن، بالإضافة إلى محطة كهرباء في مديرية الصليف بالحديدة.

يفترض أن الهجمات تسببت في أضرار غير متناسبة للمدنيين والأعيان المدنية. الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب المرتكبة عمدا، أي عن عمد أو بإهمال، تُعتبر جرائم حرب.

قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: “الهجمات الإسرائيلية على الحديدة، ردا على غارة الحوثيين على تل أبيب، قد يكون لها تأثير دائم على ملايين اليمنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. يعاني اليمنيون بالفعل من الجوع على نطاق واسع بعد نزاع دام عقد، ولن تؤدي هذه الهجمات إلا إلى تفاقم معاناتهم”.

قابلت هيومن رايتس ووتش 11 شخصا حول هجوم الحديدة، منهم مسؤول حوثي في ​​صناعة النفط اليمنية و4 موظفين في وكالات تابعة لـ”الأمم المتحدة” على معرفة بالميناء. حلّلت هيومن رايتس ووتش أيضا صور الأقمار الصناعية للمواقع المستهدفة وصور لمخلّفات الأسلحة المحتملة التي جمعتها “منظمة مواطنة لحقوق الإنسان” غير الحكومية.

أرسلت هيومن رايتس ووتش نتائجها الأولية إلى السلطات الإسرائيلية في 31 يوليو/تموز، وإلى الحوثيين في 7 أغسطس/آب، لكن لم يرد أي منهما.

قتلت الهجمات الإسرائيلية أحمد عبد الله موسى جيلان، وصلاح عبد الله مقبل الصراري، وعبد الباري محمد يوسف عزي، ونبيل ناشر عبده عبد الله، وأبو بكر حسين عبد الله فقيه، وإدريس داود حسن أحمد، وجميعهم من موظفي “شركة النفط اليمنية”. قتلت ضربة الحوثيين بطائرة مسيرة على تل أبيب يفغيني فيردر (50 عاما) في مبنى سكني.

قال دانييل هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن الطائرة المسيرة الحوثية من طراز “صماد 3” إيرانية الصنع. قدرات التوجيه والاستهداف لصماد 3 غير واضحة، كما أن هدف الحوثيين غير مؤكد، مما يصّعب تحديد إذا كانت الضربة أصابت هدفها المقصود. لم يُشر الحوثيون إلى أنهم كانوا يهاجمون هدفا عسكريا، لكنهم ذكروا أنهم ضربوا “هدفا مهما”، ربما في إشارة إلى مكتب فرع السفارة الأمريكية في المنطقة المجاورة.

هجوم الحوثيين، الذي ألحق الأذى عمدا أو عشوائيا بالمدنيين والأعيان المدنية، قد يرقى إلى جريمة حرب. في الأشهر الأخيرة، أطلق الحوثيون العديد من الصواريخ عشوائيا على مدينتي إيلات وحيفا الساحليتين الإسرائيليتين.

وجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات الإسرائيلية أضرت أو دمرت 29 من مرافق تخزين النفط الـ41 في ميناء الحديدة على الأقل، والرافعتين الوحيدتين المستخدمتين لتحميل وتفريغ الإمدادات من السفن. دمرت الضربات الجوية أيضا خزانات النفط المتصلة بمحطة كهرباء الحديدة، مما أوقف محطة الكهرباء عن العمل 12 ساعة.

مخلفات الأسلحة التي جمعتها مواطنة لحقوق الإنسان في موقع الضربة حملت علامات “وودوارد”، وهي شركة تصنيع أمريكية، وتتطابق مع المخلفات التي جُمعت في سياقات أخرى، من سلسلة القنابل “جي بي يو-39 “( GBU-39) التي تصنعها شركة “بوينغ” الأمريكية. قنبلة جي بي يو-39، المعروفة باسم “القنبلة صغيرة القطر”، هي ذخيرة موجهة تُسقط جوا.

كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وودورد وبوينغ في 14 أغسطس/آب لكنها لم تتلق ردا.

ميناء الحديدة هام جدا لتوصيل المواد الغذائية وغيرها من الضروريات إلى السكان اليمنيين الذين يعتمدون على الواردات. يمر حوالي 70% من واردات اليمن التجارية و80% من المساعدات الإنسانية عبر ميناء الحديدة، بحسب أوكي لوتسما، الممثل المقيم لـ “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، الذي قال أيضا إنها [موانئ الحديدة] “بالغة الأهمية للأنشطة التجارية والإنسانية في اليمن”. وصفت روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، الميناء بأنه “شريان حياة لملايين الأشخاص” ويجب أن يكون “مفتوحا وعاملا”.

قال مسؤول في وكالة تابعة للأمم المتحدة إن نحو 3,400 شخص، جميعهم مدنيون، يعملون في الميناء. قال المسؤول في 30 يوليو/تموز إنه “لم ير سفينة جديدة واحدة تدخل الميناء منذ الهجوم، وهو مؤشر مثير للقلق” فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية.

تفتقر الموانئ اليمنية الأخرى إلى القدرة نفسها على إدارة الواردات، كما أن الدمار والأضرار التي لحقت بخزانات النفط ورافعات التحميل، والضرر والدمار الأوسع الذي لحق بمنشآت الميناء، يعني أن إعادة بناء هذه المرافق سيتطلب الكثير من التمويل والوقت.

قال مسؤول قطاع النفط لدى الحوثيين إن الضربات التي حصلت في وقت مبكر من المساء نُفذت “أثناء تواجد عشرات المدنيين هناك، بمن فيهم الموظفون الذين يديرون هذه الخزانات، وسائقي الصهاريج الذين كانوا هناك لنقل النفط إلى المحافظات الأخرى”.

توصّل تحليل هيومن رايتس ووتش لصور الأقمار الصناعية إلى أن خزانات النفط احترقت لثلاثة أيام على الأقل، مما يثير مخاوف بيئية. قال مساعد عقلان، الخبير البيئي في “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، وهو مركز أبحاث يمني، إن “الأبخرة السامة الناتجة عن حرق آلاف الأطنان من الوقود… تشكل بلا شك خطرا جسيما على الصحة العامة”. قال إن تسرب النفط من الخزانات إلى المناطق المحيطة “يهدد بتلويث مصادر المياه والتربة والشواطئ والموائل البحرية القريبة”.

بموجب قرار “مجلس الأمن الدولي” رقم 2534 (2020)، كُلّفت “بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة” بالإشراف على مدينة وميناء الحديدة لضمان عدم وجود أفراد عسكريين أو عتاد.

قال مسؤول في وكالة تابعة للأمم المتحدة تراقب الميناء إن الوكالة لم تعثر على أي دليل على وجود عسكري للحوثيين في الميناء، وقال إن وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة تفتش السفن قبل دخولها الميناء لم تعثر على أي أسلحة.

أشار اثنان من مسؤولي الأمم المتحدة الذين يعملون في الحديدة إلى أن سلطات الحوثيين تقدم موافقة مسبقة لوصول الأمم المتحدة وترافق مسؤولي الأمم المتحدة في عمليات التفتيش.

قال مسؤول صناعة النفط إن خزانات النفط في الميناء ليست مملوكة للحوثيين، بل “لرجال أعمال يمنيين يستوردون النفط ويعيدون بيعه إلى محطات الوقود والمؤسسات الأخرى”. تمتلك منظمات الإغاثة أيضا بعضا من النفط وتستخدمه في عملياتها.

وقال مسؤول في برنامج الأغذية العالمي إن البرنامج خسر 780 ألف ليتر من الوقود في الهجوم، الذي كان يستخدمه لـ “دعم مولدات المستشفيات” والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي في جميع أنحاء اليمن. قالت مواطنة ومسؤول قطاع النفط إن النفط المتبقي يستخدم في أغراض عامة مختلفة. قال مسؤولان في وكالة تابعة للأمم المتحدة إن النفط الموجود في الميناء مستورد من الإمارات.

استهدفت الضربات الجوية الإسرائيلية أيضا محطة الكهرباء الرئيسية في الحديدة. قال شخصان على معرفة بالحديدة إن محطة توليد الكهرباء كانت المصدر الرئيسي للكهرباء في المدينة، وتوفر الكهرباء للمستشفيات والمدارس والشركات والمنازل. المناخ في محافظة الحديدة من بين الأعلى حرارة في اليمن، مما يجعل الكهرباء ضرورية للمراوح وتكييف الهواء والتبريد.

تحظر قوانين الحرب المعمول بها الهجمات المتعمدة أو العشوائية أو غير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية. الهجوم الذي لا يستهدف هدفا عسكريا محددا يُعتبر هجوما عشوائيا. يُعتبر الهجوم غير متناسب إذا كانت الخسائر المتوقعة في صفوف المدنيين مفرطة مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة من الهجوم. قد تكون مرافق الموانئ وخزانات النفط ومحطات الطاقة الكهربائية أهدافا عسكرية مشروعة عندما تستخدمها قوة مسلحة أو جماعة مسلحة غير تابعة للدولة.

قد يعجبك ايضا